وصفات الذل.. من صيدليـة صندوق «النكد» الدولي!

د.سعـد بساطة:

قول لاقتصادي مشهور: «البنوك ذات دور انتهازي: تقرض وتلح بالمنح لمن ليس بحاجة لأموالها ـ كونه في بحبوووحة ـ ؛ وتمنع القرض عـمـّن هو بحاجة ـ بحجة أنّ سداده ليس مضمونا ًـ »؛ وهذا كمن يمنح المظلة للآخر في يوم مشمس؛ ويحجبها أثناء المطر!

دعـونا نتفق أنّ البنوك عـموما ً ؛ وصندوق النقد الدولي خصوصا ً ليست جمعـيات خيرية؛ وكل خطوة تمشيها مدروسة ومحسوبة، ولكن.. مـاهو صندوق النقد الدولي؟ إنـّه إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وتعنى بالتنمية. وقد بدأ بإعـمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وهي فكرة «بريتون وودز» في ولاية نيو هامبشير الأمريكية.

ولا ننسى الدور المشبوه والمسيـّس لتوءمه: البنك الدولي؛ الذي يقوم بإقراض الحكومات مباشرة أو بتقديم الضمانات التي تحتاجها للاقتراض من دولة أخرى أو من السوق الدولية.

لكن ممارسة البنك لأعماله أظهرت أنه كان متحيزاً في إقراضه بعض الدول وعدم إقراضه لأخرى (المثال الصارخ: وقف تمويل مشروع السد العالي لمصر بغـية الضغـط عـلى عـبد الناصر؛ فأحبطهم واتجه للسوفييت)!

أعلن «شتراوس» المدير الإداري للصندوق، أثناء الاجتماع المنعقد في واشنطن مطلع نيسان المنصرم بأنـّه لم يعد المؤسسة المالية القوية نفسها؛ فقد تقلصت قدرتـه المالية إلى حجم دولة متواضعة من العالم النامي، ويعاني عجزاً سنوياً حوالى 400 مليون دولار، ما أرغمه على إجراء «التغييرات الهيكلية» نفسها التي يفرضها على الدول المدينة. فقدان الصندوق لأسنانه المالية يعد التغيير الأهم الطارئ على النظام الدولي خلال نصف قرن. فقبل سنوات كان هذا العملاق، من أقوى المؤسسات المالية الدولية نفوذاً، إلى جانب كونه الأداة الرئيسة بيد الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة ضغـوطها المالية على الدول النامية. وليس مصدر نفوذه فقط القروض التي يقدمها -لأن البنك الدولي يشاركه بهذا الجانب- فهناك الويل والثبور للدولة النامية الرافضة لشروطه، لأن عليها مواجهة الاختناق الاقتصادي الذي يعاقب تمردها.وبالمثل فشل «وصفات» الصندوق للأزمة المالية التي شهدتها بلدان آسيا أواخر تسعينيات القرن الماضي. السياسات التي اتبعها الصندوق حينذاك، والتي وصفها خبير اقتصادي مرموق بأنها كارثة، ولا تقوم سوى بنشر آفة الركود الاقتصادي من دولة إلى أخرى. بعض الفشل المنسوب للصندوق يعود لنقص الكفاءة، ودوافع إيديولوجية.. وأياً كانت الأسباب والعوامل، فقد أصبح الاتجاه الغالب في الدول النامية، هو التمرد على الصندوق ورفض قـروضـه.

قدم الصندوق في ثمانينيات القرن الماضي وصفة اقتصادية موحدة لكل من الأردن واليمن ومصر وتونس والجزائر والمغرب لوقف الدعم الحكومي للخبز وبقية السلع الغذائية وأسعار الطاقة وخصخصة الشركات الحكومية؛ وخططاً للاستمرار في الوصفة لأكثر من عشرين سنة. وكانت الوصفات قد وضعت بعد أن عجزت تلك الدول عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الصندوق الذي اشترط في المقابل استعمال تلك الدول المقترضة الوصفة نفسها وعدم الحيد عنها.

لا أعلم من يكتب هذه الوصفات وعلى أي أسس؛ ولا متى كانت الوصفات العلاجية تصرف بالجملة؟ ولا أعلم متى كانت الدراسات المشبوهـة التي يطبخها الصندوق تصلح لمعالجة واقع اقتصادي حقيقي.

بعد هذه التجربة الطويلة (أكثر من عشرين سنة) وبالرغم من عدم تحقيق النتائج المرجوة من تطبيق هذه البرامج لم يتراجع البنك الدولي عن ضرورة التزام تلك الدول بالوصفة نفسها ولم يقدم لها البديل وإنما يصر على الاستمرار فيها.. باعتقادي الأمر الوحيد الذي نجح فيه صندوق النقد الدولي هو تحويل تلك الدول إلى اقتصاد عـليل بشخصية واحدة يعاني الهموم والأمراض نفسها.

 

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]