انتصارنا وانكسارهم..بقلم:ناظم عيد

 

 

 

فشلت أحدث فصول متواليات “عواصف الإرهاب” على سورية، وكانت خاصرتنا الجنوبية مطرحاً لتوثيق ما سيكون علامة فارقة في سفر مواجهتنا مع استطالات أذرع صناعة الموت التي امتدت إلينا من كل حدبٍ وصوب.

فعلى إيقاع تواترات الأنباء المتزامنة عن ضربات الإرهاب في ليون الفرنسية وتونس والكويت، أُعلنت المفاجآت الصادمة من درعا لكل من تأبط شراً لسورية، وسجّل الجيش العربي السوري فتحاً جديداً في أدبيات المنافحة عن الأرض والسيادة في وجه “عصابات غزو الحضارات”…. فكان هنا انتصار وهناك مشاهد انكسار، وارتدادات مريرة لصانعي الموت وأدوات الدمار إلى حيث بلدان المنشأ والدعم و”التوضيب”، وهل نريد أكثر من هكذا عبرة.. سورية تدحر الإرهاب، فيما كبار مدجنيه ينوؤون تحت ضرباته المباغتة؟!.

أمام هذه المقاربة دعونا نسأل: أي صدفة تلك من شأنها توزيع الفعل الإرهابي وبالتزامن في ثلاث قارات معاً؟، وأي إدارة حاذقة تملك القدرة على ذلك، إن لم تكن دولة عظمى بإمكاناتها التقنية والمادية والاستخباراتية؟، وهل علينا ارتداء قناع الحماقة والسذاجة لنسلّم باختزال الحكاية بمجرد “داعش أو أحد مُستنسخاته” بغض النظر عن طبيعة هذه التنظيمات الدموية واستعدادها للإجرام من منطلقات عقائدية؟.

والتساؤل الأهم الذي على العالم ألّا يغفل عنه هو: لماذا لم يضرب الإرهاب في موجاته الحديثة الولايات المتحدة الأمريكية، بما أنه ضرب فرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية والكويت وتونس وسواها من حلفاء واشنطن؟.

الواقع أن ثمة مؤشرات -مازالت في خانة الظنون- تشي بتورط الأصابع الأمريكية بالإرهاب الواقع على حلفائها، كما على أعدائها التقليديين، ومنهم نحن، فواشنطن تسعى الآن لاستنزاف حلفائها وأعدائها على حدٍّ سواء، وقد تورّطت بفضائح التجسس على ثلاثة رؤساء فرنسيين كانوا من أهم حلفائها -رغماً عن إرادة الشعب الفرنسي- ليس للاطمئنان على سلامتهم، بل لأغراض غير بعيدة عن ترسيخ القناعة بأن حلفاءها المفترضين هم أُجراء وليس إلّا، فالتجسس وإعلانه استنزاف معنوي، وكذلك توجيه الصدمات الإرهابية استنزاف مادي ومعنوي وبشري، وهي الطريقة الأمريكية في إدارة أزمات هذا العالم واستثمارها، وربما تكون الشواهد الأقرب والأكثر دلالة على ما نقول ماثلة هنا على مقربة منا في المضمار العربي، وخاصة في دول الخليج، فطالما حرصت على تضييق الخناق-احترازاً- على زعامات النفط العرب، والآن تلعب اللعبة ذاتها في أوروبا وبالتزامن، ولا بأس بـ ” قرصة أذن” توخياً من النسيان.

العالم اليوم كله مهدد بإملاءات مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها كما أعداؤها ليسوا في مأمن من غدراتها أمام هكذا أولوية متأصلة في “جينات” الأميركيين وبُناهم التربوية الذهنية ونهجهم الاستخباراتي، فثمة شيء هناك اسمه “المصلحة القومية العليا” يبرر الغايات مهما كانت سوداء وقاتمة، وإذا كان تدمير مبنيي مركز التجارة العالمي فعلاً استخباراتياً أمريكياً، للانطلاق في رحلة إعادة ترتيب العالم التي لم تنته حتى يومنا هذا، هل يبقى علينا انتظار المزيد من القرائن على أن الإرهاب أينما كان هو بإرادة وإدارة أمريكية؟.

من المتوقع ألّا تتأخر واشنطن لتعلن أن “داعش” قد خرج عن سيطرتها كما فعلت بعد التظاهر بحربٍ طويلة مع “القاعدة”، أفضت إلى ترتيب أوراق كثيرة بعد خلطها عمداً، وعندها سيؤتى حلفاؤها “من مأمنهم” وسيكونون فريسة سهلة لمارد أعمى دجنوه وعززوه، لأنهم في مشيخات الخليج وفي المجال الأوروبي أوهى من أن يواجهوا وينتصروا في حرب عصابات، كالتي يجري سحقها في الداخل السوري. وأغلب الظن أن دحر الإرهاب في سورية وانتهاء الأزمة هنا، سيكون بداية حروب إرهابية ارتدادية يتوزع وطأتها داعمو الإرهاب، وعلى الأرجح ستكون البداية في المضمار الخليجي، ولاحقاً أوروبا وعندها “سيختصم اللصوص وتظهر المسروقات”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]