وفورات هائلة في التكاليف ينتظرها الفلاح السوري عبر نمط زراعي جديد

الخبير السوري:

أحدثت الهيئة العامة للبحوث العلميّة الزراعيّة، فارقاً جديداً بين الدراسات والتطبيقات التي يعاني منها القطاع الزراعي، إذ يبدو ثمّة مفارقة كبيرة تتسع تدريجياًّ بين الدراسات والأبحاث النموذجيّة التي تقوم بها الهيئة، وبين الأداء على الأرض الذي يرى متخصّصون أنّه ما زال قاصراً إلى حدّ استفز المتابعين والمتخصصين لإطلاق انتقادات كثيرة، وتسليط الضوء على ما هو كائن وما يجب أن يكون في هذا القطاع الاستراتيجي، الذي تؤكّد المعطيات يوماً بعد يوم على أنّه القطاع الاقتصادي الرائد.
وتتحدّث تقارير الهيئة، عن إجراء الدراسات والتجارب المختلفة التي تستهدف زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين جودته، عبر البحث عن الطرق والتقنيات الزراعية الأكثر جدوى ومناسبة للبيئة الزراعية المحلّية، وتشكّل الزراعة الحافظة جانباً مهمّاً من هذا التوجّه، وتمثّل أسلوباً زراعيّاً يتضمّن عديد العمليات الزراعية التي تطبّق على التربة، وتحسّن مكوناتها وتنوعها الحيوي الطبيعي، وتحميها من التدهور والانجراف والتعرية، وتعتمد على الزراعة المباشرة دون حراثة، وتقليل الفلاحة، وتكوين غطاء محصولي دائم من بقايا المحاصيل، فما جدوى وأهمية هذه الزراعة؟
وتعيد الهيئة حالياً إحياء فكرة الزراعة الحافظة، التي كان قد تمّ الحديث عنها منذ سنوات، ثم صمت المعنيون عن أيّ تصريحات بشأنها، ويرى المعنيون في الهيئة، أنّ هذا النوع من الزراعة لا يحتاج إلى أي حراثة أو أسلوب زراعي يغطي 30% أو أكثر من سطح التربة ببقايا المحاصيل بعد الزراعة، وتعتمد على ثلاث ركائز: عدم فلاحة التربة، أو فلاحتها بالحدّ الأدنى من تحريك التربة (البذر المباشر)، وبالتالي التوفير في التكاليف المادية للعمليات الزراعيّة، ثم المحافظة على تغطية هذه التربة ببقايا المحاصيل، وتطبيق الدورة الزراعية المناسبة.
ويقدّم هذا النوع من الزراعة، فوائد كثيرة أبرزها وقف تدهور التربة، تقليل تكاليف الإنتاج الزراعي، والاقتراب من النظام البيئي الطبيعي والحدّ من التحوّرات الطبيعية التي تحدثها الزراعة التقليدية في البيئة الاصطناعية، وتراجع القدرة الإنتاجية للأرض المفلوحة مع الزمن، عدا عن زيادة إنتاجية النباتات خصوصاً في مواسم انحباس الأمطار، وأخيراً زيادة كمية الماء الأخضر في التربة.
بدأت جهود نشر هذه الزراعة في محافظة الحسكة، منذ عام 2006، ثم توسّعت إلى مناطق ومحافظات أخرى، حيث شكّلت لجان فنّيّة لهذا الغرض، وجرى التعاون مع أكثر من جهة بحثيّة مثل “إيكاردا” و”اكساد” و”هيئة الاستثمار” وممثلين عن الهيئة العامة والإرشاد الزراعي.
وقد احتلت سورية المرتبة 36 عالميّاً في مجال الزراعة الحافظة من إجمالي 55 دولة تطبّق أنظمة هذه الزراعة، حيث بلغت مساحة الأراضي المزروعة 30 ألف هكتار موزّعة على مناطق واسعة من الأراضي السورية، كما احتلت سورية المرتبة الخامسة على مستوى قارة آسيا، والمرتبة الثانية في إقليم غرب آسيا وشمال إفريقيا.
يذكر أنّ وزارة الزراعة عقدت مؤخراً ورشة عمل برعاية مؤسسة الآغا خان حول الزراعة الحافظة في سورية، شاركت فيها مديريات الوزارة ذات الصلة، ومركزا “إيكاردا” و”اكساد”، ومنظمة الزراعة والأغذية الدولية FAO، وبرنامجا الغذاء العالمي WFP، والأمم المتحدة الإنمائيUNDP.
وركّزت توصيات الورشة على جملة من الإجراءات والسياسات التي من شأنها دعم استراتيجية التوسّع في الزراعة الحافظة، ومن أبرزها التشجيع على الانتقال من نظام الزراعة التقليدية إلى نظيرتها الحافظة، وتشكيل لجنة تنسيق تضمّ ممثلين عن الشركاء جميعاً بإشراف الوزارة، بحيث تضع الخطط، وتطوّر الاستراتيجيات، وتدعم إعداد وتنفيذ المشاريع الزراعية بنظام الزراعة الحافظة، وتوزّع الأدوار على الشركاء وتحدّد المسؤوليات، إضافة لتبادل الخبرات والتشارك بالبيانات والمعلومات، وتوحيد المصطلحات والتعاريف، وإنشاء شبكة تواصل وعقد الاجتماعات والمشاركة في المؤتمرات ذات الصلة.
ومن هذه التوصيات إطلاق برنامج وطني لدعم تطبيق تقنيّة الحافظة على معظم الزراعات البعلية، والتوجّه نحو الزراعات المرويّة والأشجار المثمرة، وضمان تكاملها مع الثروة الحيوانية، بما يضمن مواجهة الجفاف والتحديات المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي والتكيّف مع التغيّر المناخي، وتشجيع وتحفيز الورش الصناعية لتصنيع البذارات الخاصة بالحافظة أو تعديل البذارات التقليدية، مع وضع قروض شراء هذه البذارات ضمن جدول الاحتياج للمصرف الزراعي وإعطاء الأولوية لهذه القروض والمدخلات المتعلقة بها، كذلك توجيه البحوث الزراعية لدراسة كفاءة استخدام المياه وخواص التربة والدورة الزراعية، وإدارة بقايا المحاصيل، ومكافحة الأعشاب، وتطوير البذارات ونظام تلقيم البذور، وإدراج مقرّر عن الزراعة الحافظة في المناهج التعليميّة للمدارس الزراعيّة والمهنيّة والجامعات.

بقي أن نشير إلى أن المهمّ أكثر، هو أن نستطيع التوسّع فعليّاً في نشر الزراعة الحافظة على نطاق واسع، ونشر ثقافة هذا النوع من الزراعة لدى الفلاح الذي ما زال يجهل الكثير عنها وعن جدواها حتى الآن، رغم كثرة الدراسات والأبحاث التي تؤكّد الجدوى الاقتصادية.

المصدر : الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]