منصب ومسؤول بين الميدان و جذوة ” التلطّي” خلف الستائر السميكة ؟!!

ناظم عيد – الخبير السوري:

لم يعد من مجال في هذه المرحلة الصعبة لقبول التعاطي مع المنصب كامتياز دون أن يكون مسؤولية ووزراً ثقيلاً.

هذه ليست اجتهادات، بل قناعات تتعلق بـ “فلسفة” المنصب أساساً، ولم تعد مثار جدل على الإطلاق، حتى في أوج ظروف الرخاء والاستقرار، فكيف الحال بنا ونحن في مهبّ عاصفة هوجاء تستهدفنا من الجذور حضارة وبُنى وبنياناً..؟

الواقع أن ثمة استحقاقات صعبة أمامنا الآن، تتطلب التخلّص من خصلة الاسترخاء في رحاب الركن الترفي من مقصورة المنصب، وتملي أداءً استثنائياً يواكب استثنائية هذه المرحلة المعقّدة، من كافة السلطات والهيئات الأهلية والمجتمعية، حتى من كل مواطن، لأننا أمسينا في موقف يُحتّم على الجميع الاقتناع بأن مفهوم الخلاص الفردي لم يعد خياراً مجدياً، ولابد من فهم المنصب على أنه اندماج في الهم العام، وليس انكفاء في المكاتب خلف الستائر السميكة.

والحقيقة أن الترتيب الجديد للأولويات على خلفية الحرب على سورية، لم يعد يبيح لأي مسؤول اللوذ بمنصبه بعيداً عن الأولوية رقم واحد، والمتعلّقة بتفاصيل اليوميات العسيرة للمواطن في الأرياف والمدن، وهي أولوية غير بعيدة عن أس استحقاقات المواجهة، لأنها لصيقة بصيانة مقوّمات الصمود اللافت الذي كان علامة فارقة لبلدنا، في خضّم الحرب الضروس التي تُشن علينا.

كما أن مثل هذا الترتيب العفوي المطلوب بإلحاح، من المفترض ألّا يبيح لأي مواطن ميسور استعراض ملكات الإنفاق الترفي، وجذوة الاستهلاك الصاخب من النوع الذي تلعنه الأعراف الشعبية، لأنه “بطر” بغيض يستفز أوجاع الفقراء والمأزومين الذين باتوا كثراً اليوم.

فالتماهي مع الأزمة، إن لم يصل إلى مرحلة القرار الرسمي، لا بد أن يكون خياراً عفوياً، وإلّا غدا المسؤول المتخفّي احتفاءً بمنصبه، والمواطن المزهو بأمواله، كما الراقصين على الجماجم والمبتهجين في الجنازات ومواكب الموت المتوالية.

وإن كانت مقولة “لا قِني ولا تُطعمني” متداولة وذات دلالات عميقة في أوساطنا الشعبية، نعتقدها صالحة كمعيار في تعاطي المسؤول مع شارعه، فالخروج من المكتب والزيارة الميدانية مبادرة طيبة، قد لا يحتاج المواطن أكثر منها ليرضى ويقتنع ويتجدد صبره وجَلَده على الصمود.

وهذه ليست مهمة مقتصرة على سيادة رئيس البلاد، و رئيس مجلس وزراء بمفرده، بل مهمة كل من مِن شأنه أن “يوقع على قرار” يحرص على ربط قراره بالواقع لا بالتقارير ومشاهدات الحواشي التي ترى وفق منظومة مصالح ضيقة.

و ربما يكون من الحكمة أن نجعل من المتابعة الميدانية أحد أهم معايير فعالية المسؤول ومسوغات استبقائه، لأن المنصب مسؤولية وليس امتيازاً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]