حكومات و مسؤولون سابقون متهمون بهدر الفرص..حيث التقصير أخطر من الارتكاب..

ناظم عيد – الخبير السوري:

إن كان ثمة منفذ قانوني للدخول إلى ملفات محاسبة نوعية، ليس على ما ارتكبه وفعله مسؤولون تنفيذيون سابقون، بل على ما لم يفعلوه، فعلى الأرجح سيكون علينا إحداث محاكم مساءلة نوعية، لمحاسبة طواقم حكومية سابقة على  سوء التخطيط و التسبب بضياع فرص وفوات منفعة في معظم القطاعات التنموية، في بلد غني بمواردة ليست بحاجة لمن يبحث عنها كي يستثمرها، بل هي التي تبحث عمن يجيد استثمارها؟؟!!

فقد كان مريباً أن نؤجّل استحقاقات كثيرة من ” زمن الترف والاسترخاء”، لنعود ونلتقطها اليوم على عجل – ومتى – في زحام استحقاقات كثيرة وكثيرة جداً أخرى فرضتها الحرب بأوزارها الثقيلة، حيث حسبُنا أن ننجح كدولة وحكومة في إطفاء حرائق كثيفة وتفرّقة دفع بها ظرفنا الصعب إلى طاولات الإدارة والقرار.

لن نوسّع الدائرة ..بل سنبقى في مضمار أسخى و أبسط القطاعات الزاخرة بالفرص وال” النّعم”..في مواسم أزمات الإنتاج الزراعي السوري، قرائن إدانة تشير بأصابع الاتهام إلى حكومات متوالية على الإدارة التنفيذية في بلدنا، إما بالتقصير، أو التخطيط الخاطئ، أو قلّة الاكتراث، وغيرها من مقدمات الفشل التي لا تفضي إلا للنتائج ذاتها التي يفضي إليها الفساد الموصوف، الذي ندّعي أننا أشهرنا سيوفنا وحرابنا في مواجهته.

فالهدر فساد، وكذلك “دفن الموارد”، وتفويت الفرص، وتحييد الميزات الاقتصادية في بعديها النسبي والمطلق، والاستثمار القاصر بخياراته المرتبكة ومطارحه المشتتة، كلّها ملامح خلل يتماهى تماماً بخلاصاته مع الارتكاب، لأن المحاكمة المنطقية الأخلاقية تؤكد أن لا فرق في معايير هذا الوجود بين القتل الخطأ والقتل القصد، وإن التمست القوانين الجنائية فروقاً جزائية.

مواسم سورية تضيع هدراً أو شبه هدر.. إما تصديراً خاماً أو تلفاً وكساداً، أي إما نصف ضياع، أو ضياع كامل لمقدرات وموارد وجهود وأموال.. تماماً كما هي ملامح بصمات الفساد في ميادين التنمية والإنتاج، والسبب تقاعس وتقصير، حيث لا يبدو السهو مسوغاً، ولا قلّة الحيلة ذريعة، ولا ضبابية الرؤية عذراً مقبولاً.

على إيقاع الحرب والحصار،  تتدفق من حقول الإنتاج استغاثات مزارعي البطاطا “الكاسدة”، و الحمضيات، والتفاح والبندورة ومنتجي زيت الزيتون، وسلسلة منتجات تندرج في قائمة الخصوصية السورية.. تقاليد سنوية من الشكوى حوّلت “مواسم الخير” إلى مواسم أزمات…وطالما كان الحلّ محيّداً عن طاولات النقاش والعصف الذهني الذي ادعاه  من “أوسعوا” مؤسساتهم بحثاً واجتماعات لابتكار الوصفات الشافية.

مريب فعلاً أن تتجاهل ” حكومات الرخاء”  التصنيع الزراعي كحل “مفتاحي” لمشكلة مترامية الطيف، رغم القناعات التي لم تخل منها خطة أو برنامج عمل حكومي منذ عقود من الزمن وحتى يومنا هذا، رغم أن نشر منشآت هذا النوع من المشروعات على نطاق واسع في مناطق الإنتاج السخية، يتسم بتكاليف استثمارية أقل بكثير مما نحاول تجريبه جذافاً من عالم الصناعة الرحب، وعلى الأرجح سيكون من العسير على أي مسؤول حكومي بيان السبب و إقامة الحجة المقنعة، بشأن “لهونا” بأحلام تجميع السيارات وسلع هندسية أخرى معقدة، لا يمكن لعاقل أن يتوقع أننا قادرون على إخراجها خارج المضمار المحلّي الضيق، وكأننا في حالة تحدٍ مع عقدة نقص تكنولوجية طالما قهرتنا، ونحاول عبثاً قهرها؟!!.

قديماً قيل: ليس أشقى من امرئٍ يسعى لأن يكون كما لا تؤهله إمكاناته الذاتية، وما يصح على البشر يسري على المجتمعات والدول، فنحن بلد زراعي بامتياز غارق حالياً في “وصمة” شبه خواء من منشآت القيمة المضافة الحقيقية، وهذه الأخيرة تتوفر بالمطلق في مضمار التصنيع الزراعي، وغالباً المنتج المنتظر غذائي وصفه أحد رجال الأعمال الكبار بأنه عبارة عن “تحويل التراب إلى نقود”، لأنه مرغوب مهما كانت الكميات في الأسواق الخارجية، حتى إنه ليس من الحكمة والرشد الاقتصادي أن نصدر منتجاً زراعياً خاماً، فكل ما ينتج يجب أن يكون للتصنيع بعد كفاية حاجة الاستهلاك المحلّي.

متأخرون بدأنا – بتوقيع وزارة الاقتصاد والتجارة – رحلة نشر أنماط التصنيع الزراعي بمشروعات صغيرة فردية وعائلية في مواقع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وبهذا نحقق الهدفين الاقتصادي والاجتماعي معاً، ونحل مشكلات فقر وبطالة..

عبر ذات المشاريع التي أعدتها الوزارة في سياق إحلال البدائل السلعية المحلية للمستوردات، و ترتيب مختلف للمشروعات الصغيرة.. لتكون الحكومة بدعمها هذا النوع من النشاط قد أوفت بجزء من التزام قد قطعته في سياق برنامجها الذي أطلقته منذ مباشرتها مهامها، وهو دعم المشروعات الصغيرة.

بقي أن نختم بحقيقة قد يكون الكثيرون منّا على غير علم بها، وهي أن معظم الصادرات السورية خلال فترة الأزمة ولاسيما في عام 2017 كانت من إنتاج أسري يدوي بسيط، فماذا نريد أكثر من ذلك دليلاً لنقتنع بأن الأوان قد آن لاستثمار ميزاتنا الاقتصادية، وإيقاف نزيف الموارد الحاد؟؟..

في مثل هذا المشهد ” الحسّاس” فعلاً تبقى المبادرات..لا بدّ من مبادرات..نعم المبادرات هي كلمة السرّ المفتاحية للتنمية ببعدها ومفهومها الأفقي..و” أبطال” المبادرات ليسوا روبوتات علينا انتظار استيرادها من اليابان مثلاً..بل مواطنون من هذا البلد لديهم الرغبة بالعمل، لتكون البقية على الحكومة ..دعم وقروض وتسهيلات جاهزة بانتظار من يلتقطها..

هو توزّع حتمي للأدوار بين المواطن والحكومة، وتقاسم مهمة الاضطلاع بالعبء التنموي الثقيل..وقد يكون علينا أولاً أن نطرد

إرهاصات الذهنية المحبطة بفعل الحرب و آثارها..فمن جرّبوا نجحوا والشواهد كثيرة لا تحتاج إلى جلسات حوار و تنازع آراء..

فمواردنا تنتظر..

2 تعليقات
  1. بسمة ابراهيم يقول

    أصبت أ. ناظم..
    يجب دعوة رجال الأعمال للاستثمار في مجال التصنيع الزراعي، لأنه يحقق قيمة مضافة للناتج القومي ويقلل من الفاقد في السلع الزراعية، كما أنه يسهم في حل مشكلة البطالة، كما يجب التركيز على تنمية المرأة الريفية، وتأهيلها و تنمية قدراتها وتدريبها في مجال التصنيع الزراعي والغذائي، لتحسين مستوى معيشتها ، فضلاً عن عوائد التصنيع الزراعي على مستوى الحياة بالقرى وتحويلها إلى عنصر جذب والحد من الهجرة إلى المدن وانعكاسات ذلك على التنمية ، وهنا يأتي دور الحكومة في تأمين القروض لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتقديم جميع التسهيلات اللازمة لذلك.

  2. ادارة يقول

    أيضاً قد يكون الأمر ليس بحاجة لرجال أعمال..المبادرات الفردية من المواطن تكفي..المطلوب مشاريع صغيرة ومتنامية الصغر لإنتاج تنمية أفقية ببعدين اجتماعي واقتصادي..
    و نوافقك الرأي تماماً بخصوص كل ما تطرقتي إليه..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]