تضليل اقتصادي!

 

أ.د: حيان أحمد سلمان

 

تعدّ العقوبات والحصار الاقتصادي بشكل عام من أدوات الحرب المستخدمة لتحقيق مآرب وأهداف معينة، ويستخدمها مجلس الأمن ضد دولة ما عندما تقوم هذه الدولة بإجراءات تسبب في تعرض السلم العالمي للخطر، وتداعيات ونتائج هذه العقوبات تلامس تداعيات ونتائج الحرب الشاملة، ولكن عملياً وأمام سيطرة أمريكا والدول الغربية على المنظمات الدولية فإنها تستخدم هذه العقوبات عندما لا يعتمدها مجلس الأمن، وتذكر العالم خاصة بفترة الاستعمار القديم والجديد وتحديداً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وفي هذه الحالة تكون هذه العقوبات من الناحية الاقتصادية والقانونية غير شرعية، ولذلك تكون عبارة عن عقوبات أحادية مفروضة من طرف واحد وهي تخالف الشرعية الدولية كما هو عليه الحال في الكثير من دول العالم ومنها مثلاً (كوبا وسورية وروسيا والصين وفنزويلا وغيرها)، ولكن في بعض الأحيان ومن باب النفاق الاقتصادي تقوم هذه الدول ببعض الاستثناءات لخدمة مصالحها فقط، أي إنها تناقض نفسها بنفسها وتكذب على الآخرين صراحة، وكمثال على ذلك أن تم فرض العقوبات الاقتصادية الغربية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ عام 1979 أي منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران، ولكن رغم ذلك استطاعت إيران تحقيق تطور كبير في كل القطاعات الاقتصادية، وأن تدخل النادي النووي العالمي السلمي، ولاسيما بعد نجاح مفاوضاتها مع مجموعة (5+1) الدولية، ورغم تطبيق أشد العقوبات الغربية والخليجية على إيران في كل المجالات ولاسيما في مجال النفط والغاز، وهو القطاع الأساسي في إيران، وهي من الدول الرائدة في هذه الصناعة وهي تقدم خبرتها لدول الجوار وحتى التي تختلف معها سياسياً مثل (جمهورية أذربيجان) بسبب أن حكومة أذربيجان تتهم إيران بأنها تتضامن مع جمهورية أرمينيا في قضية الخلاف على إقليم (ناغ ورني كارا باخ) المتنازع عليه، ولكن تطورت العلاقات بين إيران وأذربيجان في مجال الغاز مع معرفة إيران بقوة العلاقة الأذربيجانية- الإسرائيلية- الأمريكية واللتين تستخدمان العاصمة الأذربيجانية (باكو) كوكر ومركز تجسس ضد إيران، ورغم هذا تتعاون إيران وأذربيجان في تطوير حقل غازي كبير في أذربيجان وهو حقل (الشاه دنيز الأذربيجاني)، حيث إن الشركة الإيرانية الوطنية للنفط تمتلك 10% من هذا الحقل الذي ينطلق منه خط غاز جنوب القوقاز (BTE) العابر للبحر الأدرياتيكي، ويتصل مع خط الغاز العابر للأناضول ليؤمنا الغاز لأغلب دول الاتحاد الأوروبي، وأمام حاجة أوروبا للغاز الأذربيجاني وللتقليل من الاعتماد على الغاز الروسي وبتوجيه أمريكي، وأمام هذه المصلحة طلبت إدارة الاتحاد الأوروبي من الإدارة الأمريكية استثناء الشركة الايرانية الوطنية للنفط حصراً من العقوبات المفروضة على إيران، وفعلاً في عام 2013 قامت الإدارة الأمريكية بالإيعاز لشركاتها والشركات الأوروبية وغيرهما باستثناء هذه الشركة الإيرانية من العقوبات ولاسيما للجزء العامل في الحقل الأذربيجاني المذكور، وذلك لتنفيذ خط غاز جنوب القوقاز، وهنا نقول ونؤكد أن العقوبات الاقتصادية على إيران بأكملها ظالمة ومن طرف واحد، وإننا نتمنى أن ترفع كل العقوبات عن الشعب الإيراني الصديق، لكن نريد من خلال هذه الحادثة أن نؤكد أن أمريكا ومن يدور في فلكها لا يهمهم سوى تأمين مصالحهم فقط لا غير، وهم مستعدون لمخالفة كل القرارات الدولية وحتى القرارات التي يتخذونها هم أنفسهم عندما تتعرض مصالحهم للضرر، وبأن بوصلة عملهم هي تأمين مصالحهم فقط على حساب مصالح الآخرين، وتالياً يستخدمون كلاً من التضليل الاقتصادي والسياسي في تنفيذ أعمالهم ومشروعاتهم؟!

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]