أستاذ في القانون السوري يضيف نظرية إلى التشريع الفرنسي..الدكتور عيسى مخول يشرح التفاصيل

الخبير السوري:

إنجاز علمي لافت تؤكد كفاءة الكوادر السورية في ميدان القانون وغيره، ذاك الذي حققه الدكتور عيسى مدالله المخول، الأستاذ في قسم القانون الجزائي في كلية الحقوق في جامعة دمشق، واللافت حين يكون هذا التميز والإنجاز تحقق في أكثر الدول تطوراً في هذا المجال ونقصد القانون، في فرنسا، من خلال أطروحته للدكتوراه، التي حملت عنوان ” ملاءمة القانون الجزائي لحماية القُصّر ضحايا الجرائم الجنسية ” والتي جذبت المشرّع الفرنسي .

    نظرية الدكتور المخول يتبناها المشرّع الفرنسي..

حيث تبنى أفكار هذه الأطروحة، وتالياً سن القانون رقم 478 تاريخ 21/ 4/ 2021، حيث قامت الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ الفرنسي بإقرار معظم مواد هذا القانون بالاعتماد على الأفكار المذكورة في أطروحة الدكتور المخول، والتي سبق له الدفاع عنها خلال مناقشتها في جامعة ليون الثالثة، جان مولان ، في فرنسا عام 2009 ، مكرساً بذلك مفهوماً جديداً في القانون الجزائي سماه” تفريد الجريمة” ..

حماية القُصّر

فالمادة الأولى من القانون المذكور تناولت تجريم الاعتداءات الجنسية العائلية التي يكون ضحاياها من القُصّر، وقد تناولها الدكتور المخول في أطروحته، مشيراً إلى أن الجرائم الجنسية العامة لا تحقق الحماية الكافية للقصر ضحايا الجرائم الجنسية العائلية، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار قصر الضحية كمحل للجريمة عند تحديد أركان الجريمة الجنسية العائلية، أي لا بدّ من تفريد أركان تلك الجريمة لتتلاءم مع حماية القصر.

تفريد الجريمة

يعرف د.المخول تفريد الجريمة بأنه تأثير محل الجريمة على تحديد ركنيها المادي والمعنوي بشكل يحقق حماية أكبر لمحل الجريمة من خلال خلق جرائم جديدة تتلاءم مع الطبيعة الخاصة لهذا المحل، وهذا المحل في الجرائم الجنسية هو القاصر.

    دعوة لتعديل قانون العقوبات السوري لأنه بات قديماً

بعد تعيينه معيداً في جامعة دمشق بكلية الحقوق في عام 2001، أوفد لفرنسا عام 2003 بموجب الاتفاقية السورية الفرنسية لإيفاد المعيدين، فدرس الماجستير في القانون الجزائي، قبل مرحلة الدكتوراه التي تم البحث عن عنوان لها في عام 2005 وبحكم تخصصه في القانون الجزائي واختصاصه الدقيق قانون العقوبات الخاص، كان لا بدّ للباحث المخول كما العمل على اختيار موضوع للرسالة يتناسب مع الاختصاص فاختار بحث الجرائم الجنسية وتحديداً الواقعة على القصر.

ولم تكن الرغبة لدى الدكتور المخول دراسة الجرائم الجنسية دراسة تقليدية من حيث توصيف أركانها المادية والمعنوية وبيان عقوباتها، ليكرر ما فعله السابقون، بل كان شغفه إنجاز نظرية جديدة، وتكون تلك الجرائم الجنسية بمنزلة التطبيق العملي للنظرية، أي بمنزلة الأمثلة التي سيجري تطبيق النظرية عليها .

    د. المخول: اعتماد المشرّع الفرنسي المصطلحات التي وضعتها في رسالة الدكتوراه

وقد درج الفقه الجزائي على استخدام مصطلح تفريد العقوبة، كما أن القوانين الجزائية تبنت مفهوم تفريد للعقوبة، بمعنى انه إذا ارتكب شخصان جرمين متشابهين، فقد تكون عقوبة أحدهما أشد من عقوبة الآخر أو أخف، ومثال ذلك أن ترتكب جريمة القتل لسبب سافل أو بدافع الشفقة، فتشدد العقوبة حينما يكون الدافع هو السبب السافل وتخفف حينما يكون الدافع الإشفاق.

كيف بدأت الفكرة

يضيف الباحث المخول: كان تساؤلي لماذا هناك مبدأ تفريد العقوبة، ولا يوجد مبدأ تفريد الجريمة، وأتذكر حين طرحت الفكرة على مشرفي على رسالة الدكتوراه آنذاك في فرنسا البروفيسور أندريه فرينارد، تساءل ماذا تقصد بمصطلح تفريد الجريمة؟ أجبته لماذا نفرد العقوبة فقط بحيث تتناسب مع شخصية أو ظروف الجاني وأحياناً الضحية، ألا يجب أن يتم العمل على خلق نظرية نسميها تفريد الجريمة، ويكون محورها الضحية بحيث يحقق هذا التجريم الحماية الكافية للضحية، فما الفائدة من تفريد العقوبة من دون تفريد الجريمة، فهل يمكن إيقاع العقاب أساساً من دون التحقق من توافر أركان الجريمة، وهل يمكن لهذه الأركان أساساً أن تتحقق إذا لم تتناسب مع الطبيعة الخاصة لمحل الجريمة، فتساءل مجدداً.. بمعنى؟ فأجبت: النماذج القانونية للجرائم الجنسية التي ترتكب على القصّر يجب أن تختلف عن النماذج القانونية للجرائم الجنسية التي ترتكب على البالغين، لأن القاصر لا يتمتع بالإمكانات اللازمة لفهم طبيعة الاعتداء الجنسي بمفهومه الواسع الذي يتمتع به البالغ ، كما أن قدرته على الدفاع عن نفسه أقل، ليعيد السؤال مجدداً: يعني تريد وضع أركان مختلفة للجرائم الجنسية التي تقع على القاصر، غير التي تقع على الكبار؟ فأجبت:

    من الجرائم المخفية في مجتمعنا ومن المعتدين الأقارب

تماماً، وأردفت: أريد تكريس نظرية تفريد الجريمة لتشمل كل الجرائم الجنسية وغيرها، ولكن ضمن هذه الأطروحة سيكون تطبيقها على الجرائم الجنسية، وسأترك لمن بعدي تطبيقها على بقية الجرائم، فالمهم أن ترى نظرية تفريد الجريمة النور بداية، فكان رده: موافق وأنت أمام تحدٍ كبير، وكان ذلك في عام 2005، وبعد أربع سنوات من التحدي الذي وضعته لنفسي ولتمثيل بلدي خير تمثيل كانت النظرية، التي ناقشتها في رسالة الدكتوراه عام 2009 فحصلت على مرتبة الشرف العليا مع تهنئة خاصة من لجنة التحكيم، وعدت لبلدي في العام ذاته، وعينت عضواً في الهيئة التدريسية في كلية الحقوق بجامعة دمشق.

مباركة من فرنسا

شعرت بالغبطة والسرور حين تلقيت عن طريق الجامعة الفرنسية، التي دافعت فيها عن رسالة الدكتوراه وعن نظرية تفريد الجريمة، سعادتهم لإكمال دراستي في جامعتهم، وبأن النظرية التي تقدمت بها خلال أطروحتي عام 2009 أخذ المشرّع الفرنسي في البداية فكرة بسيطة منها بدءاً من عام 2018 من خلال القانون رقم 703 لعام 2018 ولكن استهوته فيما بعد فأخذ بالنظرية كاملة في عام 2021 من خلال القانون رقم 478 لعام 2021.

    لا بدّ من القيام بإجراء دراسة تربوية من قبل كليات التربية للمعالجة

كما أوضح د. المخول، أنه بعد عامين من تطبيقها تبين أن نتائجها إيجابية ضمن المجتمع الفرنسي، وخاصة ما يتعلق بالاغتصاب السفاحي والاعتداء الجنسي السفاحي، حيث لم تكن هذه الجرائم منصوصاًعنها سابقاً في التشريع الفرنسيعلى الرغم أنه أثناء وجودي في فرنسا، ومن خلال متابعتي للصحف الفرنسية وحضوري للمؤتمرات العلمية القانونية، فقد كانت دائماً تتم الإشارة إلى وجود جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية العائلية، وإلى الخلل في المجتمع من جراء تلك الممارسات، أما المفاجأة الأكثر سروراً لي، فكانت حين علمت أن المشرع الفرنسي لم يعتمد فقط الأفكار التي طرحتها في رسالة الدكتوراه، بل اعتمد المصطلحات القانونية نفسها التي وضعتها في رسالتي للدكتوراه.

عندنا مخفية والأم لا تتجرأ

في الحديث عن ذلك على الساحة المحلية، يرى د. المخول أن تلك الجرائم الجنسية العائلية هي من الجرائم المخفية في مجتمعنا، وقد يكون المعتدي هو الأب أو العم أو حتى الأخ الكبير، وهو ما يتطلب القيام بإجراء دراسة تربوية تقوم بها كلية التربية لمعالجة هذا الموضوع، ومن خلال عملي كمحامٍ منذ 23 سنة فهناك جرائم جنسية عائلية ، ولدرء الفضيحة لا تتجرأ الأم، أو أي من أفراد العائلة على تقديم الشكوى، فالأم في مثل تلك الحالات تكون طرفاً سلبياً، وخاصة حين يكون المعتدي هو الأب وكون الضحية ابنته الصغيرة.

ضياع العواطف

يضيف د.المخول: هذا ما نسميه في علم النفس الجنائي ضياع العواطف لدى الطفل، بين الحب الأبوي الصافي والحب الأبوي الناشئ عن الغريزة الجنسية، فالطفل في هذا العمر يعاني من ضياع العاطفة، وتستمر العقدة لديه أو لديها حين يكبران، وخاصة للفتيات حين يواجهن مشروع الخطوبة أو الزواج، فلا يفرقن بين الحب الصافي، أو حب التعرف إليها ليغتصبها، مثلما فعل معها والدها من قبل، وغالباً ما يكون المعتدي من الأب قد تم الاعتداء عليه سابقاً حين كان طفلاً، أي أن الشخص الذي يتم الاعتداء عليه جنسياً يعود لتكرار الأمر ذاته مع عائلته.

جرم السفاح

يصف الدكتور المخول طريق التعامل في التشريع الجزائي السوري مع جرم الاغتصاب ضمن العائلة، أو جرم الفحشاء ضمن العائلة بالقصور في التشريع، لأنه ينظر للمسألة على أساس أنه جرم اغتصاب أو فحشاء، وتشدد العقوبة لوقوعها ممن له سلطة قانونية أو فعلية أو لوقوعها على قاصر، وبالتالي فالمشرّع ينظر إلى جريمة اغتصاب الأب لابنته كجريمة اغتصاب أي شخص آخر ويشدد العقوبة فقط، وهنا ندعو المشرّع إلى إعادة النظر في الباب السابع من قانون العقوبات، تمهيداً لتجريم الاغتصاب السفاحي والفعل المنافي للحشمة السفاحي، كجرائم مستقلة يكون لمحل الجريمة فيها وهو القاصر تأثير على ماهية الركن المادي والركن المعنوي فيها، وعلى بقية الجرائم الجنسية المقترفة بحقه، كما أكدت على ذلك في أطروحتي للدكتوراه، والتي أخذ بها المشرّع الفرنسي، والمطلوب من المشرع السوري الإضاءة على هذا الموضوع، وأن يكون للقصر حماية مستقلة عن حماية البالغين وخاصة عند وجود صلة القرابة مع المعتدي، كما تجب إعادة النظر بقواعد التقادم، وتفريد قواعد خاصة لتقادم الجرائم الجنسية، انطلاقاً من نظرية تفريد الجريمة، بحيث لا يبدأ التقادم على الجرائم الجنسية المقترفة بحق القصر، إلّا بعد بلوغ القاصر سن الرشد، وليس من اليوم التالي لوقوع الجريمة، كما هو معمول به في القانون السوري، حيث أكدنا في رسالة الدكتوراه على هذه النقطة، ومثال ذلك إذا اغتصبت فتاة بسن العاشرة فتكون بحالة مشتتة، وقد لا تدرك أساساً أنها تعرضت لجرم اغتصاب نتيجة ضياع العواطف لديها، وبالتالي لا تقوم بتقديم شكوى، وقد لا تتجرأ الأم أيضاً على تقديم شكوى، وبعد أن تصبح بسن الرشد قد تتجرأ على تقديم شكوى، فتتفاجاً بسقوط الجرم بالتقادم، في حين أن التشريع الفرنسي، ومن خلال أطروحتي لرسالة الدكتوراه، قام بإطالة مدة التقادم، وأن التقادم لا يسري إلّا من وقت إكمال الضحية سن الرشد، أما إذا سرى التقادم من اليوم التالي للجريمة فستكون القاصر ضحية المعتدي وضحية النقص التشريعي.

    قصور في التشريع بطريقة التعامل مع جرم السفاح

إنّ قانون العقوبات السوري بحاجة إلى التعديل بعد مضي أكثر من سبعين عاماً على نفاذه، وأن يتم تكريس نظرية تفريد الجريمة ضمنه، وأن تجد هذه النظرية تطبيقها بشكل خاص ضمن الباب السابع من أبواب القسم الخاص في قانون العقوبات، وهو الباب المعنون بالجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة، وخاصة لجهة إيجاد تجريم خاص بالجرائم الجنسية الواقعة على القصر، بشكل مستقل عن الجرائم الجنسية المرتكبة على البالغين، وكذلك سن الجرائم الجنسية العائلية، ويجب أن نعلم بأن التستر على هذه الجرائم لن يحل المشكلة، لأن الضحية ستعاني أكثر عندما تكبر في حين أن حل المشكلة بعد وقوعها مباشرة هو الحل الأفضل.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]