سورية انتقلت من 3 آلاف قاضٍ لأربعة ملايين نسمة إلى 2500 قاضٍ لـ 23 مليوناً قبل الأزمة!!!

 

 

 

الخبير السوري- خاص:

ضياع الحقوق الذي يعاني منه البعض أحياناً عند لجوئهم للقضاء ما هو إلا نتيجة طبيعية لطول إجراءات التقاضي، التي تؤدي في بعض الأحيان لحالة من العزوف لدى البعض عن اللجوء إلى القضاء لفصل مشاكلهم، والحصول على حقوقهم، وهي في المحصلة تحدّ من عدالة القضاء وفاعليته، لا بل إنها تخلق جواً من عدم الثقة بالقضاء عموماً، فهل لهذه الإجراءات الطويلة التي يعانيها السوريون عند لجوئهم للقضاء ما يبررها موضوعياً؟! وما علاقتها بالفساد القضائي؟! وهل تحديد مهل زمنية للفصل بأي دعوى من عدالة السلطة القضائية، والمحددة بـ 6 أشهر مثلاً ؟! أم إنها ستساهم بتسريع عملية التقاضي، وتغيير النظرة المجتمعية الحالية لقضائنا وإعطاء مزيد من الثقة الشعبية بالقضاء؟!.

نقص في عدد القضاة

فبطء سير إجراءات التقاضي أو التأخير في الفصل بأي دعوىً قضائية ليس بالقضية البسيطة، وإنما يترتب عليها نتائج لا تصب في مصلحة الوطن بالمحصلة، فهذا التباطؤ ما هو إلا نتيجة لمجموعة من معطيات التراخي التي تعود لجملة من الأسباب ليس القاضي إلا واحداً منها، فالجميع يعلم أن للقاضي أو للمحامي العديد من الأساليب والوسائل القانونية التي تمكنه من إطالة إجراءات التقاضي، وبعضهم يتفنن في استغلالها بالاستمهالات وتأجيل الدعاوى، ولكن هذا لا ينفي وجود أسباب أخرى تقف وراء المماطلة بالدعاوى، حيث أوضح نزار سكيف نقيب المحامين في سورية أن «طول إجراءات التقاضي يعود لسببين أولهما، الكم الهائل من الدعاوى الذي ينظر فيها القاضي يومياً، وقلة عدد القضاة» ولهذه الأسباب اعتبر سكيف أن المطلوب اليوم وبشكل فوري «إعادة النظر بعدد القضاة، المدعمة بالإمكانات اللوجستية (قصور العدل، وتوسيع عدد المحاكم)، لأن طول إجراءات التقاضي يضعف القيمة المادية للحق، ويؤدي لوهن نفسي لدى المواطن، بأن القضاء لم يعد هو الملاذ للحقوق، وهذا شكل من أشكال الفساد الثقافي، فتتكون ثقافة سلبية لدى هذا المواطن تجاه القضاء»..

فنقيب المحامين وضع حالة التراخي التي يعيشها القضاء وتأجيل الدعاوى في خانة قلة عدد قصور العدل وعدد القضاة، بما لا يتناسب دون شك مع حجم الدعاوى التي ينظر بها في المحاكم السورية، فـ« تأجيل الدعاوى وعدم الفصل بها يعود إلى جهل القاضي، وعدم فهمه للقانون وكيفية تطبيقه أولاً، أو أن يكون القاضي “غير فاضي” للفصل بالدعاوى، لأن لديه مشاغل أخرى» حسبما أشار د. محمد واصل رئيس قسم القانون الخاص بكلية الحقوق بجامعة دمشق، والذي أضاف إن «التأخير في إعطاء الناس حقوقهم هو جزء من عدم إعطاء الحق، فإذا أنصف القاضي فنصف الناس أعداؤه»..

اللوجستيات والزمن

فالقضاء يجب أن يكون أهم ملجأ أمام أي مواطن، ولكن القليل من السوريين غير العالمين والعاملين بالشأن القضائي يعرفون أن عدد القضاة في سورية كان يتراوح بين 2 و 3 ألاف قاضي في خمسينيات القرن الماضي حيث كان عدد سكان سورية لا يتجاوز 4 ملايين نسمة، أما الآن فلا يتجاوز عدد القضاة في قصور العدل لدينا 2500 قاضي، بينما يبلغ عدد سكان سورية 23 مليون نسمة، أي أن المشهد يؤكد صراحة أن النمو في أعداد القضاة لا يتناسب مع النمو السكاني الكبير الذي شهدته سورية، وأمام هذا الإيحاء المبطن أحياناً والظاهر أحياناً أخرى بأن المتهم الأول في قضية التأخير بفصل الدعاوى هو القاضي أولاً، فإن الدعوة لتحديد مهل زمنية محددة للفصل بهذه الدعاوى حسب ترتيبها وتصنيفها، يمكن أن تكون المخرج لتلكؤ كهذا في النظر في هذه المحاكمات، كتحديد 100 يوم أو أكثر حسب طبيعة الجهة القضائية الناظرة بالدعوى، انطلاقاً من تجارب دول الجوار، حيث أشار نقيب المحامين السوريين إلى أن « الفصل في القضايا البسيطة التي فيها حقوق بتونس يحدد بـ 200 يوم كمهلة نهائية (أي أن تكون انتهت من مرحلة البداية، والاستئناف، ومرحلة النقض)، إلا أن تحديد معايير زمنية يحتاج إلى إمكانات لوجستية، أي أن يكون القاضي مرتاحاً، وليس لديه كم كبير من الدعاوى، وعدد القضاة منسجم مع عدد المواطنين والأمكنة»..

لكن فكرة تحديد أجال زمنية دقيقة ونهائية للفصل في الدعاوي وإطلاق الأحكام لم تكن مقبولة بالنسبة للدكتور واصل أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق بجامعة دمشق، الذي أوضح أن «هذا التحديد غير مجدٍ، وليس له فائدة، ولا حاجة له، فكل قيد يرد على سلطة القاضي التقديرية يؤدي إلى فساد القضاء».. موضحاً بشكل أكثر دقة المهل والقيود الزمنية التي تلزم القاضي اليوم للفصل بالدعوى حيث «يرتب القانون فصل الدعاوى في مواعيد قريبة جداً، فبعد التبليغ بثلاثة أيام تتحدد الجلسة، وعلى الخصوم أن يقدموا أقوالهم ودفوعهم دفعة واحدة، والإمهال لمرات متكررة غير وارد، والتدقيق وإكمال التدقيق كله من صنع القضاة، وبات هناك فن تأجيل الدعاوى، والتبليغ قد يذهب سنوات، ونصف زمن الخصومات هو عبارة عن إجراءات»..

جرعة ثقة

إذاً فالمشكلة بظاهرها نقص في عدد قصور العدل والقضاة على حد سواء، ووضع مادي غير مقبول رفض نقيب المحامين وجوده بالشكل الفاضح أو إمكانية تأثيره الجدية على الفساد القضائي، معتبراً أن «لا يوجد ارتباط بين الفساد القضائي والحالة المادية للقاضي، لأن موضوع المادة حل بشكل مقبول»، وهذه ليست بالقليلة بالتأكيد لأن تطور القضاء معيار لتطور المجتمعات، وبالتالي فإن حلحلة هذه المشاكل المادية بطبيعتها التي تولد جزءاً غير قليل من الفساد القضائي يمكن أن يسهم في مزيد من نزاهة القضاء، ويصبح قادراً على تحقيق العدل، وكسب ثقة المواطن، فالقضية بحسب المحامي سكيف تحتاج إلى «إعادة مراكمة ثقافات جديدة نعيد من خلالها للمواطن ثقته بقضائه وبمحاميه، وأن يعاد النظر ببعض المؤسسات الهرمية بمؤسسة القضاء وتفعيلها، ومأسسة القضاء بطريقة هرمية جيدة، وأن تتم عملية أتمتة للقضاء بسرعة»..

واعتبر نقيب المحامين السوريين أن الفساد القضائي يرتكز على ثلاث أسس حيث إن «الفساد يمتد ويتسع في حالات ضعف الرقابة المباشرة أو غير المباشرة، وفي حالة ضعف الرقابة الذاتية، وعند ضعف البنية النفسية للشخص الذي يكون في موقع القرار»..

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]