بؤرُ تأزيم للسوق تتحدّى وزارة التجارة الداخلية … أسواق الهال مطارحُ إنتاج الأسعار من طراز “5نجوم”.. ربحوا هم وخسر المنتج والمستهلك

الخبير السوري:
ارتفاع الأسعار هاجسٌ دائمٌ لدى المستهلك المثقل بهموم حياته المعيشية، وهذه الارتفاعات أحياناً تكون مبررة وخاصة إن كانت مرتبطة بالأسعار العالمية المرهونة بالأزمات، وأحياناً كثيرة تكون غير مبررة ولاسيما إن كان الأمر يتعلق بمنتجاتنا المحلية وخاصة الزراعية منها، التي أعلنت تمرداً سافراً على قوانين السوق بل على أعرافه وأدبياته من جهة ارتفاع أسعارها، فكثيراً ما نجد أن أسعار الموز –الذي كان في فترة ما حلماً صعب المنال- متهاودة أكثر من أسعار البطاطا والبصل ومؤخراً الثوم، علماً أن الموز يأتينا من بلاد ما وراء البحار ولا يخفى على القاصي والداني تكاليف شحنه وتخميره التي تبرر ارتفاع سعره، ورغم ذلك أسعاره مقبولة –إن لم نقل متدنية- مقارنة مع بعض منتجاتنا المحلية..!.
لاشك أن أول ما يتبادر لذهن المستهلك أن دخل الفلاح السوري يضاهي نظيره الأوربي أو الأمريكي، وخاصة أنه يتلقى دعماً حكومياً مباشراً أو غير مباشر(محروقات – إعفاءات ضريبية – قروض..الخ)، ولكن من يتابع وضع فلاحينا الذين يكدّون طيلة مواسم السنة يدرك تماماً أنهم لا يكادون يحصّلون رأس مالهم، لدرجة أن بعضهم هجر أرضه وبدأ البحث عن مهنة أخرى بعد أن كسد محصوله.
تناقض
قد يقول قائل: (كساد المحصول يعني زيادة بالعرض وتدنياً بالطلب وبالتالي انخفاض بالسعر) لكن واقع أسواقنا يظهر (تدنياً بالعرض وزيادة بالطلب وبالتالي ارتفاع بالسعر)، ما يعني وجود حلقة غامضة تتلطى وراءها خفافيش تمارس أساليب ملتوية تمكنها من قطف ثمار الفلاح التي يدفع ثمنها المستهلك في نهاية المطاف، وسوق الهال -حسب بعض المراقبين- هو مركز هذه الحلقة التي تحدد الأسعار وفق ما تقتضيه مصلحة التجار ليس إلا، ويؤكد الفلاحون الموردون للسوق الذين التقيناهم أنه لا خيار أمامهم سوى توريد منتجاتهم إلى السوق حصراً خشية تعرضها للتلف، فيضطرون في نهاية المطاف إلى بيعها حسب مؤشر بورصة السوق الذي يتحكم به سماسرته الذين يعرفون تماماً وجع ونقاط ضعف الفلاح المتعطش لتصريف بضاعته حتى يستطيع استرداد رأسماله بدايةً، ويحقق اليسير من الربح لاحقاً.
عالمكشوف
وأشار الفلاحون إلى أن تجار السوق يلعبون بين الحين والآخر لعبة باتت مكشوفة لجميع الموردين المغلوبين على أمرهم، وتتلخص بإتاحة المجال للفلاحين من أجل تحصيل هامش ربح يعوض خسائرهم لئلا يتركوا كار الزراعة وييأسوا منه، إلى جانب أنهم يمولون المزارعين غير القادرين على الاستمرار في الإنتاج شريطة أن يورد كل مزارع إنتاجه لمموليه حصراً فيتقاضى بذلك عمولة غير عادلة تصل أحياناً إلى 7% سواء ربح الفلاح أم خسر، فضلاً عن الحسميات التي يتم اقتطاعها من قيمة البضاعة تحت ذريعة أن قسماً منها دون المستوى المطلوب.
الفاتورة هي الحل
خبير في الأسعار أكد أن سوق الهال هو المسيطر على أسعار الخضار والفواكه، وأن تجاره هم من يتحكمون بالمزارع ويشترون بضاعته بالسعر الذي يريدون ليبيعوها أيضاً كما يريدون، معتبراً أن أحد الحلول الكفيلة بضبط أسعار السوق يتمثل بتطبيق الفاتورة التي من خلالها يمكن معرفة نسبة الأرباح الحقيقية، لكننا إلى الآن غير قادرين على تطبيقها، مشيراً إلى أن الدولة غائبة حقيقة عن هذا الواقع، وأن كلاً من المزارع والمستهلك يشتكي، وما من حل سوى إلزام التجار بتداول الفاتورة أو إنشاء مركز منافس لسوق الهال.
وأضاف الخبير إن هناك خطوات قانونية تُعنى بالأسواق لكن المشكلة بالتطبيق، فقانون حماية المستهلك لم يطبق كما يجب، كما أن قانون المنافسة ومنع الاحتكار لم نرَ منعكساته على أرض الواقع، فالخطوات العملية لم تواكب الخطوات القانونية التي مشت بسرعة.
ولفت الخبير إلى أن هناك بعض المتنفذين من مصلحتهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لذلك يحاولون وضع العراقيل كيفما شاؤوا، فإذا لم يستطيعوا السيطرة على القانون يسيطرون على التنفيذ العملي.
التزام تجار السوق
مصادر لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه في سوق الهال بدمشق رأت في تصريحاتها ل” الخبير السوري” أن تجار السوق ملتزمون بالقانون/123/ القاضي بإعطاء الفاتورة لتجار المفرق التي تحدد لهم هامش ربح بنسبة 15%، لكن تجار المفرق لا يرضون إلا بهامش ربح 100%، فـ 1 كغ من البرتقال على سبيل المثال يباع في السوق بسعر 35 ليرة سورية بينما يباع لدى تجار المفرق بـ70 ليرة، مشيراً إلى وجود تعاون وتنسيق دائمين بين وزارة التجارة الداخلية، واللجنة في قضية الأسعار التي تحكمها قاعدة العرض والطلب، حيث تقوم اللجنة بإعلام الوزارة بارتفاع أسعار السلع غير المقبول لاتخاذ الإجراءات اللازمة، نافياً بالمطلق وجود أي ممارسات احتكارية من تجار السوق لأن الخضار والفواكه سريعة التلف وليس من مصلحة التجار احتكارها.
التاجر يحمي الفلاح
وفيما يخص العمولة والحسميات قال المصدر: وفق العرف العالمي يتم حسم ما نسبته 3– 5 % لمصلحة التاجر (وذلك حسب سعر البضاعة) من الحمولة التي تزان على القبان الالكتروني، أما بالنسبة للعمولة (السمسرة) فهي محددة بالقانون بنسبة 7.5% من قيمة البضاعة، لكن التجار يتقاضون فعلياً 5 %.
واعتبرت المصادر أن تجار السوق هم من يدعمون الفلاح عبر تمويلهم دون فوائد على أمل أن يصرف بضاعته في محالهم، مؤكداً أن ذلك ليس شرطاً قطعياً على الفلاح، فبإمكانه تصريف البضاعة أينما كان على أن يسدد ما اقترضه منهم، ولولا السوق لما استطاع المزارعون تصريف منتجاتهم.
الدعم مفقود
رغم أن النظرة السائدة إلى تجار سوق الهال تؤكد أنهم بعيدون كلياً عن الخسارة لكونهم يعرفون كيفية تحصيل الأرباح بطرق مشروعة وغير مشروعة حسب بعض المراقبين، إلا أن التجار الذين التقينا بعضهم نفوا ذلك جملةً وتفصيلاً، بل طالبوا اتحاد المصدرين أن يدعمهم أسوة بنظرائهم في الدول المجاورة، حيث يدعم التاجر اللبناني بنسبة 75 % من قيمة بضاعته المصدرة، ويصل دعم التاجر المصري إلى 2000 دولار عن كل حمولة، بينما التاجر السوري يدفع لاتحاد المصدرين 1300 ليرة سورية عن كل بيان تصدير، ناهيك عن خساراتهم الفادحة التي تصل إلى 15ألف دولار عندما يتم ردّ حمولاتهم من الدول المستوردة لها كما حصل لهم العام الماضي مع السعودية التي ردت عدداً من شحنات البندورة.
آخر القول…
يبدو أن حلقات السلسلة التجارية تحتاج إلى إعادة نظر بالمجمل بدءاً من الفلاح، مروراً بتاجر الجملة، ومن ثم تاجر المفرق، وانتهاءً بالمستهلك الذي يعتبر الأضعف بينها، فلكل منها همومها ومشاكلها، لكن في المحصلة لكل منهم نصيب من الربح ولو كان بسيطاً باستثناء المستهلك الذي يدفع ثمن تجاوزات غيره من الحلقات المذكورة، ويبقى الدور الأكبر للجهات المعنية وخاصة وزارة الاقتصاد القادرة على ضبط إيقاعها وتوازنها وتصحيح مسارها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]