شاغلو مناصب بمرتبة وزير يتلطون تفادياً للتغيير الحكومي..أحد عشر منصباً خارج حسابات التعديل..ترهل ينتظر المعالجة السريعة

 

دمشق – الخبير السوري:

يحرضنا التغيير الحكومي الذي سيطول رؤوس هرم السلطة التنفيذية، للحديث عن وجوب تغيير موازي لمناصب يمكن وصفها بأنها خليط بين العمل السياسي، والعمل الفني الإداري، مثل (هيئة التخطيط والتعاون الدولي – الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش – الجهاز المركزي للرقابة المالية – مصرف سورية المركزي –هيئة الطاقة الذرية – الهيئة العليا للبحث العلمي…الخ).

وقبل أن يساء الظن بنا نشير هنا إلى أن تطرقنا لهذا الموضوع لا يندرج تحت إطار التحفظ على الشاغلين الحاليين، وإنما بأتي ضمن سياق الحديث عن التغيير والمبادرة بطرح الأفكار والاقتراحات عسى أن يتم الاستفادة منها أو الاستئناس بها.

توجس

بالعودة إلى ما بدأناه … يبدو أن هذه المناصب والبالغ عددها الـ11 منصباً، غير مقيدة بفترة زمنية محددة، فبعض متوليها قد يمتد بهم الزمن لنحو 20 سنة..! في مشهد يشي بوجود خلل بنيوي يذكرنا بقصة ذلك المتوجس من الفساد الإداري الذي سأل خلال جلسة حوارية يديرها خبير في علم البرمجة اللغوية العصبية سؤالاً لا يعبر عن براءة سأله، حيث تقصّدَ بطرحه للسؤال لفت أنظار الحضور لحقيقة وجوهر الفساد الإداري المستشري في كيان هيكلنا الحكومي، ومفاد السؤال: ماذا يعني أن يبقى مديراً عاماً أكثر من عشرين سنة في منصبه؟ ورغم تفاوت الأجوبة والآراء المتشعبة حول هذا الموضوع، إلا أن أياً منها لم يشير ولو إشارة بسيطة لخبرة وكفاءة هذا المدير النادرة…!.

معايير ولكن..!.

ما يعني أن الأمر مرتبط بنواحي لا علاقة لها بمعايير معينة تحدد أن هذا المدير المناسب في المكان المناسب، وإنما بنواحي لها علاقة بمعايير غير شرعية تفتح الباب لفساد مشرعن إن صح التعبير، لاسيما وأن لكل إنسان طاقة على الإبداع والتطوير، وحسب علم الإدارة فإن طاقة أي مدير في تطوير إدارته تستنفذ بعد خمس سنوات وسطياً، وبعدها لابد أن يشحذ تفكيره ويصقل خبرته بآليات جديدة تساعده على مواكبة تطورات العمل الوظيفي، وإلا سيجتر ما قدمه من أفكار لإدارته دون أن يأتي بجديد، وتكون النتيجة مزيداً من الترهل والحكم على المؤسسة بالموت البطيء. وفي هذا السياق يعتبر أحد المفاصل التنفيذية القريب من شاغلي هذه المناصب أن الأخيرة والمعروفة بأنها (ما فوق إداري وما دون سياسي) هي عرضة للترهل والفساد شأنها شأن أي مكان وظيفي آخر، لاسيما إذا كانت فترة توليها مفتوحة أو بالأحرى غير مقيدة بفترة زمنية، مشيراً إلى أن عدم التلويح بالتغيير لشاغليها بين الفينة والأخرى له منعكسات سلبية على سيرورة العمل ككل، وذلك على اعتبار أن المؤتمن على المنصب يستنفذ بعد نحو سنوات ما بحوزته من أفكار جديدة، ليبدأ باجترار ذاته وبالتالي مراوحة الجهة المؤتمن عليها في المكان.

تعفن إداري

واعتبر ضيفنا أن التغيير الحكومي فرصة جيدة لأن يكون هناك تغيير موازي يطول رؤساء هرم الجهات والهيئات المستقلة والتابعة لرئاسة مجلس الوزراء. مشيراً إلى عدم تحفظه على أي من المدراء أو الرؤساء الحاليين لهذه الجهات، ولكن مقتضيات التطور سواء الفني المرتبط بعمل هذه الجهات، أم الإداري المتعلق بضبط الأمور والقضايا الروتينية اليومية، تتطلب التغيير تفادياً لأي تعفن إداري محتمل، فطول فترة بقاء أي مدير في منصبه كفيلة بإفساده جسدياً وفكرياً خاصة إن اعتاد على روتين معين دونما أي تطوير لمهاراته، لذلك يلجأ اليابانيون إلى اعتماد طريقة تبادل الأدوار، والتي تقتضي وجوب التنقل المستمر للموظفين بين المناصب، بحيث يطلع كل واحد منهم على طبيعة عمل الآخر وحيثياته، ما يجعلهم أكثر تجديداً لمهاراتهم وقدراتهم الإدارية، وأكثر تواصلاً لمعرفة مشاكل بعضهم البعض المهنية والعملية، وبالتالي يتعاونون على حلها في حال اعترضت أياً منهم.

وأشار محدثنا إلى أن التجارب العلمية تؤكد أن الأشياء المادية العضوية منها وغير العضوية تتأثر بالمحيط الموجودة فيه، فكما أن بقاء التفاحة فترة طويلة تحت أشعة الشمس يفسدها، فإن الجبال والوديان تتأثر بعوامل الحتّ والتعرية نتيجة الظروف المناخية المتعاقبة عليها، وكذلك الأمر بالنسبة للإنسان الذي يتأثر بمحيطه الاجتماعي والمهني، سواء سلباً أم إيجاباً.

نهاية الندرة..!

عناوين كثيرة تندرج ضمن سياق النأي ببعض هذه المناصب عن التغيير ليس أولها المحسوبيات ودورها برفد المفاصل الحكومية بكوادر غير كفوءة، وليس آخرها الحصول على امتيازات من تحت الطاولة لمسؤولين آثروا المصلحة الشخصية على العامة، ولو أسلمنا جدلاً أن خبرة صاحب المنصب المُعمِرْ هي بالفعل نادرة الوجود وتستدعي أن نتمسك به حتى يدير دفة القيادة ليصل بمؤسسته بر الأمان، ألن يصل هذا المدير (النادر الوجود) يوماً ما إلى درجة كبيرة من الروتين العملي تدفعه –على أقل تقدير- لطلب نقله لمكان آخر يجدد فيه حيويته العملية، وينهل معرفة وخبرة جديدتين ويتعرف على موظفين جدد يضافوا إلى قائمة علاقته المهنية والاجتماعية؟ أم أن التمسك بالكرسي يقوقع الشخص على ذاته ويجعله يخشى من المجهول واقتحام أجواء أخرى يتكيف معها؟ خاصة وأننا نعيش عصراً متسارعاً بتطوراته اللحظية ومن لا يواكبها -ولو نسبياً- يجد نفسه في واقع غريباً عنه، يصعب عليه مجاراته. وهنا يشير الدكتور زكوان قريط / كلية الاقتصاد – اختصاص إدارة/ إلى أن بعض المدراء أمضوا أكثر من 25 سنة في مناصبهم ولا يزالون، مبيناً أن سبب طول فترة وجودهم يعود لثلاث اعتبارات لا رابع لها، أولها أنهم ذو نفوذ كبير لدى الجهات العليا، والاعتبار الثاني أنهم ينفذون توصيات وتعليمات وأوامر هذه الجهات دون أي نقاش (كعبد مأمور) أما الاعتبار الثالث وهو مستبعد جداً –برأي قريط- أنهم يتمتعون بكفاءات وخبرات نادرة ليس لها مثيل..!.

موجبات

وأضاف قريط أن من موجبات تغيير مدراء ورؤساء هذه الجهات بالتزامن مع التغيير الحكومي لا تتعلق فقط بمسألة الترهل أو تكلس الأفكار وما شابه، بل تتعداها إلى أخرى تتعلق بمسألة الانسجام والتناغم بين الفريق الحكومي الجديد وهؤلاء المديرون والرؤساء الذين هم بالنهاية أذرع تنفيذية للحكومة، لا بل ذهب قريط إلى أبعد من ذلك معتبراً أن التغيير لا بد أن يطول الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء والطاقم المحيط برئيس المجلس لاعتبارات تتعلق بأن يكون هناك فريق عمل جديد يعمل بذهنية متسقة ومتناغمة مع بعضها البعض..!.

زيادة النقصان

تصنف الإدارة بأنها علم وفن، فهي علم كباقي العلوم يعتمد على نظريات وفرضيات مبرهنة وموثقة، يجب على كل مدير الإلمام بها، وهي فن بمعنى أن لكل مدير أساليبه ومهاراته الخاصة بالتعاطي مع التحديات والمشاكل التي تواجهه أثناء القيام بالمهام المناطة به، لذلك كلما زادت سنوات خدمة المدير –حسب قريط- قد يزداد معها خبرته العملية فقط دون العلمية، ما يعني ضرورة إفساح المجال لجيل الشباب ليقدموا ما بحوزتهم من أفكار تطويرية جديدة تخدم سير العمل، لا أن تبقى الإدارة رهينة لأفكار أكل الدهر عليها وشرب.

واعتبر قريط أن بقاء المدير العام في منصبه فترة طويلة هو الفساد بعينه، فلا يوجد في كبرى الشركات العالمية مدير يبقى في منصبه أكثر من عشر سنوات، وغالباً ما تتراوح المدة ما بين 5 -6 سنوات، وتجاوز هذا الحد يشير إلى وجود امتيازات مادية ومعنوية غير معلنة تثير الكثير من الشبهات، خاصة وأن الامتيازات المعلنة لم تعد مغرية كما كانت سابقاً، كالسيارة –على سبيل المثال- التي أصبح من السهولة –نسبياً- الحصول عليها، مشيراً إلى أن أخطر تداعيات ذلك تتجلى بتشكيل منظومة فساد مرتبطة بصاحب المنصب شخصياً كتفشي المحسوبيات والمحاباة في إدارته، ما ينعكس سلباً على أداء العمل، خاصة وأنها تقضي على روح المبادرة لدى العاملين نتيجة إتباع سياسة الباب المغلق، والمبالغة في تقارير الأداء لبعض الموظفين على حساب الآخرين، ناهيك عن الترهل الإداري والابتعاد عن الابتكار والتطوير خوفاً من فقدان بعض المزايا.

منظومة مجتمعية

نعتقد أن للمنظومة الثقافية الاجتماعية دوراً كبيراً في مسألة التغيير، وذلك على اعتبار أن من يعتلي منصباً عالياً في الدولة، يخشى نظرة المجتمع إليه في حال تخلى عنه، ما يدفعه إما للتمسك به قدر المستطاع، أو البحث عن منصب أعلى. ويمكننا ربط نسبة انتشار هذه الظاهرة وعدمها بمدى قوة وضعف الاقتصاد الوطني في أي بلد، فعندما يكون الاقتصاد قوياً ونشيطاً جداً ومعززاً بمؤسسات فاعلة تعمل وفق مبدأ الإدارة بالأهداف، تقل نسبة من يحبذ التمترس بكرسي المنصب لفترة طويلة، لأنه -ووفقاً لتفكيره الإنساني- يندفع للبحث عن عمل آخر في مؤسسة أخرى بهدف التخلص من الروتين أولاً، والبحث عن التجديد والتطوير الذاتي عبر الإلمام بخبرات جديدة بغض النظر عن الدخل المادي ثانياً.

ولعل لوحات الشرف المعلقة في معظم أروقة مؤسساتنا وإداراتنا العامة تختزل المشهد العام لمتولي المناصب، كونها تحمل أسماء من تربعوا على رأس هرم المؤسسة لحظة انطلاقها حتى تاريخه، والمراقب لها يجد تفاوتاً كبيراً بالفترات الزمنية لكل ولاية، حيث تتراوح من سنة إلى عشرين سنة أو يزيد، مع ملاحظة تسطير تاريخ تولي المدير الأخير مع بقاء سقف الفترة الزمنية مفتوحاً..! وربما في ذلك إشارة ما تدل على أن فترة الولاية ربما تستمر لعقود من الزمن..! دون وجود أدنى معايير للبقاء في المنصب..!.

 حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]