ألطف ” الكراسي” و أكثرها رعباً..؟؟

الخبير السوري:

هناك لعبة اسمها الكراسي الموسيقية، ترقص المجموعة؛ ولكن في نهاية اللحن يهرع الكل للجلوس عـلى أقرب كرسي؛ سيبقى البعض واقفاً، فعلى كل جالس أن يتذكر أن الكرسي بمنزلة مسؤولية، فهو لا يريح، وحتى إن أراح فهو…لا يدوم!!

لعله ما من قطعة من الأثاث استحوذت على اهتمام البشر بقدر الكرسي! ‏ بالرغم من كونه قطعة من الخشب أو(البلاستيك) بأربع قوائم، يجلس عليه الرجل، بينما قبله كان الناس يفترشون الأرض…

نسمع عن تغييرات في إدارات مؤسسات عامة وخاصة، يستقبلها العامة أحياناً بالسرور وتارةً بالحزن العميق، لكن ما شعور المدير عندما «يطير» من كرسيه؟… يقال: إن سلالة تانغ الصينية (618 ميلادية) هم أول من اخترعه، ويعزوه البعض للفراعنة القدماء، أو بكل بساطة استنبطه شخص ملّ الوقوف أو تعب، من دون أن يدري أنّه بعد هذا الاختراع سيتعب الكثيرون لهاثاً وراء الكرسي!. وهنا أتذكر الكثير من مديري الشركات الذين يعتلون الكرسي بوجل، ثم يستمرؤون الجلسة، ويستتب لهم الأمر، وبعدها تنتشر جذورهم، ويتشبثون به من دون أيّ وعي لمستقبل، أو نقل أو تقاعد.. وصدور أمر بانتهاء خدمتهم يعني لهم، بلا أي مجاملة، حكماً بالإعدام، فواحدهم يستمد قوة الضبط والربط منه، ‏(العـدوى انتقلت للجمعـيات «الثقافية»!)

لعل أقبح الكراسي هي كراسي العزاء، وألطفها كراسي التلبيسة (الفرح)، أما الكرسي الذي يتساوى فيه الناس فهو كرسي الحلاق ونهاية الجلسة «نعيماً» ولكن.. لا ننسى أنه لا يصلح العطار ما أفسد الدهر!! ‏

ومن الكراسي المرعبة: كرسي طبيب الأسنان، حيث يتهيبه الصغير والكبير.. ‏أما أشد الكراسي هلعاً فهو الكرسي الكهربائي، وهو لتنفيذ الحكم بالإعدام بالطريقة الأميركية.. ‏ طرفة في السياق ذاته: دخل أستاذ الفلسفة وأشار إلى كرسيه قائلاً: (سؤالي للامتحان بسيط ومختصر.. استخدم أي نظرية تعلمتها في هذا الفصل، لإثبات أنّ «هذا الكرسي غير موجود»).. انهمك الكلُّ بالتفكير والكتابة، عدا طالب واحد كتب بضع كلمات لعشر ثوان، ثم سلم ورقة إجابته.. لدى إعلان النتائج حاز صاحبنا العلامة التامة، كانت إجابته «أيّ كرسي!»… هنالك كرسي رئيس الجلسة (في الإنكليزية تحوّل الاسم إلى فعل.. يقال فلان سيرأس الاجتماع (To Chair the meeting)، ولا ننسى أنّ هناك مديرين يطلق عـليهم (رجل الكرسي: لايحل ولا يربط). ‏ ينظرون إلى حقبتنا الحالية أن التقنية المُمَيِزة لعصرنا الحديث هي الكرسي، وليس أجهزة الكمبيوتر، وأن لهذه القطعة من الأثاث تأثيراً كبيراً في أجسادنا.

صارت الكراسي في كل مكان؛ في المكاتب والقطارات والمقاهي والمطاعم والحانات والسيارات وقاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما، وعيادات الأطباء والمستشفيات وصالات المسارح والمدارس، وقاعات المحاضرات، وفي كل مكانٍ في منازلنا (أستطيع أن أضمن لك أن لديك عدداً من الكراسي في منزلك يفوق ما تظن). من جهةٍ أخرى، إذا طُلِبَ تقديم تقديرٍ ولو مُتحفظٍ لعدد الكراسي في العالم، فهنالك مشقة في الهبوط بالتخمين ليكون أقل من 8 إلى 10 لكل شخص، وبتطبيق هذا المنطق، سيكون هناك أكثر من 60 مليار كرسي على كوكبنا.

لطالما كانت الكراسي تُربط باستمرار بمفاهيم مثل القوة والسلطة والثروة والتمتع بمكانةٍ ساميةٍ، وبلغ الأمر حدَّ استخدامها من قبل أهل الريف بتبجيل، وكأنها التاج الذي يُوضع على رؤوس الملوك والحكام، وهنالك صورة لنابليون في قصر فرساي تعود إلى عام 1809 وتظهر الإمبراطور الفرنسي جالساً على كرسي بينما ظل كل من حوله وقوفاً.

أشار تعدادٌ للسكان أُجري عام 1851 إلى أن عدد من يؤدون أعمالاً إداريةً كان يقل قليلاً عن 44 ألف شخص، وبعد عقدين، أصبح عدد من يؤدون عملهم جلوساً في معظم الوقت أو كله نحو 91 ألفاً، أي بزيادةٍ تفوق نسبتها الضعف.

الآن أصبحت تلك الفئة الأخيرة من المهنيين تمثل الأكثرية، وعبر العقود المختلفة من القرن العشرين، نمت حولنا غابةٌ من الأنشطة الأخرى – التي تُؤدى في وضع الجلوس غالباً أو على الدوام – وذلك لتتناسب مع الطبيعة الجديدة لحياتنا في أماكن العمل. الكل يجرون وراء المناصب، وعندما يشغل الكرسي الملك أو الإمبراطور يصبح الكرسي عرشا، و«ياما» جرت حروب طاحنة ودامية للوصول إليه، والاستحواذ عليه، وكل هذا برغم أنه بالضبط ذلك الكرسي الخشبي نفسه القائم على أربعة أرجل.

د. سعد بساطة – تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]