“شيخ الكار الصناعي ” العجوز أمام الوقائع الجديدة لـ “صنع في سورية”..

الخبير السوري:

من غير الممكن أن تتمكن الحكومة من ممارسة النشاط التجاري، لأنها “شيخ كار” عجوز ورجل أعمال فاشل سبقه الزمن ومازال ينظر إلى الماضي بعيون الفخر، ومن غير المعقول أن يطرح القطاع العام الصناعي نفسه كتاجر، لأنه وكما هو معروف لدى الجميع، فإن الحكومة تاجر سيء يعاني البيروقراطية ولا يتمكن من الإنجاز السريع.

يقول البعض إنه لمن الجرأة أن ندعو وزارة الصناعة إلى تولي إدارة الصناعات الإستراتيجية، بينما هي فشلت في إدارة مصانع البسكويت، في حين يرى البعض الآخر أنه لابد من إعادة التنظيم والنظر في دور شركات القطاع العام الصناعي ولكن على أسس ومنطلقات مختلفة لما هو قائم.

معامل قتلها التأميم!

يرى عدد كبير من مدريري القطاع الخاص أنه من المفروض ألا تستلم وزارة الصناعة أي عمل، وإنما يجب أن تكون قادرة على القيام بدور الناظم فقط، خاصة وأن إصرار الوزارة على البقاء كصاحب عمل سيوقعها في خسائر كبيرة، وقد تحدّث عدد من الصناعيين عن معامل حكومية كانت تعد من أفضل المعامل وأكثرها إنتاجا، قبل أن تخضع للتأميم وتدخل حيز الاهتمام الحكومي، مثل معمل «المعاكس» الذي كان يغذي الشرق الأوسط بأفضل أنواع الأخشاب والذي توقف عن الإنتاج لاحقاً بسبب الخسائر. كذلك معمل المحركات الكهربائية في محافظة اللاذقية والذي كان يصدّر محركات كهربائية إلى إيران أصبح منسياً بعد أن استلمته الإدارات الحكومية، ومعمل الألمنيوم الذي كان من أحدث المعامل بالعالم ولكن على الرغم من امتلاكه تقنيات أفضل وأحدث من تقنيات القطاع الخاص، إلا أن القطاع الخاص أثبت تفوقه وفشل المعمل الحكومي.

 لكل زمان… صناعاته

ربما شكّل التأميم الذي جرى في زمن الوحدة عبئاً على القطاع الحكومي، فما إن ينتهي عمر آليات المصانع حتى يتم توقيف إنتاج معظمها.

ورأى كثيرون أنه منذ زمن كان يوجد اتجاه سائد يلزم الدولة بتأمين جزء كبير من الغذاء، وهو ما كان يسمى الأمن الغذائي للمواطن، ولذلك كان لا بد من إقامة وإنشاء عدد من معامل الصناعات التحويلية، وفي تلك الفترة كانت الصناعات التحويلية الموجودة على أرض الواقع رائدة وحامية للأمن الغذائي وقادرة على كفاية الشعب السوري لأن القطاع العام كان سائدا، أما بعد تغير المعطيات وصدور قانون الاستثمار الذي شرّع وجود اختصاصات مشابهة ومطابقة لما يقوم به القطاع العام، فقد أصبح لا بد من إعادة النظر بمعامل القطاع الحكومي.

 المطلوب… تشخيص معمق

 الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق زياد عربش يرى أنه يجب العمل اليوم على إيجاد تشخيص سريع ومعمق لواقع قطاع الصناعة بعد الحرب، خاصة وأن الواقع الصناعي كان يعوّل عليه أن يكون محركاً للنمو والتنمية، والمقصود بهذا الأمر تحديداً الصناعات التحويلية، خاصة أنها تملك نسبة كبيرة من الآثار غير المباشرة والضمنية على الاقتصاد واستدامة محركات النمو، ويؤكد عربش على ضرورة وضع مجموعة من التشريعات الناظمة لعمل القطاع العام الصناعي بشكل عام.

 مُنتَج لا يسوّق

من جهته، يشير أحد المدراء السابقين لإحدى شركات القطاع العام الصناعي إلى أن وزارة الصناعة اليوم يجب ألا تصرّ على وجود صناعات بسيطة، خاصةً وأنها تقوم بإنتاج وتقديم منتجات لا تسوّق، بالإضافة إلى أن تشريعات وقوانين القطاع العام تمنعه من العمل بمرونة وسرعة القطاع الخاص، لا بل وتشكل بيئة مناقضة للإنتاج بسبب الروتين الملازم لأي عمل.

كما أكد أنه يجب تقسيم خارطة الاستثمار الصناعي بشكل تكون فيه تحت وصاية وزارة الصناعة، بما يخدم وضع القطاع العام بموقع المراقب لما ينتجه القطاع الخاص.

 عقارات من ذهب

بعد الحرب الطويلة والتي تم فيها تدمير عدد كبير من المنشآت والمعامل التابعة لوزارة الصناعة، تظهر تلك العقارات المدمرة كثروة يجب التفكير ملياً بكيفية استخدامها بالشكل الأمثل، خاصة وأن الحكومة اليوم تعمل على إعادة تقييم ممتلكاتها واسترجاع استثماراتها، وهنا لا بد من السؤال عما ستفعل الحكومة بما تملكه؟

 المسألة حاضرة

يؤكد الخبير الاقتصادي عابد فضلية (رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية)، أن مسألة تحول القطاع الحكومي إلى الصناعات الإستراتيجية ليس غائباً عن فكر وزارة الصناعة، خاصة وأنه بعد الحرب زادت كمية النهب والسرقة في منشآت القطاع العام، الأمر الذي طرح فكرة عدم إعادة بناء هذه المنشآت المدمرة مرة ثانية، خاصةً إذا كانت صناعاتها السابقة صناعات هامشية، بل يجب الانطلاق نحو الصناعات الإستراتيجية، ويبدو ذلك من الضروريّ جداً إذا كانت عملية إعادة بناء معامل الصناعات التحويلية مكلفة، لا سيما الصناعات التي يمكن للقطاع الخاص أن ينتجها ويقوم بها لأن الدولة ليست في موضع منافسة هذا القطاع بل يجب أن تدعمه.

 القطاع الخاص قاوم

ويشير فضلية إلى أنه وأثناء الحرب، بفضل المرونة الكبيرة التي يتمتع بها القطاع الخاص، تمكّن من المقاومة بشكل أكبر وأسرع، لأن نهوضه من الدمار كان سريعاً بسبب المرونة الأكبر باتخاذ القرار والتوجيه. ولفت فضلية إلى أن القطاع العام لا يريد النهوض بكل شيء كما كان في السابق، مضيفاً أن الرغبة بإصلاح القطاع العام لا تعني القيام بتغيير أشخاص بل إنه من الأجدر إعادة النظر في كثير من التشريعات لأنه وفي كثير من الأحيان يكون المدير مقيدا بالموازنات القليلة، ولذلك فإن القطاع العام مظلوم تشريعياً.

 للوزارة رأيها

يقول معاون وزير الصناعة الدكتور نضال فلوح في تصريح خاص لـ «الأيام»: إن الوزارة لا تعارض أبدا فكرة الانتقال إلى الصناعات الإستراتيجية لافتاً إلى أنه وفي الفترة الحالية يتم التركيز على بعض الصناعات مثل صناعة الإسمنت والصناعات النسيجية بأنواعها كافة.

وأكد فلوح أنه في بعض الصناعات التحويلية البسيطة مثل معمل غراوي لم يعد يوجد أي اهتمام بإعادة تشغيله خاصة، وأن هذا النوع من الصناعات غطى السوق الداخلي والمنافسة أصبحت كبيرة. ولفت إلى أنه يتم العمل اليوم على إنشاء صناعات تلبي حاجة المواطن، وحتى عندما يتم التفكير بدعم الصناعات التحويلية فإنه يتم انتقاء الصناعات التي تدعم المواطن فقط.

وأكد فلوح عدم وجود أي رغبة لمنافسة القطاع الصناعي الخاص لأن الوزارة اليوم تحلّق بجناحين هما الحكومي والخاص، ولذلك أيّ صناعة مواتية للقطاع الخاص يتم تركها والالتفات إلى غيرها، مضيفاً أن موضوع الشركات القابضة تتم دراسته ويوجد استراتيجية جديدة يتم العمل عليها تتضمن إعادة الهيكلة وسوف يعلن عنها لاحقاً.

 الشركات العامة لم تخسر

أشار فلوح إلى أن شركات القطاع العام لم تخسر وبعض الصناعات مثل الكونسروة ليست خاسرة بل على العكس تلبي الاحتياجات وبشدة.

وأصر على أن «القطاع العام يقدّم منتجات تطابق المواصفات الأساسية وتحاول قدر الإمكان أن تكون السلعة بسعر منافس ليكون المواطن قادراً على شرائها، ولذلك فكرنا بمرحلة معينة بصناعة السيارات كي يتمكن المواطن من الشراء»

ويبدو أن إعادة ترتيب العقل الحكومي يبرز اليوم ضرورة ملحة في ظل الفوضى التي كانت وما زالت سائدة، ويبدو أمام القطاع الصناعي العام فرصة للنجاة من هذا الضياع إن هو فكّر «خارج الصندوق» فهل يفعل؟!

لجين سليمان – الأيام

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]