فعالية الدواء الوطني مثيرة للهواجس.. الأطباء يؤكدون همساً والنقابة تصرخ بالنفي!!..

الخبير السوري:

تتزايد هذه الأيام نصائح الأطباء لمرضاهم بالدواء الأجنبي..والجواب دوماً عن السؤال البدهي:” لماذا” ؟..يكون دوماً أن ” المحلّي” قليل الفعالية..النصائح تتكرر ربما على مضض، فلا نظن أن طبيباً يرغب بدعم الدواء الأجنبي على حساب المنتج محلياً، لكن لا نظن أيضاً أن طبيباً يقبل أن تفشل وصفته لمريضه، ليتهمه الأخير بالفشل.

  • ديروان: مديرية الصحة و نقابة الصيادلة تعملان بلجان مشترك  وتعاميم على الصيادلة لسحب التحضيرات المرفوضة

حكاية الدواء المصنّع محلياً مع حيثية الفعالية باتت معلنة، بعضهم – أطباء – يعذر شركات التصنيع لجهة عدم الموافقة على رفع الأسعار بما يواكب ارتفاع التكاليف، بالتالي يتم لجوء الشركات المصنعة إلى تقليل نسبة المادة الفعالة المستوردة، وقد تابع الجميع السجالات بين أصحاب شركات الدواء ووزارة الصحة من أجل رفع أسعار كثير من الأصناف، وهذا حديث متكرر مع كل ارتفاع ولو كان طفيفاً في أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق المحلية.

المسألة حساسة بالفعل، لأن تبعاتها أبعد من مجرد ربح وخسارة، فهي تصل إلى صحة المواطن، والصحة أولوية في حياة الجميع، كما أنها كذلك في حسابات وزارة الصحة على ما نظن..لذلك كان لا بدّ من التحري عن الحقيقة وسط هذا الضجيج الذي بدأ ولم يهدأ.

استنكار

الأطباء يرفون بالطبع توثيق آرائهم التي يبوحون بها لمرضاهم وذوي المرضي في العيادات المغلقة، لذا لم نجد من هو مستعد من الأطباء للإدلاء برأي صريح حول هذا الأمر.

لكن في المقابل هناك نفي قاطع لتهمة ” الفعالية القليلة” في أوساط نقابة الصيادلة– كنقابة – فيما يبوح بعض الصيادلة بما يتماهى مع رأي الأطباء السلبي، لكنهم يرفضون أيضاً توثيق آرائهم إعلامياً.

ومن خلال الحديث مع د. حسن ديروان رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة.. استنكر الادعاءات بقلة فعالية الدواء الوطني، مؤكداً أن هذا غير صحيح، فالدواء المصنّع محلياً يخضع لتحاليل مخبرية فيزيائية وكيميائية وجرثومية دقيقة للتأكد من فعاليته ومطابقته للمواصفات قبل طرحه بالسوق السورية أو تصديره إلى الخارج

ولا يسمح ببيع أي دواء مخالف للمواصفات والتحاليل الفيزيائية الكيميائية والجرثومية وحتى لو ثبت ذلك بعد طرح التحضيرة في الصيدليات تسحب التحضيرة وتتلف، وتتم التحاليل بمخابر وزارة الصحة .

ويضيف نقيب صيادلة دمشق أن مديرية الصحة ونقابة الصيادلة تعملان بلجان مشتركة وتعاميم على الصيادلة لسحب التحضيرات المرفوضة.

هروب

السؤال ذاته وجهناه لنقيب صيادلة سورية د.وفاء كريشي، إلّا أن المفاجأة كانت إحجامها عن التصريح، ورفض الإجابة بشكل نهائي، فيما كنا نظن أنها أكثر من ينبري لدحض ما يشاع عن ضعف فعالية الدواء الوطني، بصفتها الشخصية والمهنية، ورفض كريشي الإجابة – بصراحة– من شأنه إثارة الهواجس من صحة ادعاءات الأطباء وبعض الصيادلة، ويعزز القناعات السلبية بخصوص الدواء الوطني، وهذا ما لا نتمناه، وتجدر الإشارة هنا إلى أننا أخبرنا الدكتورة كريشي أننا سوف نوثق إحجامها عن الرد في تحقيقنا، وكانت إجابتها مدهشة: اكتبوا ما شئتم.

  • “الرقابة” و”البحوث الدوائية” في وزارة الصحة: جميع المستحضرات

تخضع للتحاليل الدوائية ولا صحة لوجود دواء غير فعّال

مقابل هذا الرفض المريب، كانت مدير الرقابة والبحوث الدوائية في وزارة الصحة د. رانيا شفه، أكثر حماساً، حين أكدت أن جميع المستحضرات التي تخضع للتحاليل الدوائية هي الأدوية المطروحة في السوق المحلية وفق القوانين والأنظمة ضمن المواصفات المقبولة دستورياً ولا صحة لوجود دواء غير فعال.

رأي أكاديمي

الحديث العلمي العميق كان لأستاذ الرقابة الدوائية في كل من جامعتي دمشق والأندلس الخاصة للعلوم الطبية د. عامر مارديني الذي أكد أنه لا يمكنه بحكم خبرته الطويلة في قطاع الرقابة الدوائية أن يتبنى فرضية تراجع نسبة المادة الفعالة في الدواء المحلي لعدة أسباب:

السبب الأول هو أن مصانع الأدوية لا يمكنها الدخول في مخاطرة خفض كمية المادة الفعالة بهدف الربحية لأن عيار المادة الفعالة هو المشعر الأهم القابل للقياس من قبل مديرية الرقابة في وزارة الصحة، وفي حال مخالفة المصنع لهذه المواصفة فإنّ إجراءات وزارة الصحة العقابية عسيرة جداً.

أما السبب الثاني فهو عدم الحاجة بالأساس لخفض كمية المادة الفعالة لأنها لم تعد تشكل تلك القيمة الكبيرة من سعر الدواء بعد ارتفاع الكلف التشغيلية الهائل وكذلك أسعار المتممات الدوائية كالعبوات والكرتنة والطباعة وغيرها، فبالحساب نرى أن سعر زجاجة الشراب الفارغة أحياناً أعلى من سعر محتواها.

أما السبب الثالث الذي يمنع المصنع من إنقاص كمية المادة الفعالة هو أن خفضها قد يكون أكثر ضرراً على المريض من عدم وجودها نهائياً، لأن التأثيرات الضارة للمادة الدوائية المنقوصة كميتها ستسيء للمريض، بينما لن تحصل الفعالية إذا كانت تلك المادة الدوائية ناقصة عن مقدارها المعنون على العبوة، أي لا مصلحة البتة للمصنع الدوائي بإنقاص كمية المادة الدوائية.

موضوعية لابدّ منها

أمام تطمينات نقابة دمشق والأستاذ الدكتور مارديني، كان هناك رأي آخر أكاديمي للدكتورة رنوة السيد من كلية الصيدلة بجامعة دمشق.. التي بيّنت بأن الصناعة الدوائية واجهت الصعوبات نفسها التي واجهتها كل الصناعات في سورية اضطرت الكثير من المعامل في سورية أن تخفض إنتاجها أو تقلل من إنتاجها على حساب النوعية، فالعملية الإنتاجية تعاني من غلاء في الموارد وظروف العمل غير المناسبة وبأن يستورده المادة من الهند بدلاً من ألمانيا.

  • أكاديمي: لا مصلحة البتة للمصنع الدوائي من إنقاص كمية المادة الدوائية..

  • لا توجد دراسات واضحة ولا أرقام واضحة حول تراجع فعالية المادة الدوائية حتى الآن

وأوضحت الدكتورة السيد أنه يجب أن تكون هناك طريقة لمقاربة المشكلة، لا توجد دراسات واضحة ولا أرقام واضحة حول تراجع فعالية المادة الدوائية حتى الآن، أي لا يمكن الجزم بإجابة سلبية ولا إيجابية، وهذا الأمر يؤدي إلى صعوبات متعددة ليس هناك مسارب سليمة لإجراء أبحاث من هذا النوع وحتى النتائج والمعلومات لم تنشر بشكل عام على الأقل تنشر بشكل أكاديمي تُعطى للمنتج ليتم تلافي المشكلة وتعرض بوضوح وأن يؤدي إلى نتائج قانونية في حال كان هناك سوء في الإنتاج.

مسؤوليات

تتابع الدكتورة السيد.. أنه من المفترض إذا كانت هناك مشكلة كبيرة يجب أن يقضى عليها من خلال الرقابة الدوائية على المنتجات بعد إنتاجه في المعمل وبعد وجوده في السوق فيتم سحب الطبخة بالكامل، ومن المفترض إن كانت هناك شكاوى متعددة وموثقة بشكل جيد حتى تصل لجهات المعنية فيجب أن تكون عملية الرقابة الدوائية متكررة في الأسواق بشكل نشط وتقوم يأخذ عينات وتحليلها .

مثل هذه الدراسات تقوم بتجربتها الرقابة الدوائية في وزارة الصحة والتشدد على المعامل لإجرائها باستمرار في إطار التسويق لمنتجاتهم، وأيضا يمكن للجامعات والهيئات الأكاديمية أن تكون شريكاً في هذه العملية، وأن تجري أبحاثاً دوائية جيدة، بحيث هي تتابع الفعالية والاستطباب لبعض المنتجات الدوائية ونتمنى التعاون بين الهيئة الأكاديمية والإدارية (وزارة الصحة) ومصنّعي الدواء لأن هذا أمرٌ لم نشهده بشكل جيد سابقاً .

مأزق السعر

وفي جواب عن سؤال حول الخلاف الموجود بين وزارة الصحة ومصنعي الدواء بسبب تسعيرة الدواء، يلفت رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور حسن ديروان، إلى وجود إشكالية أو فجوة بين وزارة الصحة و مصنعي الأدوية بخصوص أسعار الأدوية بعد ارتفاع سعر صرف المركزي و بالتالي ارتفاع سعر المواد الأولية المستوردة وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج في الصناعات الدوائية. ويرى د.ديروان أنه على وزارة الصحة الإسراع في معالجة الموضوع حتى لا نعاني من فقدان الأدوية من الصيدليات.

فالتسعيرة أمر معقّد فعلاً، والمصنّع يخضع يومياً لتقلبات سعر الصرف ويضطر لرفع سعر أصنافه، بينما تبقى الدولة حريصة ومسؤولة عن مواطنيها(ممثلة بوزارة الصحة) في الوقوف ضد أي رفع للسعر، إلّا بالشكل الذي يوازي دخل الفرد. وهنا لا يمكنني الوقوف مع جهة على حساب الجهة الأخرى، لكنني– الحديث للدكتور ديروان – أتمنى على الصناعة الدوائية أن تشارك الناس همومها، وألّا ترفع أسعار منتجاتها إلّا بما يرضي الله، باعتبارها كانت قد جنت في الفترة ما قبل الحرب أرباحاً طائلة، على الرغم من تعرض البعض منها لويلات تلك الحرب، لكن من دون أن ننسى أيضاً الأثر الاقتصادي لهذه الصناعة المحلية العظيمة من حيث تشغيل اليد العاملة وتأمين الدواء للمواطنين بأسعار هي الأقل عالمياً، لكنها على الرغم من ذلك فهي لا تتناسب مع دخل المواطن، وعليه يمكن للدولة أن تضغط على الأسعار عبر تخفيضها للضرائب الواقعة على مثل هذه المصانع بشكل يمكنّها من تثبيت أسعارها على الرغم من تقلبات سعر الصرف شبه اليومية.

    * أستاذ في كلية الصيدلة: التسعيرة التي تقوم بوضعها

وزارة الصحة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجعل المنتج مجدياً اقتصادياً

أما د. السيد أن الرقابة على السعر كانت أفضل من الرقابة على بعض المنتجات، هناك عملية شد وجذب بين الوزارة ومصنّعي الدواء حتى تكون التسعيرة الدوائية مجزية أكثر للمصنعين وحتى الصيادلة أنفسهم يعانون من عدم رفع السعر بشكل مناسب، ما أدى على عدم القدرة على تأمين الأدوية نتيجة انقطاعها وقلة المنتج أو تواجده بشكل بسيط جداً، فالسعر أثر في حسن سير عملية تصنيع الدواء وتوزيعه من المواطنين .

لكن على كل حال.. وزارة الصحة لم تجب على هذا السؤال قط .

وبدوره الأستاذ وسام عازار الأستاذ في كلية الصيدلة في جامعة دمشق أوضح بأن التسعيرة التي تقوم بوضعها وزارة الصحة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجعل المنتج مجدياً اقتصادياً بالنسبة لمصانع الأدوية لولا الأرباح التي تقوم المصانع بالحصول عليها من خلال التصدير، لأنه يغطي الخسائر ولما كانت استمرت بالإنتاج و ضخ الأدوية بالسوق السورية، لأن الضخ في الأسواق السورية وتسعيرة وزارة الصحة هي خسارة حقيقية .

تصدير

الآن بات علينا أن نعرف ما الذي تبقى من سيرة تصدير الدواء المحلي للخارج، والتصدير معيار مهم للفعالية والوثوقية؟

يجيب. د مارديني.. بأن وزارة الصحة حريصة كل الحرص على ألّا يصدّر أي دواء ما لم تقم مديرية الرقابة التابعة للوزارة بإعادة إجراء كل الاختبارات عليه قبل القيام بتصديره.

لكن قد تحتاج بعض الأدوية، وبشكل خاص الأشكال الفموية منها، كالأقراص والكبسولات، لإعادة إجراء اختبارات التكافؤ الحيوي، هذا إن سبق وأجريت لها؟ أو أن تجرى لها بشكل مدروس وممنهج وصحيح، فعدم اختبار التكافؤ الحيوي يعد سبباً مباشراً لعدم حصول التأثير الدوائي أو لعدم حصول الفعالية لمثل هذه الأدوية، حتى لو كان تركيز المادة الفعالة صحيحاً، وهذا الأمر مطلوب التشدد به من قبل وزارة الصحة.

ختاماً نقترح اجتماعاً موسعاً بين نقابتي الأطباء والصيادلة ووزارة الصحة وأساتذة من كليات الصيدلة في الجامعات السورية، لحسم هذا الملف الخطر والحساس..فلا يجوز أن يبقى المواطن ضائعاً بين تأكيدات الأطباء ونفي الجهات الرسمية بخصوص فعالية الأدوية السورية..

ويبقى أن نشير إلى أن تواصلنا مع شركات الأدوية أفضى إلى استنتاج بأنهم سيحولون هذا التحقيق إلى منبر للمطالبة برفع الأسعار، رغم نفيهم لمزاعم الفعالية المتواضعة في منتجاتهم، وهذا شيء متوقع فلا أحد يسلّم بأنّ ” زيته عكر”.

آية محمد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]