نار الحطب تكوي جيوب البردانين … الصوبيا على المازوت في طيّات النسيان

أسعار الحطب تجاوزت الرقم الذي حددته وزارة الزراعة بدرجات

الخبير السوري

تلفتك رائحة الحطب المشتعل أينما كنت، وتوقد فيك ذكريات من زمن ماضٍ، ومعها تستفيق على واقع جديد في بيئة مختلفة عن تلك التي في الذاكرة، إذ لم تعد محصورة في الأرياف والقرى وبيوتها البسيطة، بل انتقلت لتسكن في المدن وأحياءها ومساكنها الطابقية.
وعليه بات الحطب خيار سكان المدن الأمثل لمواجهة موجات البرد خلال فصل الشتاء، وانتقلوا إلى هذه المادة الأكثر توافراً بهدف تدفئة بيوتهم وعائلاتهم، وانتشرت أدخنة الأخشاب المحترقة، لتعبق بالشوارع والحارات.
نار كاوية..
معظم قاطني المدينة تحولوا للتدفئة على الحطب، في ظل ارتفاع أسعار الوقود والنقص الحاصل في توريد المادة، نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية، إلا أن ارتفاع أسعاره عما كانت عليه العام الماضي شكل عائقاً أمام الكثيرين لاعتماده.
وفي هذا السياق، أكد لنا العديد من الأهالي، الذين التقينا بهم، أن سعر طن الحطب وصل لأكثر من مليون ليرة، وليس بالإمكان دفع هذا المبلغ الذي يفوق قدرتهم، وذهب بعضهم بوصف الأسعار “بالنار” التي “تكوي” جيوبهم أكثر من ألسنة اللهب ذاتها.
إلا أن هناك خياراً أخر، بحسب ما ذكروا، يتجلى في شراء كل كيلو من الحطب بشكل فردي، وهذا الحل أيضاً يكلف الكثير، فالكيلو الواحد يبدأ من 1500 ل.س وقد يزيد عن 2500 ل.س في بعض المناطق، لافتين إلى أن كمية الحطب لا تكفي لأكثر من ساعة، وهذا من شأنه أن يزيد من مصروف الأسرة في اليوم الواحد، إذا ما أرادت تشغيل الصوبيا فترة أطول.
قبل وبعد..
أسعار الحطب في الأسواق تجاوزت الرقم الذي حددته وزارة الزراعة بدرجات، وتلك الأرقام ترتفع بتناسب طردي مع كل موجة برد، وعليه أصبح الحطب ينافس مواد التدفئة الأخرى في التكلفة.
ويفيد الأهالي بأن أسعار الأحطاب تكون أرخص خلال فترة الصيف، وتزداد ارتفاعاً مع اقتراب فصل الشتاء، وتصل إلى أرقام قياسية في الأيام شديدة البرودة، لذا فإن أغلبهم يجهز حاجته من الحطب قبل ذلك.
ويرجع الدكتور علي ثابت، مدير دائرة الحراج في وزارة الزراعة، ارتفاع أسعار الحطب، إلى النقص الحاصل في المحروقات، خاصة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الحطب.
على دفتر العائلة..
ولفت مدير الحراج إلى أنه صدر تعميم من قبل المديرية لتزويد كل أسرة بكمية من الأحطاب، توزع أو تباع للمواطنين على كل دفتر عائلة، بحيث يمكن الحصول على طن من الأحطاب وفقاً للتسعيرة المحددة.
كما بين أن الكميات الموزعة ترتبط بما هو متوفر من أحطاب، تبعاً للخطة السنوية التي تتم خلالها عمليات تربية وتنمية، وما ينتج عنها يُعطى للأهالي، مشيراً إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون الأحطاب المتواجدة هي حراجية، فهناك قسم كبير هو عبارة عن أشجار مثمرة، ناتجة عن أراضي زراعية، وكل ذلك يتم ترخيصه.
حطب بالشوارع..
ومع ازدياد الاعتماد على الحطب، أصبح من المعتاد رؤية محال مخصصة لبيع هذه المادة، كما يمكن أن تكون على “بسطة” وسط سوق شعبي، وهنا نتساءل كيف وصلت هذه الأحطاب إلى هناك؟ وهل هناك أي رقابة عليها؟.
مدير الحراج أوضح بأن الضابطة الحراجية مسؤولة عن تنظيم عمليات النقل، من خلال منح رخص نقل نظامية لتدقيق الأحطاب أو الأخشاب الموجودة، ووزنها ونوعها، حيث يتم تفتيش أي سيارة تحمل هذه المادة ومتابعتها من المصدر حتى وصولها إلى المنبع.
“هم الصوبيا”..
بالتأكيد فإن الاعتماد على هذه الطريقة للتدفئة بحاجة لمسلتزمات أخرى ترافق هذه العملية، وهم تأمين الحطب ليس وحده ما يشغل بال الأهالي، فالمدافئ المخصصة لذلك تتطلب تفكيراً عميقاً قبل الإقدام على هذه الخطوة.
وهذا التفصيل بحد ذاته عبء كبير يضاف إلى أعباء تأمين الحطب أو شرائه، فالأرقام الخيالية التي وصلت إليها أسعار المدافئ التي تعمل على الحطب، كانت صادمة، فلا توجد مدفئة أقل من 200 ألف ل.س، على أقل تقدير، ويرتفع الرقم كلما زادت المواصفات، حيث وصل لبعضها إلى مليوني ل.س.
ولكن ما يهون على الناس عند دفع المبلغ المعلوم، أنه يمكن أن تستخدم المدفئة في أعمال أخرى، كتسخين المياه والطبخ، وبالتالي توفير مادة الغاز المخصصة لذلك.
“صوبيا معدلة”..
ولأن شراء مدفئة جديدة سيزيد التكاليف على الأسرة، فكر كثيرون بحل مبتكر من شأنه المساعدة بهذه الخطوة، ألا وهو تحويل صوبية المازوت، بآلية معينة، لتصبح تعمل على الحطب.
غير أن هذه الطريقة يمكن أن تُضر بالمدفئة عند الاستخدام على المدى الطويل، وهذا بحسب ما أكده لنا صاحب محل لبيع المدافئ، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إذ تتسبب النيران الناتجة عن احتراق الحطب إلى تعطل جهاز التدفئة وعلى الهيكل بشكل عام، إذ يجب أن يكون بسماكة معينة تحتمل حرارة الحطب المشتعل.
وليس هذا وحسب إذ تضر “بالبواري” الموصولة مع المدفئة مع كثرة الاستعمال، وأيضاً تؤثر على المداخن، خاصة في الأبنية الطابقية، فصوبية الحطب، كما أشار صاحب المحل، لها تمديداتها الخاصة، والتي يجب أن تكون مباشرة إلى الخارج، موضحاً بأن الحطب يولد دخاناً كثيفاً على عكس المازوت، وبالتالي يمكن أن يسد المداخن في حال لم يكن له منفذ مباشر.
حملات تحريج..
التوجه نحو الحطب للتدفئة أثر على المساحات الحراجية والزراعية، ومن أجل تعويض الأشجار المقطوعة تعمل وزارة الزراعة على مراقبة عمليات القطع والتحطيب، فحسب ما ذكره مدير دائرة الحراج، الدكتور علي ثابت، توجد مراكز حماية الغابات موزعة في كافة المحافظات، وأيضاً مخافر حراجية أغلبها موجود ضمن الحراج والغابات، وبالتالي فإن أي حالات تعدي يتم ضبطها وتنظيم ضبوط حراجية بالمخالفات، تحال إلى القضاء لأخذ الإجراءات اللازمة.
كما بين أن لدى الوزارة خطة تحريج سنوية لإعادة تحريج وترميم كل المناطق التي يوجد عليها تعديات، تضاف إليها خمس حملات لتوزيع غراس مجانية على المزارعين، فضلا عن حملات التحريج التي تشارك بها المدارس والجامعات والنقابات والاتحادات والمؤسسات.

المصدر: ميديا بعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]