حلول أكثر تعقيداً من المشكلة…شوارع العاصمة ” تختنق” بالباصات الكبيرة .. خبراء يقترحون توزيعاً مدروساً للمسارات ومدير النقل الداخلي ” سيحارب لبقاء الباصات”

الخبير السوري:

مازالت أزمة النقل الداخلي في دمشق من الأزمات المتوارثة والدائمة التفاقم، ربما ككل المدن الكبرى، بالرغم من السعي المتكرر لإيجاد الحلول من قِبل المعنيين، ولكن المفارقة بأنّ الحلول التي توضع لحل المشكلة تتسبب في مشاكل إضافية.

دمشق ووفق توزع وتنظيم هندسة الطرقات فيها، تعاني ضيق أغلب طرقاتها، ضمن أحياء مكتظة بالسكان، فيما الشوارع أو الأوتوسترادات الكبيرة والعريضة فيها تعد على أصابع اليد الواحدة، وغالباً هي خارج المدينة.

دوماً ننظر لإدخال باصات النقل الداخلي كأحد الحلول التي تم اللجوء إليها للحدّ من أزمة النقل، وإن كانت قد أسهمت في التخفيف من مشكلة قلّة المعروض من وسائل النقل، إلّا أنّها تسببت في تضخم أزمة الاختناق المروري في شوارع دمشق الضيقة، وعليه فالحل هو المشكلة بذات الوقت.

مشكلة قديمة

تساؤلات ملحّة تطرح نفسها عن أسباب الإصرار على فرض باصات النقل الداخلي في شوارع دمشق، ولماذا لا يتم استبدالها بباصات أصغر حجماً وأيسر بالحركة؟

يسرد الدكتور شفيق داؤود أستاذ الهندسة المدنية في جامعة دمشق، ومعاون وزير النقل سابقاً، رؤيته للمشكلة بشيء من الشمولية، ويعتبر أنّ أي حديث عن تحقيق التنمية والتنمية المستدامة لا يتم من دون التركيز على تنمية قطاع النقل، وبيّن أنّ العلاقة بين النقل و القطاعات الأخرى هي علاقة تأثير متبادل، فأي تنمية في قطاع سياحي أو زراعي أو تجاري يجب أن ترافقها أو تسبقها خطوات تنموية في مجال النقل، أي تأمين البُنى التحتية لعملية التنمية هذه .

ويوافق الدكتور داؤود على أنّ موضوع النقل لداخلي داخل المدن هو مشكلة، لافتاً إلى أنّه  تمّ استدراج عروض لباصات نقل داخلي منذ عام ٢٠٠٠، وأيضاً في عام ١٩٩٨ تمت دراسة هندسية للنقل والمرور ضمن مدينة دمشق بالاشتراك مع وكالة ” جايكا” اليابانية، وتمّ الوصول إلى نتيجة مفادها أنّ بعض المحاور من الطبيعي أن تزدحم مرورياً، فالباصات الكبيرة تحلّ أزمة نقل لكن تسبب مشكلة مرور والنتيجة، التي تمّ التوصل لها أنّه سيتم تلبية متطلبات النقل لكن الوضع يسمح فقط بأن يتم التفكير كيف سيتم نقل الناس بصرف النظر عن مشكلة المرور وأغلبيتهم الطلاب الذين يقضون وقت في الشارع أكثر من الجامعة.

خيارات قليلة

المشكلة معقدة والخيارات ليست كثيرة، وفق ما يمكن استنتاجه من الحديث مع  الدكتور رامي دالاتي من كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق المتخصص في هندسة المرور، فهو يرى أنّ باصات النقل العام الكبيرة تعدّ حلاً جيداً من ناحية أنّها تغطي أعداداً كبيرة من المواطنين في ظل التعداد السكاني الكبير في مدينة دمشق، لكن المعوق لها هو عدم تأهيل الشوارع والطرقات لحركتها، من ناحية أخرى لو تمّ استبدال النقل بسرافيس وسائل نقل صغيرة ستكون حركتها مرنة أكثر، لكن المقابل سيكون عددها كبير لتغطية الحاجة ما يسبب ازدحام.

ومن منظوره يرى د.دالاتي أنّ الأفضل هو الاعتماد على النقل العام بالباصات الكبيرة، لكن يجب تأمين بيئة العمل المناسبة لها من ناحية تخصيص المواقف لثابتة وتواتر رحلات صحيح، يغطي التعداد الموجود وتهيئة الطريق التي تسلكها، وتهيئة الطريق ليس بالأمر الصعب لأنه من الممكن إعادة تنظيم الحركة لبعض الطرق باتجاه واحد فقط أو اتجاهين.

وبالمقابل نقل السرافيس لتغطية الريف لسهولة ومرونة حركتها والطرق خارج المدينة استيعابها أكبر، والخطوة المهمة في هذا الخصوص دراسة مسار الباصات بشكل صحيح وتوفير سيرها بشكل مرن.

غير المختصين أفسدوا الرؤية

ونعود إلى الدكتور شفيق داؤود، ليوضح أنّه في عام ٢٠٠٨ تمّ العمل مع شركة “الخطيب وعامي” المخطط التنظيمي لمدينة دمشق، و تمّ اقتراح ١٢ خطاً ذي مواصفات محددة للباصات الكبيرة، ومن ثمّ الباصات الصغيرة تقوم بعملية تجميع وتوزيع الركاب.

ويرى د. داؤود أنّ حلّ مشكلة النقل والمرور تحتاج الانتقال إلى النقل بالخطوط الحديدية (النقل المكهرب) وأيضاً في زمن المحافظ السابق تمّ اقتراح خطوط خاصة بالباصات منفصلة عن الشوارع فقط للباصات الكبيرة، وتمّ اختيار الخطوط بسعة مناسبة للشارع، وبشكل لا يتسبب في مشكلة مرور، والمواقف مدروسة لأنّ النقل علم وليس مهنة.

وأسف داؤود على أن يتم اجتماع لجان غير مختصة بالنقل ولا علاقة لها بالنقل ويصدر القرار منها، فالنقل مشكلة كبيرة ويحتاج فعلاً إلى تنظيم ودارسين، وأيضاً جهود وفرق عمل متكاملة.

دراسات أعمق

الدكتور دالاتي يعتبر أنّ استيراد حافلات صغيرة أقل تكلفة من الباصات إذا كان العدد محدوداً، لكن في ظل هذه الأحوال يجب دراسة الجدوى الاقتصادية بشكل دقيق آخذين بالحسبان الاستفادة الحقيقة، ومن رأيه بيّن أنّه يجب تحديد طبيعة النقل الصحيحة ومن بعدها النظر إلى الإمكانات المادية، وكذلك يجب وضع المخطط العام للمدينة مع خطوط النقل وعدد وسائل النقل والقدرة الاستيعابية مع العدد الحقيقي الموجود لدراسة الوضع الراهن والمستقبلي بشكل صحيح.

وفي ختام حديثه أوضح بأنّ الجامعة وخاصة كلية الهندسة المدنية ضمن قسم هندسة النقل ومواد البناء بشكل دائم هناك رسائل ماجستير تخصصي وأكاديمي ودكتوراه تقوم في دراسة هذه الأمور وتقترح الحلول المناسبة، وذلك بشكل علمي وأكاديمي نأمل بربط الجامعة بالمجتمع بشكل حقيقي وكذالك لرفد المجتمع بالحلول للمشاكل التي تظهر.

غير قابل للنقاش

يرى محمد أبو راشد مدير الشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق أنّ الشركة هي شركة عامة ولها الأولوية بقطاع النقل، وتقوم بتخديم مناطق دمشق وريفها ولا يمكن الاستغناء عنها حالياً مهما كانت الظروف، وأنّ الباصات رغم حجمها الكبير فهي تستوعب أكبر عدد من المواطنين قرابة ١٠٠ راكب وخاصة في أوقات الذروة، وتجربة السرافيس والحافلات الصغيرة تجربة فاشلة من وجهة نظره، لن تستمر بالنجاح بسبب عدم استيعابها لكثير من الناس.

فهو ” يعتدّ”  بعدد الباصات التي تقارب الـ١٤٥ باص نقل، ٧٠% منها لخطوط الريف و 30% لخطوط ضمن المدينة وهناك، ٣٥ باص نقل لموظفي الدوائر الحكومية بعقود سنوية، ولكن هناك ٢٥٠ باصاً لشركات النقل الخاصة الرديفة لشركة العامة لنقل الداخلي، و يؤكد بإصرار أنه “سيحارب من أجل بقاء باصات النقل الكبيرة .

ببساطة يطرح أصحاب وجهة نظر حلاً تصالحياً، وهو أننا بحاجة للباصات الكبيرة والحافلات الصغيرة، لكن يجب توزيع الخطوط بشكل دقيق ومدروس، فمثلاً كورنيش الميدان لا يحتمل بتاتاً مرور باصات كبيرة ذات الوقوف المتكرر، والمشكلة ذاتها في مشروع دمر، و إن كان ثمة إصرار على استبقاء الباصات الكبيرة على هذه الخطوط، فعلى إدارة المرور أن تمنع منعاً باتاً ركن السيارات الخاصة على يمين الطريق في الاتجاهين ذهاباً وإياباً، لأنّ السيارات المركونة جانباً لا تسمح بمرور إلّا باص النقل الداخلي، ليكون على أرتال السيارات ” المبتلية” السير خلفه حتى نهاية الكورنيش، حتى ولو كانت سيارة إسعاف.

المشكلة معقدة فعلاً، فإمّا تغيير خطوط باصات النقل الداخلي الكبيرة، وعدم السماح لها بالمرور في الشوارع الضيقة، أو عدم السماح بركن السيارات الخاصة، وهذه مشكلة أخرى..تشرين

آية محمد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]