مراهنات البراميل السوداء… نبوءات مسيَّسة لتحديد الرابح والخاسر..! ارتجالات “الكاو بوي” خلف كواليس زلزال “أسعار النفط” وارتداده على المنطقة…وهذه هي الأدلة…

في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي اخترت لرسالة تخرّجي في قسم الصحافة /كلية الآداب/ عنوان “وكالة الاستخبارات الأمريكية أداة للحرب النفسية..”، مردّ اختياري حافزه ودافعه، التعرّف على العقلية الشيطانية التي تجهد للتحكم بمصائر الشعوب والدول وبالتالي السيطرة عليها لإخضاعها وتسخيرها ومواردها في خدمة أجندات الإدارات الأمريكية، التي إن اختلفت في الوسائل والطرق إلاَّ أن هدفها النهائي السيطرة على العالم عبر السيطرة على ثرواته…!.
النتيجة المختصرة لما تكشّف لي تتمثل بما نشهده حالياً في منطقتنا وما شاهدناه سابقاً في مناطق أخرى من جهات الأرض الأربع، أما الكيفية التي يتم من خلالها تطبيق الخطط والاستراتيجيات لتدمير المجتمعات، فتظهر إلى أي مبلغ بلغت حرفيّتهم الإجرامية في إسقاط الأنظمة والدول.
يومها وقع بين يديّ كتاب لكاتب أمريكي يكشف فيه عما أعدّته أمريكا من مخططات في سراديب مؤامراتها لمنطقة الشرق الأوسط وما بعدها، مفادها ما شهدناه في أفغانستان ثم حرب الخليج الأولى والثانية والحرب بين العراق وإيران وتدمير الأول بعد دخوله المرسوم للكويت، أما الغاية فكانت بالمختصر السيطرة على الطاقة (النفط) عبر الوجود الدائم للقواعد الأمريكية في الخليج، لأن الاستراتيجيين الأمريكيين -حسبما كشفه الكاتب- رسموا سياساتهم انطلاقاًمن أن من يستطيع السيطرة على الطاقة في هذه المنطقة، سيسيطر على العالم في القرن الحادي والعشرين وخاصة في المرحلة الانتقالية التي ستبدأ من لحظة بيان مؤشرات النضوب النفطي.
ما حدث سابقاً مستمر، ولعل منعكسات طفرة استخدام النفط العربي كسلاح في حرب تشرين عام 1973 كانت البداية لما نشهده من تجليات رياح “الربيع العربي” الخماسينية.
زلزال اقتصادي وسياسي من العيار الثقيل، لماذا هبطت الأسعار وسعر البترول مَن يقرره؟ ومَن الخاسر والرابح؟ عنوان وأسئلة حاول الدكتور عبد الحي زلوم الباحث في شؤون الطاقة من مصر الشقيقة الإجابة عليها وخاصة أنه قضى أكثر من نصف قرن في عالمها العربي والدولي كمستشار، وقد وردتني من صحفي صديق (تبادل إعلامي)، أستعرضها لأهميتها وضرورتها لمكتبتنا الإعلامية والاقتصادية النادرة بمثل هذه المعلومات، علها تساهم في تشكيل وعي جماهيري لاكتشاف حقيقة ما يجري في سورية والمنطقة، كما لعلها تكون مرجعاً لمتخذي القرار.
كي نفهم..
فلنبدأ أولاً بالسؤال عمَّن يقرّر أسعار النفط؟. يقول زلوم: بعض الهواة أو المغرضين أو الجهلة يذهبون شرقاً وغرباً في تفسيراتهم والجواب بسيط: أنها الولايات المتحدة فقط لا غير، حتى سنة 1970 كانت الولايات المتحدة مصدّرة للنفط وأصبح إنتاجها يساوي استهلاكها فقط في تلك السنة، كانت تحافظ على فائض في مقدرة إنتاجها بحدود 3 ملايين برميل يومياً، وتزيد الإنتاج متى أرادت تخفيض السعر وتخفّض الإنتاج عندما كانت تريد رفع السعر، فقدت هذه الميزة عندما أصبحت مستوردة للنفط من 1970 إلى يومنا هذا، وتم إعطاء هذا الدور المرجّح كما يسمّى إلى السعودية. (تُنسِّق) الولايات المتحدة مع العربية السعودية للسيطرة على أسعار النفط.
وعن هذا الدور قال أحمد زكي اليماني وزير النفط السعودي الأسبق مفتخراً: “لتدمير دول أوبك الأخرى، يكفي أن ندفع إنتاجنا إلى أقصى طاقته، ولتدمير الدول المستهلكة، يكفي أن نخفّض معدّلات إنتاجنا”، ولكن يا تُرى مَن يملك القرار الحقيقي لاستعمال “قوّة التدمير” هذه؟.
الجواب- حسب زلوم- واضح هو “السيطرة على سعر النفط وكمية إنتاجه هما من ركائز الأمن القومي الأمريكي”. إذاً كمية الإنتاج والسعر من ركائز الأمن القومي الأمريكي ومن البدهي أن الولايات المتحدة لا تجيّره لأحد، وإن قراري السعر وكمية الإنتاج هما أمريكيان 100%.
مخططات سرية..
ويوضح زلوم: وللدلالة على أن الولايات المتحدة تخطّط سرّاً لخفض الأسعار لتحفيز اقتصادها نورد المثال التالي:
في “دراسة سرية جداً” وزارة الطاقة الأمريكية وجّهت إلى وزارة الخارجية في 24/10/1984 رسالة جاء فيها: “سياستنا يجب أن تنحو نحو هبوط أسعار النفط 30-40%، وذلك لمعافاة الاقتصاد الأمريكي”. وفي برقية عاجلة من وزارة الخارجية إلى سفارتها في لندن (سرّي جداً) جاء فيها: “إن وزير الخارجية مهتم جداً بدراسة سريعة عن تأثير هبوط كبير في أسعار البترول”. كان ذلك في البرقية رقم 081715 المرسلة في شهر آذار 1985.
يتابع: هبطت الأسعار من معدّل 26 دولاراً للبرميل في شتاء 1985 إلى أقل من (10) دولارات للبرميل 1986. تماماً كاليوم كان هذا التخفيض لتحفيز الاقتصاد الأمريكي وإنهاك الاتحاد السوفييتي الذي كان يحارب في أفغانستان.
السعودي.. يتساءل!
ولكن لماذا تقوم هذه الدولة أو تلك بفعل يتنافى مع مصالحها؟ للإجابة على هذا يورد زلوم الآتي: سأل أحد طلبة كلية البترول السعودية في الظهران، وزير بترول المملكة العربية السعودية أحمد زكي اليماني في كانون الثاني 1981، هذا السؤال: “المواطن السعودي الذي ينظر إلى السياسة النفطية الحالية سيجد أن المملكة تنتج أكثر مما يحتاج إليه اقتصادها، وتبيع نفطها بأسعار أقل من المعدلات الجارية، بل أقل من الأسعار التي تبيع بها دول الخليج الأخرى، ومع ذلك فإن هذه التضحية تقابل بهجمات معادية من الصحافة ووسائل الإعلام، بل حتى من مسؤولين حكوميين كبار في الدول الغربية. ألا تعتقد أنه حان الوقت لأن نتوقف عن التضحية بأنفسنا في سبيل إرضاء مستهلكي النفط؟”.
الجواب الذي لم يسمعه السائل -يقول زلوم ويردّ موضحاً- هو: لأن الممالك تريد الحفاظ على أنظمتها. فالولايات المتحدة تجلس فوق حقول النفط! وعليه بالطبع فالقرار ليس قرارها لأنه لو خفضت الإنتاج اليومي إلى 3 ملايين برميل فقط بدلاً من 10 لارتفع السعر إلى 120 دولاراً، ولكان الدخل يعادل ما تحصل عليه اليوم بإنتاج 10 ملايين برميل.
الرابح والخاسر..؟
الرابح الأكبر هو الولايات المتحدة والخاسر الأكبر هي الدول المنتجة للنفط وخصوصاً الدول العربية في الخليج، ويترك زلوم الأرقام تتكلم: تمثل إيرادات النفط 90% من صادرات السعودية و80% من دخل ميزانيتها وهي الأكثر تأثراً من الدول الأخرى، واعتماد نيجيريا من دخلها على النفط 75%، وروسيا 50% ، وإيران 47% ، وفنزويلا 40%.
ويبيّن أن هبوط السعر من 120 إلى 30 دولاراً يعني هبوط سعر البرميل 90 دولاراً، تستورد الولايات المتحدة نحو 7 ملايين برميل يومياً أي توفر 630 مليون دولار باليوم أي نحو 230 مليار دولار بالسنة. أضف إلى ذلك تحفيز الاقتصاد الأمريكي بفرق السعر للإنتاج المحلي بنحو 360 مليار دولار في السنة. وهذا التوفير يذهب إلى جيب الشعب الأمريكي فقد هبطت أسعار البنزين والوقود والكهرباء في الوقت نفسه الذي ارتفعت فيه هذه الأسعار في الدول النفطية المنتجة..!.
ويتابع زلوم لافتاً: لو كان إنتاج دول مجلس التعاون 17 مليون برميل في اليوم فالخسارة اليومية هي نحو 1.53 مليار..!.
النتائج السياسية والاقتصادية
يرى الباحث أن الهبوط المفاجئ وبالطريقة التي حصلت هو زلزال اقتصادي وسياسي من العيار الثقيل، وستكون له عواقب عالمية خصوصاً على البلدان المنتجة للنفط. حتى حزيران 2014 كان النفط يُباع بـ115 دولاراً للبرميل. كان الافتراض السائد أن السعر سيبقى أعلى من 100 دولار ويزداد ببطء في المستقبل، وبناء على هذا الافتراض صرفت شركات الطاقة مئات ملايين الدولارات في عمليات الاستكشاف والحفر في أعالي البحار واستخراج الزيت الرملي في كندا، والزيت الصخري في الولايات المتحدة والزيت الثقيل في فنزويلا، علماً أن أكثر هذه الأنواع من الإنتاج كلفته لا تقل عن 50 دولاراً للبرميل، واليوم هبط السعر عن 30 دولاراً للبرميل أي اليوم السعر قد هبط نحو 75% عن سعر حزيران 2014 ما يجعل ما يسمّى الإنتاج غير التقليدي المذكور أعلاه دون جدوى اقتصادية، كما سيتم إيقاف الإنتاج بواسطة البرامج المساعدة للإنتاج التي تسمّى الطرق الثانوية والثلاثية.
وعلى ضوء ذلك يؤكد زلوم أن الأسباب التي دعت الولايات المتحدة للجوء إلى زلزال اقتصادي هي في الأساس سببان:
الأول: هبوط الأسعار بهذا الشكل الزلزالي يهدف إلى “زلزلة” اقتصاد أعداء الولايات المتحدة وهم روسيا وفنزويلا وإيران، لكن البلد المستهدف أساساً هو الاقتصاد الروسي وبالتالي ما ينتج عنه من زلزال سياسي.
الثاني: الاقتصاد العالمي والأمريكي لم يشفَ لتاريخه من الأزمة المالية لسنة 2008 ونتائجها، وهناك تباطؤ اقتصادي في أوروبا وحتى في الصين، لذلك فهبوط الأسعار يساعد على تحفيز تلك الاقتصادات والخاسر الأكبر هنا هو الدول المنتجة.
تكرار السيناريو..
ويوضح زلوم: كانت نتيجة تدهور الأسعار أن خسر حزب شافيز الانتخابات في 6/12/2015 ووصل إلى السلطة معارضوه الذين صرّحوا بنيّتهم شطب إصلاحات شافيز. كان التقدير أن يحدث زلزال السعر الشيء نفسه في روسيا. تم اختيار سعر 50 دولاراً في البداية باعتبار أن أكثر أنواع الإنتاج غير التقليدي (زيت صخري، زيت رملي، زيت ثقيل، أعالي البحار) يمكن له البقاء والاستمرار على ذلك السعر، لكن المفاجأة كانت بصمود وتكيّف الاقتصاد الروسي مع ذلك الزلزال، بعد انهيار الروبل. ومما زاد الطين بلّة العقوبات المفروضة على روسيا بعد أزمة أوكرانيا التي أوقفت إمكانية اللجوء المؤقت إلى الشبكة المالية العالمية. وأضاف: تم اختيار توقيت ضرب عملة الروبل الروسية في أيلول 2014 حيث كان على روسيا دين خارجي ذلك الشهر 70 مليار دولار ونحو 40 مليار دولار في الشهر الذي يليه. تصرّف البنك المركزي الروسي بشكل استوعب الضربة التي كان يؤمّل أن تكون الضربة القاضية، وتكيّف الاقتصاد الروسي إلى حدّ كبير وبأقل الخسائر الممكنة.
بنتيجة ذلك أصيب المحافظون الجدد الذين يديرون العالم عبر أذرع الولايات المتحدة العسكرية و المخابراتية بصدمة صمود روسيا وكان عليهم استئناف حربهم تلك.
قامت المؤسسات الأمريكية الحكومية والخاصة بدراسة الخطوة اللازمة لتركيع روسيا، وفي دراسة أجرتها (مؤسسة Bloomberg) كانت النتيجة أن 15 من أصل 27 تمّ سؤالهم عن سعر النفط الذي سيزلزل الاقتصاد الروسي فكانت إجابتهم أن سعر “الزلزال” هو 30 دولاراً للبرميل وأن روسيا غير مستعدّة ولا مؤهّلة لاحتمال هذه الصدمة الثانية. اعتقد هؤلاء أن هذا السعر سوف يهزّ النظام المالي والبنكي وسوف يعرّض الروبل إلى هبوط حاد آخر، وهكذا قرّرت أمريكا هبوط الأسعار إلى 30 دولاراً.
صرّح وزير المالية الروسي في 25/11/2015 أن روسيا تأقلمت مع هبوط الأسعار وأن هبوطه حتى 40 دولاراً لن يؤثر كثيراً في روسيا، فالبنك المركزي الروسي قام بدراسة نتائج سعر أقل من 40 دولاراً (30 دولاراً مثلاً) وخرج بنتيجة أن الاقتصاد الروسي سوف يتقلّص بمقدار 3% وأن أسعار السلع ستزيد بنحو 7%، وكما تم تدمير الاتحاد السوفييتي بهبوط أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات وحرب ثقيلة في أفغانستان، يأمل القابضون على السلطة في العالم الرأسمالي إعادة التاريخ مرّة ثانية لسقوط نظام بوتين عن طريق ضرب الاقتصاد الروسي وحروب استنزاف أينما أمكن.
نبوءة مسيَّسة..
قبل أن أبدي وجهة نظري أنقل ما تنبّأت به وكالة الطاقة الدولية (IEA)، بأن سعر النفط سيصل إلى ما بين 50 – 60 دولاراً من الآن حتى سنة 2020 ويصل إلى 85 دولاراً بحلول سنة 2040، أعتقد أن هذه النبوءة مُسيَّسة.
من الناحية الفنية فقط سأورد استقرائي لموضوع الأسعار علماً أنّ الموضوع تتدخّل فيه السياسة بقوة، فلو تمّ تغيير سياسة الولايات المتحدة والدول العربية المنتجة للنفط لخفض الإنتاج فسترتفع الأسعار بأسرع من المتوقع.
كان إنتاج الولايات المتحدة من النفط في شهر كانون الثاني /2010/ 5.5 ملايين برميل في اليوم وأصبح 9.6 ملايين برميل باليوم في تموز 2015، وكل هذه الزيادة جاءت من الزيت الصخري الذي لا يمكن إنتاجه على أسعار 30 دولاراً. إذا خرج من السوق نحو 4 ملايين برميل أمريكي باليوم، ومليون آخر من الآبار المنتجة بالمساعدة الثانوية والثلاثية، سيرجع الإنتاج الأمريكي إلى أقل مما كان عليه سنة 2010، وهذا سيرفع الأسعار رغم أنف الولايات المتحدة، وخصوصاً لو أضفنا إلى ذلك هبوط إنتاج نفط الزيت الرملي من كندا، أضف إلى ذلك هبوط الآبار المنتجة بما يسمّى (depletion rate) بحدود 3% أي هبوط إنتاج بــ3 ملايين برميل.
ويخلص زلوم إلى أن الاحتمال الأكبر أن مجموع هذه الانخفاضات سيمسح الفائض في المخزون العالمي خلال سنة لترتفع الأسعار إلى 50-60 دولاراً. قطاع إنتاج النفط غير التقليدي الأمريكي يتألّم وكذلك اقتصاد روسيا بأكمله في لعبة عضّ الأصابع ومن يصرخ أوّلاً، مشيراً إلى أن ما يجري الآن هو حرب عالمية بكل معنى الكلمة بين الولايات المتحدة ووكلائها وأتباعها، وروسيا ودول بريكس عموماً، مذكّراً بأن الرأسمالية المتوحّشة لم تجِد حرجاً في شن حرب عالمية ثانية كان حصادها مقتل 50 مليون إنسان وتدمير بلدان بأكملها، وهي اليوم تدير حرباً عالمية أخرى –حرب طحن عظام– ليخرج منها العالم بشكل مختلف عن الشكل الذي بدا به.
ويختم بأن الشعب العربي يدفع فواتير هذه الحروب من بترودولارات وبشر وحجر، ونحن مسرح رئيسي من مسارح هذه الحرب.
الخبير السوري – قسيم دحدل – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]