المزارعون الصغار نحو “بزنس” آمن برعاية حكومية..مجلس أعلى للدعم الزراعي في حقيبة وزير

 

دمشق – الخبير السوري

 

خلصت دراسة حديثة أعدها المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة، إلى أن الدعم الزراعي يشوه آلية السوق وانسيابية التجارة، ولكن الأثر التشويهي لسياسات الدعم يأتي حسب الحوافز الاقتصادية التي تتمخض عنها إجراءات وكمية الدعم المقدم، فإذا كانت هذه الحوافز تصب في خدمة التنمية الزراعية والريفية وتعزيز وتطوير القطاع على المدى الطويل فهذا الدعم إيجابي ويجب متابعته، وإذا كانت هذه الحوافز تشجع على الاتكال على الدولة في العملية الإنتاجية ولاسيما تأمين المدخلات وتصريف المنتجات فهذا الدعم لا أفق له وهو بحاجة إلى تعديل وتطوير.

 

خلافاً للكهرباء

 

وبينت الدراسة التي حملت عنوان “الوضع الراهن للدعم الزراعي في سورية ورسم خطوط ومسارات استراتيجية لإصلاحه” أن بيانات العام 2015 تشير إلى أن دعم الوقود يمثل ما يزيد عن 50% من الدعم الزراعي وهي قيمة كبيرة للغاية، يليه دعم الكهرباء الزراعية بنسبة 22% تقريباً من إجمالي الدعم، ثم الدعم السعري للقطن بنسبة 13%، ولكن –وبحسب الدراسة – يجب الالتفات إلى أن دعم الوقود ليس دعماً في الأساس وإنما هو دعم استهلاكي لكن الزراعة تستفيد منه كغيرها من بقية القطاعات، ومن هنا لابد من أخذه بعين الاعتبار عند حساب قيمة الدعم، فلا جدوى من الاقتصار على دراسته في إطار الدعم الزراعي فقط، لأنه في الأساس أوسع وأشمل من قطاع الزراعة وأهدافه استهلاكية عامة وليست زراعية، خلافاً لدعم الكهرباء الذي هو دعم زراعي وبأهداف زراعية، ولذلك ينبغي دراسة دعم الوقود في إطار أشمل من إطار القطاع الزراعي “الدعم الاستهلاكي” وإن كان من الضروري أن يتم ذلك بمشاركة القطاع الزراعي.

 

توحيد

 

واقترحت الدراسة عدداً من المبادئ لإصلاح الدعم تتمثل بتوحيد إدارة الدعم في جهة واحدة، وألا يفيد الدعم كبار الملاكين على حساب صغار المنتجين “مثلاً قبل الأزمة كان 8% من مزارعي القطن الأكثر غنى يتلقون 41% من دعم القطن”، وألا يشجع الدعم على استهلاك المزيد من المياه سواء من خلال تشجيع غير مدروس للمحاصيل المتطلبة للمياه، أو من خلال تشجيع غير مدروس للتوسع في الزراعات المروية، وبالتالي يجب ألا يعاقب المزارعين من النمط البعلي لمصلحة المزارعين من النمط المروي. كما ويجب على الدعم ألا يشجع على استهلاك المزيد من الوقود ويجب التفكير بتشجيع المحاصيل الأقل استخداماً للوقود. وعلى الدعم أن يشجع الاستفادة من الميزة التنافسية للسلع الزراعية التي تحظى بتلك الميزة “الخضار والفواكه” وكذلك دعم السلع التي تحظى فيها سورية بميزة نسبية. إضافة إلى ضرورة أن يراعي الدعم وبشكل واضح تشجيع تنويع الزراعات والمنتجات والأنشطة الزراعية، إلى جانب تغيير استراتيجية الدعم بحيث يتوقف عن تشجيع المحاصيل غير التنافسية ذات المساهمة الضمنية بالنمو من المستويات المنخفضة “أي يجب النظر إلى مقدار المساهمة الضمنية لكل محصول بالنمو الاقتصادي” وبالمقابل يجب عدم تهميش الزراعات غير الاستراتيجية التي تمتلك مساهمة ضمنية بالنمو أكبر من تلك التي تمتلكها محاصيل أخرى مدعومة، وهذا يعني بعبارة أخرى ضرورة عدم معاقبة مزارعي المحاصيل غير الاستراتيجية لمصلحة مزارعي المحاصيل الاستراتيجية.

 

استهداف

 

كما يجب وقبل كل شيء –حسب الدراسة- عدم القيام بإصلاحات جذرية لأي برنامج من برامج الدعم قبل تنفيذ دراسة لتقييم الأثر الاجتماعي للتشريع، وتركيز الدعم بحيث يستهدف عملياً سكان المناطق الجغرافية الأكثر معاناة، وذلك لتحقيق الأهداف الاجتماعية للدعم، إضافة إلى وجوب إيجاد توازن بين الأهداف المتعارضة بشكل عام وطرح أكثر من سيناريو لتعديلات الدعم.

 

خطوط عامة

 

وعرضت الدراسة الخطوط العامة لإصلاح الدعم وذلك من خلال إنشاء كيان إداري موسع يتولى إدارة وتحديد سياسات الدعم، وضرورة أن يتناسب حجم الدعم طرداً مع تطبيق الدورات الزراعية والنظم المتكاملة كنظام المكافحة المتكاملة ونظم الإنتاج النباتي – الحيواني المتكاملة، كما يجب وعلى المدى البعيد الانتقال من الدعم المباشر إلى التأمين على المحاصيل وخاصة التأمين الذي يتم تفعيله عندما تنخفض أسعار المنتجات الزراعية دون التكلفة، ومن هذه الخطوط أيضاً زيادة تركيز الدعم في مجال خدمة الاستثمار، ولاسيما في مجال البنى التحتية والتسويق والإرشاد والميكنة، والتصنيع الزراعي، والطاقات البديلة والنظيفة بدلاً من دعم الوقود، لأن دعم المدخلات يضغط الاستثمارات الزراعية، بينما دعم الاستثمارات يمكن أن يأتي بالمدخلات بتكاليف أقل، لكن من الضرورة أن يتم هذا التحول بشكل تدريجي وغير حاد. إلى جانب رقمنة الأراضي لتحديد من يجب أن يستفيدوا من الدعم، بمعنى تحديد كافة خصائصها الطبيعية وما يناسبها من زراعات من خلال بنك معلومات قبل للدخول والاستفادة، وإسناد الخطة الزراعية إليها. كما أنه من المهم -ووفق الدراسة – التخلي عن بعض مبادئ التخطيط الحالي الكلاسيكية والقديمة التي لا تتناسب مع النظرية الاقتصادية.

 

تنسيق

 

وأوردت الدراسة جملة من المقترحات عرضتها ضمن محاور رئيسية يتعلق الأول منها بسياسات الدعم، وتنص على تأسيس مجلس أعلى للدعم الزراعي برئاسة وزير الزراعة ومشاركة كافة الجهات المعنية بالدعم لاسيما وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ممثلة بهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، وهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى مشاركة وزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والإدارة الحلية والبيئة، والكهرباء، والنفط، على أن يقوم المجلس برسم السياسة العامة للدعم وتنسيق وتوزيع العمل بين الجهات المختلفة.

 

كما ويتضمن هذا المحور إصلاح استئناف دعم الري الحديث على أسس جديدة أكثر صرامة، وإلغاء مبدأ القرض طويل الأجل بضمانة الأرض، والاستفادة من تجربة الصين بالري بالخاصية الشعرية والتي هي أكثر كفاءة من الري بالرذاذ، وحتى من الري بالتنقيط أيضاً، وتشجيع الاستثمارات في صناعة الأسمدة المنتجة محلياً، وبالتالي نزول الحاجة فعلياً إلى دعم الأسمدة، وتوسيع سياسة دعم الأعلاف لتشمل دعم المحاصيل العلفية كالشعير والصويا والبيقية والدخن ..إلخ، بالإضافة إلى تقديم الأعلاف المدعومة للمربين، وتخفيف ودعم المحاصيل المستهلكة للمياه بدرجة كبيرة في بلد يعاني من الجفاف وشح المياه وكذلك تخفيض وإلغاء دعم المحاصيل غير المجدية اقتصادياً أو ذات الجدوى الضعيفة.

 

مكافآت

ويتضمن المحور الثاني جملة من المقترحات ذات العلاقة بأدوات الدعم “حوافز ومكافآت”، والمتمثلة بتقديم مساعدات فنية ومالية للتحول نحو الطاقة النظيفة قدر الإمكان، وتوسيع التجربة على المدى المتوسط والبعيد، وتخصيص مكافآت للبحث العلمي الذي ينجح بإنتاج أصناف القمح والمحاصيل الأخرى الملائمة للبيئات السورية، وتشجيع البحث العلمي على التوسع بالمكافحة الحيوية وتخصيص مكافآت للباحثين الذين يقدمون حلولاً قابلة للتطبيق في مجال المكافحة المتكاملة. وتقديم مكافآت لكل مرب يتمكن من إنتاج علف قطيعه بنفسه، مع تشجيع توسيع زراعة المحاصيل العلفية الذرة وفول الصويا والبيقية من خلال تقديم مكافأة إنتاج لمنتجي هذه المحاصيل الهامة كأعلاف لقطاع الإنتاج الحيواني.

 

استدامة

 

ويتمحور المحور الثالث حول الاستدامة، وذلك من خلال الاستمرار بمنح الدعم استناداً إلى المساحات المزروعة وليس المرخصة أو المخططة مع تسقيف يمنع الاستفادة المفرطة، إضافة إلى إعادة دعم الأسمدة الكيميائية في الوقت الحالي والاستمرار بدعم بذار القمح وتطوير أصناف قمح جديدة تلائم البيئات السورية والاستمرار بسياسة دعم الأعلاف وتعزيزها، مع الاستمرار بتوفير خدمة المكافحة العامة والخدمات البيطرية، وكذلك الاستمرار بدعم زراعة القطن العضوي والقطن الملون.

 

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]