وزير ” فلذات أكباد السوريين” شكراً ..

 ناظم عيد – الخبير السوري:

بما أننا نحبّ نحن السوريين دوماً مصطلح ” مواسم” وهي خصلة من دلالات الخير في هذا البلد الموغل في عمق التاريخ حضارة..سورية بلد الخصب والنماء، وهي الخصلة والخاصيّة التي تؤكدها كل أدبيات التراث الباقية كقرائن يقين.

ونقف اليوم في خضمّ ” موسم نتائج الامتحانات” كما هي كل مواسم الجنى والحصاد..فإن كانت براعم أشجار الخير قد أتت ثمارها اليوم، على إيقاع يوميات الصيف السوري، فإن براعم ” كل بيت ”  ستثمر هذه الأيام بعد أن أنضجتها وزارة التربية ” وزارة كل سورية” إذا لا يخلو بيت من تلميذ أو طالب يسعى لتحصيل علمي يفتح أمامه أفق المستقبل ومفازات الحياة بكل مساراتها.

هنا تبدو وزارة التربية – كما دوماً – في ” الفوكس” وتحت الضوء في دائرته الممتدة على كامل بقعة الجغرافيا السورية..وكم كانت حساسية هذه الوزارة مثار قلق عندما كان كل سوري يستشعر ملامح قاتمة من حالة ترهّل عصفت بها، أوصلتها في نهاية المطاف إلى حافة الفساد..الفساد من كلّ حدب وصوب ..إداري وتربوي وتعليمي وأيضاً الفساد المالي الذي طفى على السطح، وتم تشخيصه وفضحه على يدي الوزير الجديد الذي بدأ حملة تطهير هادئة، بمجرد تسلّمه مسؤوليات هذه الحقيبة الثقيلة ” بطبيعتها كمهمة..وبتركتها كركام كئيب بكل معنى الكلمة”.

عماد العزب اسم استطاع أن يتصدّر واجهة المقصورة التنفيذية، رغم أن صاحبه لم ينحدر من أروقة هذا القطاع القلق، وربما كان هذا أحد العوامل التي مكّنته من اجتراح مشهد جديد حافل بالتفاصيل، بأفكار إبداعية كانت في الحقيقة من خارج الصندوق، بل ومن خارج حلقة ” التورّط الفاضح” التي غلّفت أداء كونترول الإدارة المركزية في هذه الوزارة..التي لم يكن وزيرها السالف يأبه لكل التعليقات..ثم الاستغاثات التي أطلقها الجميع لاستدراك الخلل الهائل الذي اعترى “وزارة فلذات أكباد السوريين”.

الواقع لم تجمعنا بالوزير العزب الرجل الذي تعلو محياه دوماً علامات ” النبل الممزوج بقسوة الإصرار” ..لم تجمعنا جلسات خاصّة، ولم نزر مكتبه بتاتاً، وإنما صادف أن حضرنا بضعة اجتماعات قليلة معه، وكان بالفعل لافتاً بطروحاته ذات النفحة الوطنية الطاغية، البعيدة عن المزايدات والشعارات، بل نفحة تنشد أداءً تعليمياً مختلف من الطراز الذي ننشده جميعاً، والذي يؤسس لبنية موارد بشرية قادرة فعلاً على النهوض بالمهام الثقيلة المتراكمة ك استحقاقات لم تعد قابلة للتأجيل.

اللافت في أداء الوزير العزب..حالة التصالح التي استطاع أن يرسيها مع مشروعه، رغم أنه مشروع ” جراحي” بامتياز، ومن عادة الحالة الجراحية أن تكون قليلة الشعبية، إلا أن المشروع متعدد المسارات الذي انتهجه، ” الوزير النشط الخلّاق” حظي بتأييد و رضى شعبي واسع الطيف، وكان ذلك أحد أهم مرتكزات النجاح التي تكفّلت بإنضاج سريع لأفكار جديدة وضعها الرجل موضع التنفيذ مباشرة.

الحقيقة التي ندركها أنه ليس من الحكمة أن يختار صحفي الكتابة قد يصنفها أصحاب الذهنيات السطحية في خانة التمجيد، وهي حالة مقيتة في التعاطي الإعلامي المهني، لكن مقتضيات الموضوعية والمصداقية المهنيّة، تفرض تسجيل موقف إعلامي حقيقي، خصوصاً في وزارة التربية التي طالما أتلفت أعصاب الجميع، وذاع سيطها غير الحميد في كل أنحاء البلاد..والأخطر لدى منظمات دولية تراقب باهتمام بالغ.

ولعلّها من أكثر المقالات الصحفية أهميّة أن يختار إعلامي رصد العلامات الفارقة والتحولات العميقة التي أحدثها رجل هادف وحاذق في هذه الوزارة،  استطاع  أن يُنفذ رؤية القيادة الاستشرافية للمستقبل و أن يُناغي ما تصبو إليه كل أسرة سورية، وكل معلم ومدرّس وعامل نزيه في هذه الوزارة..تغيير جذري يستحق الرصد بالفعل.

ولمن يسأل عن الجديد وبدون إسهاب، يكفي أن نشير إلى نجاح الوزير العزب، في ضبط الامتحانات العامة التي حوّلها ” السابق” إلى مهزلة ومسرحية عبثيّة، و إعادة التصويب التي حصلت من خلال سن تعليمات تضبط العملية الامتحانية،  سواء للطالب أو المراقب و إلغاء المراكز الامتحانية خارج المدن ومراكز النواحي والعمل على إعادة الألق إلى الشهادة السورية، التي نعلم جميعاً أنها كانت في عتبة الفرصة الأخيرة وفق معايير دولية، نأسف لمجرد ذكرها.

و بحذاقة أكاديمية استطاع وزير التربية ” الحقيقية”، عقد المؤتمر الأول لتطوير التعليم، الذي كان مكثفاً بجلسات العصف الذهني عالي المستوى،  والخروج منه بتوصيات راقية على مستوى تكنيك العملية التعليمية، ومتابعتها بشكل انعكس إيجاباً بالفعل وليس بمجرد القول على نوعية التعليم والتعلم في سورية.

كما أبدى الوزير العزب، مهارة ومرونة عالية في متابعة مواضيع الخلل الإداري في المديريات كافة والإدارة المركزية، وكان مثلجاً لصدر كل متابع عن قرب، صدور  قرارات بإعفاء الكثير من المدراء ورؤساء الدوائر الرائز فيها ” الأداء والمتابعة”.

و من باب ” التشييك” على سلامة الإجراء، قام بتفعيل مركز القياس والتقويم لإجراء دراسات واستبيانات بعد كل عملية إصلاح واستدراك تربوي وتعليمي.

هذا إلى جانب العمل على توطين التعليم من خلال إجراء مسابقة الوكلاء وتعيين معلمين من الوسط الاجتماعي والجغرافي.

كل ما سبق تم تتويجه بالإعداد لتشريعات وقوانين تتيح إعادة الاعتبار للمعلم والمدرس..” زيادة تعويض الامتحانات  وحصانة المعلم القضائية”.

من كلّ ما سبق ..نظن أننا لم نخطئ عندما تفاءلنا خيراً بموسم الجنى التربوي..وهو أهم موسم و أغلى ثمار..ستحق عليها الوزير عماد العزب مبادلته الجهد الدؤوب بكلمة ثناء نظنها واجبة..له ولكل ” حملة حقائب المسؤولية” الذين أحسنوا و أجادوا بأداء مهامهم ..ولا نعتقد أنهم باتوا كثراً في أيامنا هذه.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]