“بحش” علمي..

معد عيسى

تقدمت الدول التي استطاعت توظيف البحث العلمي على أوسع نطاق بعد أن أدركت أن النمط العفوي غير المنظم لمسيرة الحياة لا يوصل إلى نتائج يُمكن البناء عليها، وأن الركون إلى الحالة الاعتباطية، لا يُمكن أن يوصلها إلى حالة الاستقرار، فالبحث العلمي هو الأساس في الارتقاء بمستوى الإنسان فكرياً وثقافياً ومدنياً.

المتتبع لواقع تنظيم البحث العلمي في سورية يلاحظ أن الأمور تسير بعكس ما يجب أن تكون عليه، فمقياس اهتمام الدول بأمور البحث العلمي تتجسد من خلال مؤشرين: الأول يتعلق بالموازنات المُخصصة للبحث العلمي، والثاني من خلال الإدارات المعنية بالبحث العلمي والتي تكون من أعلى جهات الدولة ولها استقلالية كاملة، الواقع لدينا يسير بعكس ذلك، فبعد أن كانت هيئة البحث العلمي ترتبط برئاسة مجلس الوزراء تم نقلها إلى وزارة التعليم العالي، وهذا تقزيم للبحث العلمي وحصره بوزارة التعليم العالي، لأن البحث العلمي لا يقتصر على الجامعات، وهناك مراكز للبحوث العلمية في وزارات الزراعة والصناعة والتربية والاقتصاد والدفاع وغيرها من الجهات العامة، وهناك قطاع خاص بدأ يتحرك بهذا الاتجاه وهو بحاجة إلى استقطاب.‏

ما سبق يؤشر إلى تقزيم موضوع البحث العلمي بدل إعطائه حيزاً أكبر، فبدل أن تكون هيئة البحث العلمي مرتبطة بأعلى جهة حكومية لها مجلس ادارة ممثلة فيه مختلف الجهات، أصبح هيئة تتبع وزارة التعليم العالي، وهذه سقطة لابد من إعادة تصويبها وهو مُستغرب، فالحكومة نقلت بعض الملفات التي هي من صلاحيات الوزارات إلى رئاسة الحكومة لترهلها في تلك الوزارات من أجل متابعتها بشكل مباشر وإنجازها، مثل ملف الديون المتعثرة على سبيل المثال، في حين تخلت عن هيئة البحث العلمي التي يجب أن تكون أهم هيئة في الدولة.‏

 

إن إعادة إعمار سورية، يتطلب تضافر مختلف الجهود، وأن تكون هذه الجهود في إطار علمي متطور، يقوم عليه باحثون من مختلف الاختصاصات، يدرسون تجارب الدول التي مرت بحالة إعادة إعمار، ويأخذون منها ما يتناسب مع واقع بلدنا، ويحددون الحالات السلبية في تلك التجارب ولدينا أيضاً.‏

لم يعد البحث العلمي في هذا العالم المُتسارع رفاهية أكاديمية تمارسه مجموعة من الباحثين، بل أصبح محركاً للنظام العالمي، وبات العالم في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر من التقنية والمعرفة المثمرة، والارتقاء بمستوى الإنسان وتصحيح المفاهيم الكونية وحتى الاجتماعية، والتغلب على الصعوبات التي يواجهها الانسان في كافة مناحي الحياة.‏

البحث العلمي يحتاج إلى إدارات نوعية وإعادة هيكلة تنظيمية تستقطب كل الجهات البحثية والباحثين والأبحاث، وإلى ميزانيات ضخمة يتم استثمارها بشكل صحيح بعيدة عن ضبط النفقات والإجراءات الروتينية.‏

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]