تأجيل قروض السيارات وحكاية العصا والجزرة ..صراع أولويات في زحام استحقاقات صعبة..

 

دمشق – الخبير السوري

لم يمضِ أسبوع على سماح المصرف المركزي للمصارف بإطلاق قروض السيارات حتى عدل عن الفكرة تحت مسمى «التريث»، معتبراً أن الأولوية حالياً للقروض السكنية، وهنا قد نوافق المركزي في رؤيته لأهمية وأولوية القروض السكنية على السيارات، التي هلل لها البعض أملاً في شراء سيارة العمر، لكن سرعان ما خابت ظنونه بعد إلغائه، لكن يحق لنا التساؤل عن مبرراته في سرعة إصدار القرارات والتراجع عنها خلال فترة قصيرة بشكل عرضه لانتقادات كثيرة، وأين وصل المركزي في تفكيره بخصوص القروض السكنية التي أعلن المصرف العقاري أنه لا يزال ينتظر رده.

انتقادات

إلغاء المصرف المركزي قرار السماح بإطلاق قروض السيارات طالته انتقادات كثيرة من خبراء الاقتصاد، الذين رفض بعضهم التحدث جهاراً عن هذا الموضوع وانتقاده علانية مع إقرارهم بأن التراجع صحيح بالمطلق، لكن كان يفترض بداية دراسة قرار إطلاق السيارات على نحو كاف.

رئيس جمعية العلوم الاقتصادية د.سنان ديب أكد أن التخبط ليس سببه عدم وجود أموال فائضة والمقدرة بأكثر من 2700 مليار ليرة، وإنما الاستمرار بذات الآليات السابقة، فهل يعقل أن البلاد لا تزال تعيش أزمات معيشية صعبة ويتم التسويق والترويج لقروض السيارات، وهل يعقل أن توجه العملة الصعبة نحو هذا المسرب أم يجب توجيهها باتجاه السلع الضرورية والإنتاجية، ومن هنا يمكن القول إنه رغم حالة التخبط في إصدار هذا القرار لكن التراجع عنه يعد قراراً حكيماً ووطنياً يتماهى مع ضرورات البلد في ظل الظروف الراهنة، مشيراً لافتاً إلى تفاجئه بسلوك البعض لفرض استيراد سيارات جديدة ومستعملة في ظل عدم الحاجة لها والظروف المعيشية الصعبة، ما يشير بطريقة أو بأخرى إلى أن إطلاق السيارات كان لمصلحة شخصيات محددة.

سوء تنسيق

وعن ضرورة توفر قاعدة بيانات حول أرصدة المصارف قبل إصدار قرار السماح ثم التريث خلال أسبوع أكد د.ديب على وجود قاعدة بيانات، لكن هذا القرار وغيره من القرارات المتعلقة بسعر الصرف وتأثيراته تتطلب توافق جهات متعددة وليس فقط المصرف المركزي، بالتالي التسرع في إصدار القرار سببه عدم التنسيق مع الجهات الأخرى، ملمحاً إلى مسؤولية وزارة الاقتصاد بهذا الخصوص، وذلك من خلال اعتمادات الاستيراد، فمن غير الضروري برأيه إطلاق قروض السيارات وأي قرض غير إنتاجي وإنما يجب التركيز على القروض الإنتاجية مع العلم أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة لم تمول إلى الآن.

لمصلحة شركات بعينها!

قبل البحث في فتح باب القروض في هذه الفترة كان يفترض بمصرف سورية المركزي تحديد القطاع المطلوب تنشيطه ومنحه الدعم والقروض المناسبة، أما إطلاق قروض السيارات والآن العقارات فهذا لا يفيد في تنشيط العجلة الاقتصادية، كما يشير خبير مصرفي رفض ذكر اسمه، حيث أكد أن المصرف المركزي حينما فتح باب الإقراض وخص به السيارات كان واضحاً للعيان أن القرار لمصلحة بعض المصارف الخاصة والشركتين اللتين طرحتا السيارات التجميعية في البلاد، ولم يكن هدفه تنشيط قطاع النقل قولاً واحداً، وليس تسهيل حصول المواطنين من أبناء الطبقة الوسطى، التي تكاد تباد بالحصول على السيارة وخاصة أن وضعها لا يسمح لها بالتفكير بذلك، لافتاً إلى أن المركزي اضطر إلى إلغاء القرار للخروج من ورطته والتوجه نحو العقارات، وزاد إحراجه أن المصرفين العامين اللذين يقومان بالإقراض هما التجاري والعقاري، الذي رفع سقف قرض الشراء إلى 5 ملايين ليرة، علماً أنه وفق التعليمات الأخيرة يجب أن يكون التمويل بحدود 50% أي العقار لا يقل سعره عن 10 ملايين، ليتساءل عن المكان الذي يوجد فيه بيت بهذا السعر، وقسطه الشهري، فمن المفترض أن تكون مدة 10 سنوات بحدود 70 ألف ليرة، أو مدة 15 سنة بحدود 60 ألف ليرة، لكن المقابل لا يتيح الدخل الشهري التفكير بالحصول على القرض، وخاصة أن جل تفكيره ينصب حول البحث عن المأوى جراء غلاء المعيشة وأولويات الصرف على الغذاء والكساء وبقية النفقات، فكيف يمكن أن يسد المواطن هذا القسط إذا كان الهدف تأمين مسكن للمواطن البسيط؟، مشيراً إلى أن الوضع الحالي يحتاج آلية جديدة في الإقراض تحقق هدفاً محدداً لقطاع مطلوب تنشيطه وفق معطيات السوق والوضع الاقتصادي والاجتماعي، وليس وفق آليات قديمة اعتمدت في فترات سابقة أيام الاستقرار ورغم ذلك لم تكن سليمة.

لا نزال ننتظر!

تراجع المصرف المركزي عن قروض السيارات، لمصلحة إطلاق القروض السكنية، كما جاء في قراره، استلزم معرفة أين وصل المصرف العقاري الذي يطالب منذ مدة بإطلاق هذا النوع من القروض في مناقشاته مع المركزي حول هذه الغاية، التي أكد أكثر من مرة أنها ستسهم في حل مشكلة السكن، ليتبين لنا أنه لم يطرأ أي جديد بهذا الخصوص، فالعقاري لا يزال ينتظر رد المركزي على طلبه حول إطلاق القروض السكنية وغيرها كـ”سيرياكارد” والسلع المعمرة، وهو ما أكده مدير التسليف في المصرف العقاري وليد يحيى بقوله: كل فترة نراسل المركزي بخصوص إطلاق القروض السكنية، لكن إلى حد الآن لم يأت أي رد من قبله، مع العلم أن المصرف يمتلك السيولة الكافية لتمويل هذه القروض، التي لن تمنح إلا ضمن السقوف المحدودة والقرار 52 الصادر عن المركزي بخصوص طريقة المنح، إذ سيتم إطلاق هذه القروض وفق آليات وشروط وضمانات تحفظ حق المصرف وخاصة في ظل الظروف الراهنة، فمثلاً لن يتم منح أي قرض إلا في المناطق السكنية الآمنة.

زيادة السقف ممكنة

وعن سقف القرض وطريقة سداده، أكد مدير التسليف في المصرف أن سقف القرض سيكون 5 ملايين ليرة، وهنا نسأله عن مدى كفايتها في ظل ارتفاع أسعار العقارات وقلة الدخل، بشكل يحول دون استفادة ذوي الدخل المحدود منها، ليشير إلى وجود إمكانية لزيادة القرض لاحقاً، لكن الأهم حالياً فتح باب الإقراض ليصار بعد ذلك في التفكير في زيادة السقف، الذي لا يعتبر الأمر الوحيد الذي يفترض النظر به وإنما هناك أمور أخرى كالقسط، الذي قد لا يستطيع أصحاب الدخل المحدود دفعه فعلاً بسبب الرواتب القليلة، لذا تم حل هذه الإشكالية من خلال زيادة عدد الكفلاء للمساهمة في تسديد القرض، لكن في مطلق الأحوال رغم ذلك المصرف قادر على الإقراض واتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لتمويل هذه القروض لكن لم يأت أي رد من المصرف بخصوص إطلاق القروض السكنية.

تشرين – رحاب الإبراهيم

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]