رجل بألف وألف كأفّ…رحل أحد مفكري الزمن الجميل وبقي الفكر والجمال

ناظم عيد – الخبير السوري:
المفكرون لايرحلون لأن أثرهم باقٍ..حالهم كحال كل من امتلك نفحات إبداع تخلّد ارتسامات مايعتمل في حنايا العقل والقلب والروح.
بالأمس ولج المفكر العربي الأستاذ صفوان القدسي عالم الذكرى، أو ما نحب نحن أهل الشرق وصفه “دنيا البقاء” تاركاً نسقاً فكرياً عروبياً أصيلاً في زمن اهتزازات الثقة بالأصالة بل وبالعروبة والقومية، تحت ضربات التحول القسري نحو ميوعة مفهوم الدولة الوطنية..
نسق تكفّل بالقلة الباقية من رواده، والراحل صفوان القدسي من أبرزهم، بأن يكون الضامن والحامل المعنوي لمهمة خاصّة اسمها المنافحة الرصينة عن مصير جيل ..بل متوالية أجيال تعرضت لألف رضّ ورضّ تحت ضربات العولمة والنظام العالمي الجديد بأبعاده القصيّة الوعرة.
عرفناه علماً في ثوابت هذا البلد الصامد..ومفكراً تولّى واختار أن يكون “الاتحاد الإشتراكي العربي” جناحاً من أجنحة التحليق نحو التقدمية بآفاقها الرحبة، في بلد طالما كان هاجسه مناهضة الرجعية والتخلف والفكر الظلامي.

تابعناه على المنابر والشاشات ببلاغته الجذلة والرشيقة التي تستدرجنا طائعين راغبين لعشق اللغة العربية، وقرأناه قلماً يلامس شغاف كل قلب مازال ينبض بالدم القومي العربي..
ولم تشأ الأقدار تشرفنا بلقائه إلا قبل أشهر قليلة من انطلاق رحلته نحو عالم البقاء..في منزله كانت إشراقة وجهه الوضاء وكلماته الهادئة الرصينة المنتقاة بذهن رجل عرف كيف يكون لكل كلمة وزنها..كانت كافية لاختصار رحلة تعارف طويلة مفترضة، لتضفي على اللقاء آلاف المفردات المشتركة..وتستنتج أن المصافحة الوجاهية كانت الحلقة الوحيدة الباقية لتكتمل كل تجليات الإلفة والمودة والتقدير لرجل يصح معه المثل الشعبي ” رجل بألف وألف كأفّ” وهو بالفعل كان رجلاً بألف.
لم تؤثّر السنون الطويلة من النضال والكفاح على ذهنه الوقّاد، ولم تكبح حيوية الشباب في روحه الجميلة، و حديثه الآثر.
في منزله ..منزل الفكر الزاخر الذي لاينضب..وجدنا له مكملاً يبادله الفكرة بالفكرة والإبداع بالإبداع والدماثة بالدماثة..والحفاوة بالحفاوة..الأستاذة والوزيرة زوجته الدكتورة بارعة القدسي التي تزداد ما مرّت الأيام تألقاً وفكراً ونضارةً..ولعل لدى طلابها وخريجيها في كليات الحقوق في جامعة دمشق وكل من عرفها في العمل العام، ما يعبر به عن علَمٍ له خصوصيته الرائعة اسمه الأستاذة الدكتورة بارعة القدسي..
فارقنا الأستاذ صفوان تاركاً في قلب كل من عرفه غصّة..هي غصّة الفراق التي لا نملك مهرباً منها..لكنه باقٍ بفكره وبآثاره التي ستكون أيقونة الخلود لرجل مرّ في هذا الزمان وطبع بصمته في عقولنا وقلوبنا…كل التعازي وأصدقها لأستاذتنا الدكتورة بارعة القدسي..لك منا أطيب المشاعر وأنبلها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]