اعتبارات التقشف والمصابرة تسقط أمام إغواء الموائد العامرة….. الإنفاق الترفي يدحض مزاعم أزمة الميسورين

 

 

خاص – الخبير السوري:

بعيداً عن الحاجة الفعلية يتدافع الناس للاستهلاك كنوع من أنواع التميز الاجتماعي والتمايز الطبقي، فتقترن الرفاهية بالاستهلاك والرخاء بالإسراف لتتداخل الكماليات بالأساسيات ضمن أسلوب حياة يسحق الدخل على حساب أي اتجاه للحصول على تغطية الإنفاق.

دائماً لا يتفق الشكل مع المضمون ولا ظواهر الأمور مع بواطنها، فمن ينظر إلى إنفاق المواطن السوري مجتزءاً يرَ أن إنفاقه يضاهي إنفاق المواطن في أي دولة أغنى وقد تتفق هذه النظرة مع إحصائيات أخيرة تقول إن الزمن الفعلي الذي يقضيه الموظف الحكومي في سورية لا يتجاوز الـ 38 دقيقة في اليوم أي عدد ساعات عمله في الشهر 836 دقيقة أي نحو 14 ساعة فقط ويتقاضى أجر 30 يوماً من 20 -30ألف ليرة، وبالبقاء مع النظرة من الخارج دون الدخول في تفاصيلها يبدو إنفاق الأسرة السورية يشبه إنفاق أسر أي مجتمع تحول الاستهلاك لديه إلى “ثقافة” وخاصة في أوقات محددة ولسلع كثيرة، ففي شهر رمضان يزداد الإنفاق على الغذاء في الدول العربية ومنها سورية بنحو 40 % من الإنفاق الطبيعي وعلى اعتبار أن متوسط إنفاق الأسرة السورية على الغذاء 14.119ليرة كما جاء في بيانات المكتب المركزي للإحصاء عن دخل ونفقات الأسرة السورية، من متوسط دخل الأسرة البالغ 30.826 ليرة، أي الإنفاق على الغذاء يشكل أكثر من كامل هذا الدخل وبزيادته 40% في رمضان يكون الإنفاق على الغذاء للأسرة يقارب 100ليرة سورية وهذه النسبة الزائدة ليست إلا إشباعاً لنهم شراء لا استهلاكاً فعلياً وكأن شهر الصيام شهر التقشف والمصابرة يتحول إلى شهر رفاهية وإشباع نهم وعرض وتفاخر بإعمار الموائد ضمن حالة نفسية وإنفاقية تودي بنصف هذه الكميات إلى مكبات القمامة بعد أن يؤثر هذا الاستجرار على ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

إنفاق ترفي

يسترجع عدنان دخاخني مدير جمعية حماية المستهلك “الاقتصاد الأسري” في السنوات الماضية حين كانت كل أسرة تكتفي بتحضير نوع واحد من الطعام ويتم التداول بين الأسر لتعمّر المائدة، أما الآن فيشتكي رب الأسرة من “إرهاق” ميزانيته بالديون لتغطية ما ينقص، وذلك برأيه ناتج عن عادات الاستهلاك وغياب الوعي الذي يؤدي إلى عدم ملائمة الحاجات الاستهلاكية مع الدخل ومع ما هو مفيد صحياً، والشراء لمجرد الشراء فقط، ويضيف إن طبيعة الحياة وتطورها فرضت نمطاً جديداً من الاستهلاك لم يكن معهوداً من قبل، كالوجبات السريعة مثلاً التي يحيطها الكثير من المغريات وتدفع الناس إلى المطاعم كذلك الكسل والسرعة والحصول على الشيء دون تعب، وهذا السلوك الاستهلاكي أفرز ضرراً على صحة المستهلك وأدى إلى زيادة الإنفاق وبالتالي أرهق ميزانية الأسرة، وخلق جواً من عدم التوازن بين الدخل والإنفاق أثر في وضع الأسرة بشكل عام.

 

عداد للكلام

بعد التحول من اقتصاد مركزي سمته الادخار، إلى اقتصاد منفتح محرر الأسواق وتنوع الخيارات مع تدني أسعار السلع الكمالية اندفع المستهلكون للتضحية بالضروريات لمصلحة الكماليات، فنسبة الإنفاق على الكماليات لدى الأسر السورية المقتدرة تزيد على 30 % من الدخل –حسب دراسة قديمة نسبياً لجمعية حماية المستهلك- بينما تستأثر الطبقة الأكثر غنى بما يزيد على 60 % من الإنفاق الاستهلاكي، وهذا ما فسّره المتابعون بأنه ناتج عن نمو ظاهرة الاستهلاك وتحولها إلى ثقافة بغض النظر عن الظروف التي أفرزت هذه الثقافة وأصحاب المصلحة فيها، وأبرز ما يطفو على السطح عند الحديث عن تداخل الكماليات مع الأساسيات واختلاطها على الوعي والإسراف المستنزف للدخل موضوع الخلوي الذي أظهرت البيانات المالية لشركتي الخلوي الموجودتين في سورية وتقديرات بيع أجهزة الخلوي أن إنفاق السوريين على هذا الجانب يصل إلى 120 مليار ليرة سورية أي شهرياً نحو 10 مليارات ليرة سورية ويشكل هذا الرقم نحو 16 % تقريباً من الإنفاق على السلع الغذائية، وإحصائية أخرى تقول إن هناك 250 مليون دولار تنفق سنوياً على التدخين في سورية أي 12 مليار ليرة سورية ينفقها 5 ملايين مدخن أي شهرياً ينفق مليار ليرة على التدخين وحده، ومع تبعات وانعكاسات هذه الأرقام على الإنفاق على الصحة وتخصيصها لخلق فرص عمل أو لبناء وحدات سكنية يكون المواطن مساهماً أساسياً في تراجع عملية التنمية نتيجة غياب الوعي الاستهلاكي وترشيده.

 

تقليد

يقول دخاخني: إن الإنسان بطبيعته مقلّد وهذا الاستهلاك نصفه ناتج عن التقليد ويشير إلى أن الخلوي يستنزف 30 % من دخل بعض الأسر وهذا هدر على كلام لا فائدة منه ولمجرد التسلية فقط، علماً أن ذلك له أبعاد اقتصادية سلبية في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى آليات تضبط الإنفاق على الكماليات وتعزز ثقافة الادخار التي تؤمن للأسر دخلاً إضافياً وللشباب مزيداً من فرص العمل، وهنا يبرز دور الجمعيات التثقيفي والإرشادي لتوجيه المستهلك إلى أنماط الاستهلاك الصحيح واقتناء السلعة المناسبة والبعد عن الشراء، لمجرد الشراء إضافة إلى إدخال هذه الأنماط في برامجنا التعليمية وفي دور العبادة وأن نوجه إلى الاقتصاد بالوقت وبالمال وعدم هدرهما.

قد يكون الحديث عن عودة ثقافة الادخار على ما كانت عليه مقيتاً نوعاً ما في زمن الاستهلاك لكن يمكننا على الأقل ألا نتحول إلى طفيليين في مجتمع استهلاكي لا ينتج إلا لنأكل وننفق.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]