عندما ترتجف الأقلام الخضراء وتتعطّل مكنة حساب الخسائر..قد لا تنفع النقاط في نهايات السطور.

ناظم عيد – الخبير السوري:

لا تبدو مشاكلنا الإدارية والاقتصادية معقدة إلى الحد الذي يتوهمه هواة التهويل، ومن هم أشبه بـ “مذيعي نعوات”.

ولا نظن أن ضروب القلق المزعومة في “نشرات الشؤم الهامسة” ذات حظوظ في حسابات الموضوعية أو أي من مرادفاتها المتداولة في بلدٍ كبلدنا، متنوّع الثروات ومتعدّد الميزات الاقتصادية النسبية منها والمطلقة، ومعروف بغناه التقليدي بموارده البشرية، فلا عناوين عريضة إذاً في مشكلاتنا، ولا حالات مستعصية غير قابلة للعلاج.

إلّا أن الشكل العام لمُخرجات كل هذه الخصوصيات لا يبدو مُرضياً، بالتالي لا بد أن تنحصر محاولات تشخيص الخلل في المساحات الإجرائية، بعيداً عن البنى الأساسية، فهنا يكمن السر، ومن هنا يجب أن نبدأ.

الواقع إن اقتنعنا بأن التفاصيل مكمن الشياطين فعلاً، فعلى الأرجح سنسلّم بأن معظم مشكلاتنا التنفيذية تتخفّى داخل جزئيات بالغة الصغر في سياق منظومة العمل العام.

وإن كان في مثل هذا الاستنتاج معلومات ترقى إلى مستوى الحقائق، فإننا لا نزعم براءة اختراع في اكتشافها، بل ما اكتشفناه – وكان مفاجئاً – هو أنها محط إدراك ويقين لمعظم موظفي الدولة على اختلاف مراتبهم الوظيفية ومسؤولياتهم، حتى موزّعي جرعات الإحباط منهم.

وما وجدناه لافتاً أن تهمة “رعاية التفاصيل” تتجه عمودياً من الأدنى إلى الأعلى مرتبةً، فالمدير الفرعي يشير إلى المدير العام، والأخير يغمز من قناة الوزير، والوزراء يحمّلون المسؤوليات إلى اللجان المشكّلة في إطار مجلس الوزراء، ولعل في ذلك قدراً وافياً من الدقّة، لأن محاربة “شياطين التفاصيل” يجب أن تبدأ من الأعلى نحو الأدنى وليس العكس، فهي تتطلّب تحمّل مسؤولية تطبيقات ما يسمى “روح القانون”، ونعتقد أن هذا متاح لدى “حملة الأقلام الخضراء” في كافة وزارات الدولة، فلم نسمع أن وزيراً تمّت مساءلته يوماً، عن قرار خلاّق اتخذه على مسؤوليته لتفادي الوقوع في حرفية تطبيق نص نافذ،  بل يمكن أن تحظى المبادرة – لو تمّت– لدى رئاسة الحكومة بتبنّي تعديل على تشريع أو قانون، لكن  على العموم لدى وزرائنا صلاحيات واسعة، والتجارب تؤكّد أنهم إن أرادوا قراراً استصدروه.

الحقيقة أن الحكومة الحالية استدركت سلسلة طويلة من النصوص والتعليمات التشريعية والتنفيذية، لكن لم يكن صدى توزيع هذه الاستدراكات وحتى الصلاحيّات أفقياً على كافة الوزارات، وهذا يعني أن ثمة تفاوت في الأداء، لن نكون ظالمين لو أرجعناه إلى التفاوت الطبيعي في مقومات رأس الهرم في كل وزارة، لجهة النشاط والمتابعة والقدرة على التجديد والابتكار، ومقومات شخصيّة يختلط فيها الفطري بالمكتسب، تشكّل في مجملها قوام الذهنية التي تسِم صاحبها.

وبما أن الأمثلة تختصر طول الشرح والسرد…فقد صادف واطلعنا على مضمون كتاب يوماً في إحدى وزارات حقبة رخاء ما قبل الحرب – بتوقيع الوزير طبعاً– وكان الكتاب جواباً على طلب البيان حول مقترح من شأنه أن ينهي مشكلة تتسبب بهدر عشرات مليارات الليرات سنوياً، وفحوى الجواب كانت صادمة تنطلق من أن “القانون لا يسمح”؟!..أو حاشيّة بائسة ترى بضرورة التقيد بالقوانين والأنظمة..؟؟!!

أما تساؤلنا نحن والذي لم يجبنا عليه أحد، ولم نحظى بجواب، فكان يستفسر عما إذا كان القانون يسمح بضياع “أطنان المال”، ويسمح باكتفاء السيد الوزير بإحصاء أرقام المليارات المهدورة، دون المبادرة لاقتراح تعديل على ذلك القانون الذي… “لا يسمح”؟.

لم يُسأل الوزير عن نتائج حاشيته..رغم أنها أخطر بكثير من أي صفقة اختلاس تضع يدها عليها بعثة تفتيشيّة من الجهاز المركزي أو الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

إن تجاهل الموارد، وغض الطرف عن المطارح التي “تغصّ بما يوازي الذهب ثمناً” هم أخطر أنواع الخطأ أو الجهل الإداري أو قلّة الحيلة..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]