«تشرب شاي بالياسمين»؟

الخبير السوري:

د. سعد بساطة

اسمحوا لي بدايـة أن أستخدم التعبير الشهير عـلى لسان الكوميدي المصري «عـادل إمام» بدور رجل الأعـمال «مرجان أحمد مرجان» ؛ عـندما يلاحظ استسلام موظف الضرائب أمام إغـراءاته المالية؛ فينادي أعـوانه ليقبّضوه المعــلوم (يشرب شاي بالياسمين)! ومشت العـبارة بموضوعـات تتعـلق بالفساد المالي.

ولكن؛ لنبدأ أولاً بتعـريف الفساد:

هو ظاهرة اجتماعية خاطئة، منتشرة بكثرة في مجتمعاتنا، وهي الأساليب التي يتبعها فرد مـا، من أجل تحقيق مكاسب ومصالح شخصية على حساب الآخرين، وبذلك فهي خروج على القانون والعرف السائد باستغلال للمناصب الرفيعة وذات السلطة.

يبالغ البعـض بتوصيف الفاسد؛ حيث يقول أحدهم (أنت إذا وضعـت ملعـقتي سكر في كوب الشاي ببيتك؛ وثلاثة خارج البيت؛ فأنت منحرف وعـندك استعـداد للفساد)! هنالك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى القيام به: فـللفقر والجهل دور كبير في انتشار الفساد في المجتمع، وذلك لرغبة الفرد في تحسين وضعه المادي، وعدم المعرفة الصحيحة بحقوق الآخرين والعلاقات التي تربطهم ببعض, وعدم إعطاء كل سلطة من السلطات الثلاث الموجودة في أي دولة، وهي السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية، ولاننسى السلطة الرابعـة (الصحـافـــة).

للفساد أنواع: المالي (اختلاس؛ تدليس؛ تزوير أو رشوة)؛ والإداري: استغلال منصب ما، من أجل القيام بأعمال وخدمات بشرط الحصول على مقابل مادي لذلك، ويُعرف أيضاً، بأنه: الاستخدام السيّئ للوظيفة، وعدم تطبيقها حسب اللوائح والقوانين.

استطلعت دراسة حديثة, أجرتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في دولة عـربية شقيقة، آراء عينة عشوائية بعدد (4723) موظفاً في ثماني جهات حكومية موزعة على خمس مناطق جغـرافية.وهدفت الدراسة إلى التعرف على مدى التزام الجهات الحكومية بتطبيق وتفعيل مدوَّنة قواعد السلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة، والإجراءات المتخذة بشأنها. بيَّنت الدراسة أن 69% من موظفي الدولة لم يطلعوا على المدوَّنة، كما أن 63% منهم أفادوا بأن جهاتهم لم تنشر المدوَّنة، مشيرةً لضعف أداء الجهات الحكومية وإجراءاتها بتدريب الموظفين لتطبيق بنودها، أو توفير السبل للرد على الاستفسارات المتعلقة بها, مقابل 31% من الموظفين اطَّلعوا على المدوَّنة، والتزموا بما ورد فيها.مظاهر الفساد في المجتمع, التوزيع غير العادل للدخل والثروة، ويتضح ذلك من خلال انحصار المال في يدّ فئة معينة، وانتشار ظاهرة الغنى المفاجئ والفاحش في يد أفراد محددين، مع انتشار الفقر بين بقية أفراد المجتمع, وانتشار ظاهرة المحسوبية، عن طريق الولاء لأفراد العائلة، أو الجهوية والشللية!

في السياق ذاته: صرح رئيس تنزانيا بأنّ الموظفين الفاسدين يسرقون الدولة أسوأ من اللصوص؛ ويكلفون خزينتها 110 ملايين دولار سنوياً؛ وأمر بفصل 9900 موظف على الفور بعد أن كشفت عملية وتدقيق أجريت في أنحاء البلاد عن وجود آلاف الموظفين بشهادات مدرسية وجامعية مزورة. حيث أقال بعد انتخابه مسؤولين بارزين من بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد ورئيس مصلحة الضرائب ومسؤول بارز في السكك الحديدية ورئيس هيئة الموانئ في إطار حملة أوسع لمكافحة الفساد.

وكشفت حملة أخرى العام الماضي عن وجود أكثر من 19700 موظف لا يقومون بعمل ويتقاضون رواتب من القطاع العام .

ولاننسى التقرير السنوي، لمنظمة الشفافية (وهي: منظمة دولية غير حكومية، مقرها ألمانيا، معنية بالفساد بترتيب دول العـالم. قالت المنظمة: إن مؤشر الفساد لعام 2017 يُظهر أن أغلبية البلدان تحرز تقدماً ضئيلاً بالقضاء على الفساد، ويشير إلى أن الصحفيين والناشطين يتعرضون للمخاطرة بحياتهم يومياً بمحاولة لتوصيف الفساد ومخاطره. ويضم المؤشر 180 بلداً من حيث مستويات الفساد. وأفضل منطقة أداء هي أوروبا الغربية؛ أما أسوؤها أداء فأفريقيا /جنوب الصحراء الكبرى ؛ وللأسف ست بلدان عـربية تتبوأ رأس القائمة. يعدّ البعـض أموال الدولة مستباحة؛ ويبـررون فسادهم بعـبارات (سقاالله مين فاد واستفاد).. ويعـبـّر عـن الرشوة برموز مثل (ثمن فنجان قهوة) الخ..لو استعـرضنا اضمحلال الدول العـظمى عـبر التاريخ؛ لوجدنا أن آفة الفساد هي أهم الأسباب وراء ذلك. في الختام: وصف تشارلز كولتون الفساد بكرة الثلج؛ كلما تحركت, كبر حجمها في أي مجتمع, فهل سنسعى لتقليصها وإزالتها؛ أم ننتظر لتزيلنا من عـداد الدول المتحضرة؟

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]