الحكومة والمواطن و”الجيب” الواحد…بقلم:ناظم عيد

يبدو أن بين “جيبي” المواطن والحكومة بوناً زائفاً من التباين في المصالح، وفجوة صنعها الوهم، أو لعلّه الجفاء في التعاطي الذي أحال الاحتكام إلى الظنون وليست الوقائع بديلاً للموضوعية، نعم الموضوعية التي تؤكد أن للحكومة والمواطن “جيباً واحداً” وهو الخزينة العامة، بما أن المسلّمة المالية-الاقتصادية ترى أن “الخزينة جيوب رعاياها”.
من هنا قد تُنبِئنا مجريات اليومين المنصرمين على مستوى الحدث المعيشي -زيادة أسعار الوقود كإجراء تنفيذي، ثم التعويض النقدي الشهري الصادر بمرسوم جمهوري يتلمّس التفاصيل الصعبة ليوميات مواطن مأزوم بأزمة بلده- بأن ثمة لبساً تقليدياً لدى المواطن في تلقي اتجاهات ورؤى الحكومة وهواجسها، يعود إلى قلّة “مهارة” حكومتنا – كما الكثير من سابقاتها- في تسويق مشاريعها وتطبيقات خططها على الأرض، خاصة تلك التي تكتسب طابعاً شبه جراحي، وهذه الحال محفوفة باحتمالات عدم القدرة حتى على “تظهير” إيجابيات أي قرار تنفيذي، فنكون أمام مشكلة أو على الأقل بيئة عمل جاهزة دوماً لتصدير أو استقطاب المشكلات وتجليات الارتباك، وهذا خلل يُسجل في “دفاتر الذمة على الحكومة” وليس المواطن.
فرغم أن الحديث عن نيات القيادة السياسية ترميم جزء من تشوّهات الرواتب والأجور، سبق أي تلميح لزيادة أسعار المشتقات النفطية، وبالتالي هو منفصل عنها تماماً، إلّا أن التتالي الذي حصل في التوقيت أحدث ربطاً عفوياً لدى الرأي العام الجمعي بين الإجراءين، وأثر ارتجال الرواق التنفيذي للقرار، على طريقة تلقي إيجابية مرسوم التعويض، وهذا المثال الأنسب ربما الذي يستحق التأمل ليكون درساً للسلطة التنفيذية التي أخفقت في التوطئة لقرارها فكادت تشتت مفاعيل قرارات أرفع مستوى.
وبالعودة إلى موضوع الزيادة على أسعار الوقود، كان من المفيد لو بادرت الحكومة إلى عدم مباغتة المواطن بقرارها، ومشاركته في وعي خطورة وحساسية الموقف المالي للبلاد في ظل أزمة لم تبقِ ولم تذر، فثمة سلسلة من المقدّمات كانت متاحة لإفهام من يسأل بأن “جيب” الحكومة والمواطن واحد، وما ينطوي على خير لـ”الجيب” الحكومي، سينطوي تالياً على خير لـ”جيب المواطن”، وفي أدبيات العمل الحكومي في مثل هذه الظروف الكثير من الوسائل للتصالح مع الشارع، لاسيما وأن الحرب تستهدف البلاد عموماً ولا تميّز بين حكومة ومواطن، وهذه حيثية يعيها مواطننا جيداً، وقد تفهّمها وتحمّل وصمد، ولو عملت الحكومة بطريقة غير متسرّعة لكانت النتائج مختلفة حتماً.
فما صمتت عنه الحكومة وتجاهلت ضرورة إيصاله للمواطن، هو أن مشتقات نفطية متوفّرة مع سعر مرتفع، أفضل بكثير من أن تكون متهاودة الأسعار لكنها مفقودة، أو محصورة بمن يملكون سطوة الوصول إلى مصادرها، وهذه معادلة كان من الواجب شرح مجاهيلها وطرحها كاتجاهين إجباريين علينا أن نختار أحدهما، وسيكون ما جرى خيار مواطن وليس خيار حكومة، أي قرار حكومي بإجماع شعبي..
وما صمتت عنه الحكومة أيضاً ولم تكترث لإيضاحه، هو أن السعر المدعوم لا يعني دعم عموم المواطنين، بل دعم من يستهلك أكثر، أي “دعم المدعوم”.. لكن في الحسابات الرياضية سيُقسم مبلغ الدعم على عدد المواطنين، وستكون حصة أفقر الفقراء كما حصة أغنى الأغنياء، فأين العدالة في ذلك، أليس في رفع السعر وصولاً إلى حالة اللادعم إنصاف للفقراء، خصوصاً إن استطاعت الحكومة إيصال الدعم لمن يستحقه فعلاً، إن بوسائل مباشرة أو غير مباشرة؟.
كان على الحكومة أن تجتهد كي لا تكون هي المتهم بدلاً من أزمة تسبب بها أعداء الشعب والحكومة، لكنها لاذت بالصمت، أو اختارت الظهور من بوابة الرقابة على الأسواق، وهذه ورقة شبه “محروقة” جرّبها المواطن وخبرها جيداً.
لا بد من المكاشفة لأنها تفضي إلى حالة من التصالح يجب أن تكون موجودة في واجهة تعاطي الحكومة مع أعمالها، لأننا في ظرفٍ لا يسمح بتجاذبات تؤثّر سلباً على صمود البلاد في وجه حربٍ متعددة الحراب ومقاصد الاستهداف.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]