“مافيا” إلا قليلاً لتوزيع السكر في محافظة بعيدة.. الكيلو بألف ليرة وحصيلة التسجيل للحصول عليه 100 مليون ليرة..ومديرية الشؤون الاجتماعية لا ترى مانعاً من ذلك؟!

الخبير السوري:

منذ أن قررت الحكومة توزيع السكر والرز بالسعر المدعوم على سكان محافظة الحسكة، أسوة ببقية المحافظات، الذين يحصلون عليهما بموجب البطاقة الذكية، سنّ “تجار الأزمة” أسنانهم، وراحوا يعدّون العدّة للحصول على أكبر قدر من الفائدة من هذه المبادرة الحكومية الطيبة تجاه سكان المحافظة.

ولأن “تجار الأزمة” يعرفون أن توزيع السكر والرز في محافظة الحسكة لا يتم بموجب البطاقة الذكية، وإنما حسب دفتر العائلة لكل أسرة، قرروا استغلال هذه الفرصة “بذكاء” لمصالحهم الخاصة، متناسين أن الجهات المسؤولة لهم بالمرصاد.

إذ قرر هؤلاء اختزال “الفصول الأربعة” في شهر واحد، وجعل سكان الحسكة يعايشون تلك الفصول في هذا الشهر، وهو فترة توزيع هاتين المادتين.

ونسأل: هل حصل ذلك فعلاً؟. الجواب: نعم. كيف؟ لنتابع.

الفصل الأول

أول الفصول التي قام بها “تجار الأزمة” في بعض المؤسسات الحكومية في المحافظة حصل إبان التوزيع الماضي لمادتي السكر والرز، ويتمثل ذلك بتقاضي مبالغ مالية من الموظفين لقاء تسجيل أسمائهم في جداول، وتقديمها إلى فرع السورية للتجارة بعد تصديقها من الأمانة العامة للمحافظة.

فقد أخبرنا مهندس-طلب عدم ذكر اسمه- أن المسؤولين عن تأمين مادتي السكر والرز المدعومين في المؤسسة التي يعمل فيها -وهي من المديريات الكبيرة في المحافظة- أخذوا من كل عامل 5 آلاف ليرة زيادة على قيمة كمية السكر والرز التي سيحصل عليها حسب عدد أفراد أسرته، أي إن 10 ملايين ليرة كانت ستذهب إلى جيوب هؤلاء، فقط لقاء كتابة أسماء الموظفين البالغ عددهم نحو ألفي موظف في جداول. وذلك قبل أن يعلم محافظ الحسكة الدكتور لؤي محمد صيوح بهذا التجاوز، ويضع حداً له، بإلزام المسؤولين عن تنظيم الجداول في تلك المديرية بإعادة الأموال التي حصلوا عليها من دون وجه حق إلى العمال، على أن يراجع كل عامل مركز البيع المحدد من فرع “السورية للتجارة” حاملاً بطاقته العائلية، ويحصل هو شخصياً على مخصصاته من السكر والرز، بعد أن يدفع ثمنها بنفسه من دون الحاجة إلى أي وسيط.

أما بقية المؤسسات- وخاصة المؤسسات الكبيرة التي تضم عدداً كبيراً من العاملين- فاكتفت بتقاضي 500 ليرة من كل موظف من العاملين فيها. قيل إنها لقاء قيمة الأكياس اللازمة لتعبئة السكر والرز، وأجور نقل الكميات من المركز المحدد من فرع السورية للتجارة إلى مقر المؤسسة، في حين لم تتقاضَ بعض المؤسسات من موظفيها أي مبلغ.

الفصل الثاني

أما الفصول اللاحقة بتوزيع السكر والرز المدعومين في المحافظة فحصلت أثناء توزيع الدفعة الحالية “الثانية”، إذ مازالت بعض المؤسسات الحكومية تحصل فيها تجاوزات في هذا المجال.

فقد علمنا من مصادر موثوقة أن بعض المؤسسات الحكومية أخذت من كل عامل ألفي ليرة، لقاء تسجيل اسمه في جدول الحصول على السكر والرز بالسعر المدعوم. فلماذا الألفي ليرة ولقاء ماذا؟.

والفصول لا تقتصر على المؤسسات الحكومية.. وإنما طالت حتى المواطنين غير العاملين في الدولة.. فقد حصلت هنا تجاوزات أخبرنا بها عدد من سكان المنطقة الجنوبية من المحافظة وخاصة منطقة الشدادي، وأكد عليها مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك علي خليف الذي قال: “تلقينا معلومات من عدد من سكان منطقة الشدادي، تفيد بقيام بعض المخاتير بتسجيل الأسر في جداول لقاء 3 آلاف ليرة عن كل أسرة. وبحسبة بسيطة سيحصل كل مختار من وراء ذلك على مبلغ مالي كبير”.

وأكد خليف أنه اتخذ عدة إجراءات لضبط هذه المخالفات التي ترقى إلى مستوى الفساد، وتقديم مرتكبيها إلى القضاء لينالوا جزاءهم بعد تنظيم الضبوط التموينية بحقهم، ولم يكشف عن هذه الإجراءات.

“الفصول الأربعة”

تتوالى الفصول التي تتم في توزيع السكر والرز بالسعر المدعوم في المحافظة، إلى أن وصلنا إلى “الفصول الأربعة”.

ويخبرنا خليف عن ذلك بقوله: “تقدمت مؤسسة خاصة تدعى “الفصول الأربعة”، بطلب لتسجيل أسر المحافظة في جداول للحصول على مخصصاتهم من السكر والرز بموجب البطاقة العائلية مقابل ألف ليرة من كل أسرة, وبعد البحث عن الدافع وراء تقديم ذلك الطلب, ولاسيما أنه مقدم من مؤسسة خاصة، ولا توجد طريقة لمراقبة أدائها والإشراف عليه، منعاً لحدوث أي تجاوزات, ناهيك بالشبهات التي سيُلحقها هذا العمل بحق كل من يوافق عليه، لأنه بعملية حسابية بسيطة نجد أن هذه المؤسسة ستحصل على 100 مليون ليرة على الأقل، خلال بضعة أيام فقط لقاء تنظيم جداول بأسماء المستفيدين من حصص السكر والرز بالسعر المدعوم، البالغة 100 ألف حصة في هذه الدفعة. وهذا الإجراء لا يحتاج تكليف مؤسسة خاصة للقيام به، لأن كل مؤسسة من مؤسسات الدولة في المحافظة، باستطاعتها تسجيل أسماء عمالها من دون أي مقابل، كما حصل أثناء توزيع الدفعة الأولى”.

ويضيف: “ولأننا لم نجد أي مبرر لكل ذلك، توجهنا برفقة عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة مسؤول قطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك أحمد شيخ أمين إلى المحافظ، ووضعناه بصورة الهواجس التي تعترينا حيال طلب مؤسسة الفصول الأربعة الخاصة. فوجّه المحافظ بعدم الموافقة على طلب هذه المؤسسة لكونها قطاعاً خاصاً، كما وجّه بالعودة إلى الإجراء السابق المطبق بتوزيع الدفعة الأولى، والمتمثل بقيام كل مؤسسة بتسجيل أسماء العاملين فيها، ورفعها في جداول إلى الأمانة العامة للمحافظة لتدقيقها وتصديقها، وتقديمها إلى فرع السورية للتجارة، على مسؤولية مديري المؤسسات الحكومية، واستناداً إلى هذه الجداول يقوم فرع السورية للتجارة بتوزيع المخصصات من السكر والرز”.

ويقول خليف: “بعد رفض المحافظ طلب مؤسسة الفصول الأربعة، فوجئنا بها تتقدم بطلب آخر يتضمن استعدادها لتسجيل الأسر مجاناً من دون أي مقابل. وهذا الطلب قوبل بالرفض، من أجل قطع الطريق على أي مخالفات قد تحصل أثناء تسجيل الأسماء، وخاصة عند الإقبال الكبير من المواطنين وحصول ازدحام”.

أما بخصوص المواطنين من غير العاملين في الدولة، وكيفية حصولهم على مادتي السكر والرز، يقول خليف: “تم إحداث مقرين لتسجيل تلك الأسر؛ المقر الأول هو الجمعية الاستهلاكية للمعلمين والعاملين في قطاع التربية وسط مدينة الحسكة، والمقر الثاني هو مكتب التسجيل للحصول على البطاقات التموينية، شمال مخبز الحسكة الأول (مخبز المساكن) في حي المطار غرب المدينة”.

بحثاً عن الشهرة!

مدير فرع السورية للتجارة عمر حمو نأى بنفسه عن موضوع تسجيل الأسر المستهدفة من أي جهة كانت، ذلك أن “الفرع معني بتوزيع المادة فقط، بناء على الجداول التي ترده من الأمانة العامة للمحافظة”، حسب قوله.

أما عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة مسؤول قطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك أحمد شيخ أمين فقال: “أول قضية واجهتنا لدى تسلمنا مهامنا في المكتب التنفيذي كانت قضية الفصول الأربعة. فسألنا إدارة هذه المؤسسة عن الدافع وراء تقدمها بطلبها المذكور، فأخبرتنا أن الهدف ليس المال، وإنما بحثاً عن الشهرة (!). فطلبنا منها البحث عن الشهرة في مكان آخر، وبطريقة غير هذه الطريقة”.

من جهته رئيس مجلس أمناء مؤسسة الفصول الأربعة محمد العثمان أكد لنا صحة ما قاله الشيخ أمين. وقال: “تقدمنا إلى المحافظ بطلب لتكليف المؤسسة بإعداد جداول بالأسر المستهدفة بتوزيع مادتي السكر والرز بالسعر المدعوم على سكان المحافظة، تتضمن كافة البيانات المطلوبة”, وفي مقابل ذلك تحصل المؤسسة على ألف ليرة عن تسجيل كل أسرة”.

“حسد وضيق عين”

وبيّن العثمان أنه لولا قيام مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك وعضو المكتب التنفيذي المختص بقطع الطريق على المؤسسة، والطلب من المحافظ عدم الموافقة على تكليفها بتسجيل الأسر بسبب (الحسد وضيق العين) لتم الأمر.

وعن الدافع وراء تصدي المؤسسة لهذه المهمة، أكد العثمان أن “للمؤسسة هدفين، الأول ضبط عملية تسجيل الأسماء وإنجازها بدقة وسرعة، ووضع حدّ لأي تجاوزات قد تحصل بذلك”, زاعماً “حصول تجاوزات بتسجيل الأسر المستهدفة أثناء توزيع الدفعة الأولى، والهدف الثاني إشهار المؤسسة في كافة أنحاء المحافظة”.

وعن الضمانات التي يمكن أن تمنع حصول تجاوزات من مؤسسة الفصول الأربعة نفسها بتسجيل الأسر المستهدفة؟ أجاب العثمان: لن يكون هناك أي تجاوز في هذا المجال. من دون أن يوضح لنا كيف. وما هو مصدر كل هذه الثقة بعمل مؤسسته ولماذا هي منزّهة وفوق الشبهات، في حين يتهم المؤسسات الحكومية بالتجاوز؟.

وبكل ثقة قال لنا إنه يتوقع أن يتراجع محافظ الحسكة عن قراره بعدم الموافقة على قيام مؤسسة الفصول الأربعة بتسجيل الأسر المستهدفة بتوزيع الدفعة الثانية من السكر والرز المدعومين، وسيتم تكليف المؤسسة بهذه المهمة مجدداً. وذلك “لوجود بطء في تسجيل الأسر وإعداد الجداول، من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك من جهة، وتكبيد المواطنين عناء وتكاليف النقل من مناطق سكنهم سواء ضمن مدينة الحسكة أو من القرى والأرياف، حتى يتم الوصول إلى مركزي التسجيل من جهة ثانية. ناهيك بأن احتمالية حصول تجاوزات بتسجيل الأسر المستهدفة مازالت قائمة”، على حدّ زعم العثمان.

“الفصول الأربعة” تتكاثر

والملاحظ أنه بمجرد أن تقدمت مؤسسة “الفصول الأربعة” بطلبها، وقبل أن يتم البت به، استغل ضعاف النفوس في بعض المؤسسات الحكومية ذلك لمصلحتهم. وطلبوا من كل موظف في تلك المؤسسات ألفي ليرة لقاء تسجيل اسمه. على أساس ألف ليرة لمؤسسة “الفصول الأربعة” وألف لهؤلاء الموظفين، قيل إنها لقاء تكاليف تنظيم الجداول وثمن الأكياس وأجور النقل. أي إن الـ 100 مليون ليرة يمكن أن تصبح 200 مليون وربما أكثر بكل بساطة.

وإذا علمنا أن تكاليف كل إجراءات الحصول على السكر والرز هي أقل من ذلك بكثير. نكتشف أن “الفصول الأربعة” أخذت بالتكاثر في محافظة الحسكة، من وراء استغلال “ضعاف النفوس” لتوزيع السكر والرز المدعومين.

وقد استاء بعض العاملين في المؤسسات التي تقاضت ألفي ليرة – وربما أكثر- من كل موظف من ذلك، ورفعوا الصوت مطالبين بمحاسبة ضعاف النفوس أولئك. وبمجرد وصول مناشداتهم إلى المحافظ، وجه مديري تلك المؤسسات بإعادة المبالغ التي تم تقاضيها من الموظفين لقاء إجراءات توزيع السكر والرز.

والمصيبة أن بعض المديرين قالوا إنهم أعادوا المبالغ للموظفين، من دون أن يحصل ذلك على أرض الواقع. فهل المشكلة بهؤلاء المديرين الذين لا نظن أنهم انحدروا إلى هذا المستوى من السذاجة حتى يغامروا بمستقبلهم من أجل حفنة من الليرات؟. أم إن المشكلة بمن هم أدنى مستوى وظيفي من المديرين، أي المسؤولين المباشرين عن أخذ تلك الأموال من الموظفين. على افتراض أنهم ادعوا كذباً أنهم أعادوا الأموال لزملائهم من دون يفعلوا؟. وذلك لأننا متأكدون من معلوماتنا بشأن عدم قيام بعض المؤسسات بإعادة المبالغ التي تم تقاضيها من الموظفين لقاء إجراءات توزيع السكر والرز.

أسئلة تبحث عن إجابات

أخيراً أثار ما قاله لنا عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة مسؤول قطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك أحمد شيخ أمين إن “مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل -ودوناً عن كل المؤسسات ذات العلاقة- هي الجهة الوحيدة التي طلبت الموافقة على طلب مؤسسة الفصول الأربعة، وكتب مدير الشؤون على طلبها أنه “لا يرى مانعاً من تلبية طلب المؤسسة”. أثار في ذهننا العديد من الأسئلة، أولها لماذا لم تنأَ مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بنفسها عن هذا الموضوع، الذي يخص مؤسسة خاصة -حتى لو كانت تقع تحت إشراف المديرية- درءاً للشبهات كما فعل المحافظ وعضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة ومديرا التجارة الداخلية وحماية المستهلك وفرع السورية للتجارة؟.

وهل كان طلب “البعض” الموافقة على طلب هذه المؤسسة بريئاً؟ ولاسيما أن الموافقة لو تمت، كانت ستتيح لها الحصول على 100 مليون ليرة على الأقل خلال عدة أيام فقط، وهو مبلغ مغرٍ ويسيل له اللعاب؟.

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]