هل خلت الأسواق السورية من الأدوية المزورة…”الصحة” ونقابة الصيادلة تنفيان و وأكاديميون يحذّرون

الخبير السوري:

الأدوية المزورة مشكلة عالمية، ويكفي أن نتابع تقريراً واحداً من التقارير التي تبثها محطات التلفزة العالمية حول الموضوع لنصاب بالهلع، ونبدأ بالتساؤلات الملحة من منطلق الاطمئنان أو إطفاء نار الهواجس…مثل هل خلت أسواقنا نحن من هذه السموم القاتلة؟، وما هي أدوات الضبط والرقابة التي تجري بموجبها حمايتنا من خطر هذه المعلبات الخطرة التي يمكن أن تردنا على شكل أدوية؟…وتساؤلات كثيرة مشروعة في الواقع..؟

تحت السيطرة

لم تتردد مديرة الرقابة والبحوث الدوائية في وزارة الصحة د. رانيا شفه بالجزم بأن الدواء المهرب، هو دواء غير نظامي بالعموم، ويعد حسب قانون الدواء مزيفاً.. و مجهول المصدر، كما أنه لا يخضع  للتحاليل في مخابر الرقابة والبحوث الدوائية التابعة لوزارة الصحة، إضافة إلى أن آلية تخزين الدواء المهرب مجهولة ولا يمكن الوثوق بمدى فعاليته وأمان استخدامه من قبل المرضى.

تطمئن الدكتورة شفه بأن دوائر الرقابة الدوائية في مديريات الصحة في المحافظات، رقابة العشوائية أي مباغتة، وبشكل دوري على الأسواق للتأكد من عدم وجود تداول للأدوية المهربة، وفي حال وجودها يتم إصدار تعاميم بسحبها وإتلافها وإبلاغ مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومديرية الجمارك العامة بذلك، وعلى هذا الصعيد تم إصدار عدة تعاميم بسحب وإتلاف دوية مزورة،  كما يتم أيضاً بشكل دوري التأكيد على الصيادلة ومراكز توزيع الدواء بعدم تداول الأدوية غير المسجلة ومجهولة المصدر، والتأكد من المنتج الأصلي للمستحضر في حال الشك بوجود أي تزوير، وعدم استجرار المستحضرات الدوائية  والصحية إلّا من الوكلاء المعتمدين في المحافظة المعنية، وعدم اقتناء الأدوية مجهولة المنشأ أو المزورة، وإعلام نقابة الصيادلة ووزارة الصحة في حال وجود أي مستحضر غير نظامي نظراً لخطورة تداول هذه المستحضرات وعدم وثوقيتها.

ويتشارك الدكتور الصيدلاني حسن ديروان رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة، الرأي مع مديرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة، فهو أيضاً يطمئن من يستفسر بأن اللجان التابعة لفرع دمشق لنقابة الصيادلة، تقوم بجولات دورية على صيدليات مدينة دمشق للتأكد من عدم وجود أدوية مهربة مزورة أو منتهية الصلاحية وبالتالي مصادرتها و إتلافها أصولاً.

جدل

أما الحديث الأكثر جدلاً وتوسعاً فكان للأستاذ الدكتور وسام عازر اختصاصي المراقبة الدوائية من الجامعة العربية الدولية والأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة دمشق.. في البداية بيّن أن واقع الحرب الموجود بشكل طبيعي تسبب بضعف القدرة على المراقبة، وبالتالي الأسواق نسبياً تصبح عشوائية وهذا يفتح سوقاً للتهريب بسبب شح الموارد والحصار المفروض على بلدنا، كما أن العقوبات أثرت في الصناعة الدوائية وأصبحت هناك صعوبة في الاستيراد بالطرق النظامية.

بنبرة أكثر صراحة يبدو للدكتور عازر رأي آخر خلافاً لما ورد من وزارة الصحة و ” صيادلة دمشق”..ويلفت إلى أن لدى وزارة الصحة مديرية ومخابر للرقابة الدوائية، يفترض أن تراقب الدواء والصيدليات بشكل دائم وتأخذ عينات من السوق، ولكن برأيه يبدو عمل هذه المديرية ليس بأفضل الأحوال وخصوصاً إبان الحرب على البلد، فهناك مشاكل منها تتعلق بالإمكانات، وأيضاً بالظواهر العميقة الموجودة في الأجهزة الحكومية لذلك من الطبيعي أن نرى دواء مزوراً ومهرباً.

إضافة إلى ما سبق، يرى أستاذ الصيدلة بجامعة دمشق، أنه وفي الوقت نفسه، حدّت ظروف الحصار والعقوبات بشكل كبير من استيراد المواد الفعالة، وبالتالي تم فقدان أدوية من السوق إما بسبب صعوبة الاستيراد أو بسبب تسعيرة وزارة الصحة، وهذا فتح سوقاً للأدوية المزورة المهربة وهنا نقصد قد تكون مزورة أو حقيقية أصلية.

خطيرة

يرى الدكتور عازر أن الأدوية المزورة بحث كامل بأخطاره وآثاره الضارة سواء من الناحية الصحية أو الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، التي تعبر عن ثقة المواطنين بالنظام الصحي، فإن عمل النقابة بإطار الأدوية المزورة هو إطار إجرائي بحت محصور ضمن الجولات التفتيشية على الصيدليات لمراقبة الأدوية الموجودة إن كانت مرخصة أم هناك أدوية مهربة، ولكن أي عينات تضبط ..؟

العينات تُراقب وتُحلل في وزارة الصحة، وبرأيي- والكلام للدكتور عازر – هنا مربط الفرس بالنسبة لجودة الدواء، ولكن وزارة الصحة تعاني ما تعانيه المؤسسات الحكومية، من ضعف الإمكانات وضعف الكوادر.

ويوضح د. عازر أيضاً من وجهة نظر أخرى، أن هناك أدوية تبدو السوق الطبية بأمس الحاجة لها، هناك أطباء لديهم ثقة بأصناف معينة من الدواء وإن كانت الشركات المحلية لا تنتجها فمضطرون لاستيرادها أو إيجادها بشكل مهرب في السوق، فمن المفترض أن هذه الحاجات تُلحظ ويتم استيرادها للتخلص جزئياً على الأقل من سوق التهريب، الذي يفتح باب سوق التزوير.

خطورة الأدوية المزورة تتراوح بين عدم معالجة المرض و أحياناً مفاقمته، أو إحداث مرض آخر بسبب أن شروط تصنيع الدواء المزور لا تليق بشروط إنتاج الدواء، وبالتالي يتفاقم المرض، وتطرأ عوارض جانية بسبب شوائب موجودة في الدواء، وأحياناً تتسبب هذه الأدوية بموت المريض، إذا كانت حياته مهددة.. هذا من الناحية الصحية .

أما من الناحية الاقتصادية فإنّ الأدوية المهربة تحرم الخزينة العامة من إيرادات، يفترض أن تدخلها لو تم استيراد الدواء بشكل نظامي ، وفي نهاية الكلام نحن بحاجة لكثير من الإجراءات، لأن الحرب لن تساعد في بسط إجراءات الضبط، بالعكس الحدود مترامية وتتيح مجالاً واسعاً أمام نشاط المهربين، و سوق التهريب تتضاعف أضعافاً مضاعفة، وأيضاً الرقابة الدوائية تكون أضعف، ولا توجد مساعدات لضبط هذه الظاهرة وحتى على المدى المنظور .

حلّ

لا تبدو الدكتورة رنوة السيد الأستاذة في كلية الصيدلة بجامعة دمشق متشائمة، فهي ترى الحل بتشديد الرقابة على السوق الدوائية، وأيضاً فتح باب الترخيص لأدوية جديدة،  فهي ترى أنه من الواجب عمل تسهيلات لنمو الصناعة الدوائية التي طالما كانت الضامن للأمن الدوائي للمواطنين، وكان لها دور في عوامل النمو والازدهار عند التصدير للخارج والدول المجاورة.

ولفتت د. السيد إلى بيع بعض المنتجات غير الدوائية بالمعنى الكامل، كالمتممات التي تباع بشكل عشوائي ويتم تداولها بالنوادي الرياضية ومختلف الأماكن، وهذا يشكل خطورة.. لا بدّ من التوعية والتشديد على الصيادلة بالأمانة التي يحملونها بإيصال المواد الموثوقة من طريق إنتاجها وتوزيعها إلى المستهلك، أي  يجب حصر بيع جميع أشكال الأدوية والمكملات الغذائية في الصيدليات والرقابة على شروط حفظها وتوزيعها ومصادرة هذه الأدوية .

مشكلة عالمية

بدوره يرى الأستاذ الدكتور عامر مارديني، أستاذ الصيدلة بجامعة دمشق – رئيس جامعة دمشق ووزير التعليم العالي الأسبق، في تصريحه لـ ” تشرين” حول هذه المشكلة، أن الأدوية المزورة التي تباع في الصيدليات هي مشكلة عالمية وليست محلية، وهو سؤال يجب توجيهه إلى كل من وزارة الصحة ونقابة الصيادلة ونقابة الأطباء مع العلم أن بعضها الأغلى ثمناً وليس كل الأدوية .

لكن برأيه..المسؤولية في هذا السياق لا تقع على جهة محددة بعينها،  بل على الجميع ، لضبط التزوير والتهريب أولاً، كما على الأطباء الذين يطلبون في وصفاتهم مثل هذه الأدوية المهربة، أن يقلعوا عن ذلك، لأنهم يوقعون مرضاهم في الوهم بأن المشكلة الصحية تكمن في سوء نوعية الدواء المحلي وعدم  فعاليته، وليس في تشخيصهم لحالته المرضية.

ولم يغفل الدكتور مارديني ظاهرة عدم توافر الدواء أحياناً تصنيعاً أو استيراداً، الأمر الذي يفاقم المشكلة وأخيراً هناك رعونة بعض الصيادلة واعتقادهم بأنهم مضطرون لتأمين الدواء للمريض متناسين أن المسؤولية في هذا الإطار هي على الدولة وحدها في تأمين ذلك الدواء وليس عليهم.. علماً أن ممارسة بيع الدواء المزور هي جزء من الأفعال الشائعة للمتصيدلين الذين تطاولوا على شرف هذه المهنة.

ختاماً- الكلام لنا–  تبقى المسؤولية الأكبر على المريض ذاته أو على ذويه، فاللجوء إلى الدواء المهرّب ليس خياراً حكيماً..حتى لو زعم الصيدلاني.. أنه الدواء الشافي.

آية محمد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]