مستثمرو القمامة …جشعاً لا فقراً..؟!!

 

ليست جديدة على أحد تلك المشاهد التي تشهدها أماكن تموضع حاويات القمامة وزوايا تجميع براميل “الزبالة” في الأحياء والشوارع والجادات، فالتنافس والعراك بين الباحثين عن البقايا والمتاجرين والمسترزقين بنفايات ومتروكات السكان والقاطنين في هذه المنطقة أو تلك يبلغ أشدّه عند مَن يعتبر أن لديه مكتسباً سجّلته السنوات يقضي بالاستحواذ على قطاع ما يضمّ عدداً من الحاويات وبالتالي ثمة صراع سيحدث ما إذا اقتحم دخيل أو طمع أحد النابشين تحت مسمّى “الحصة” واستملاك الجغرافيا لمصلحة الزعيم وصبيانه الذين ينتشرون في كل الأوقات بحثاً في كل كيس وحاوية لترى أرجلاً معلقة في الهواء تحملها رؤوس مدفونة في زحمة الفضلات لالتقاط بقايا تصلح للبيع أو التدوير والمتاجرة؟.

قد يظن بعضهم أن ما يقوم به بعض الفتية والبالغين “رجالاً ونساءً” شيء ما يشبه التسوّل ولكن في بيئة قذرة وبؤرة للأمراض والأوبئة، إلا أن التوصيف الأقرب “الاستثمار” لمن يدير ويتحكّم ويهيمن على هذا المحور أو ذاك ويدفع بالصبية صبحاً ومساءً للتجميع وجلب ما يتيسر من بلاستيك وخبز يابس وألمنيوم وعبوات تنك وصناديق كرتون والكثير الكثير مما يرميه الناس ويشكّل منتجاً قابلاً للبيع والتدوير عند معشر “اللمّامين”؟.

هو مسلسل يومي لا بل أصبح روتينياً عند المواطن الذي اعتاد على رؤية من يبعثر الأكياس والقمامة على الطرقات ولا يستطيع الاعتراض أو اتخاذ موقف، لأن الواقعة هنا لن تكون في مصلحته أمام مَن امتهن هذا العمل الذي لا يعلم إلا العنف والإساءة لكل من يتعامل معه سلباً أم إيجاباً..

لا ننكر أن ما تجمعه هذه الشريحة يعدّ صنيعة عند بعض المعامل والشركات والورش من حيث تأمين المادة الأولية القابلة للتدوير وإعادة التصنيع من جديد، ولاسيما في هذه الظروف، وأن هذه العملية توفر حاجة قد لا يؤمّنها غيره في وقت تحتضن هذه الحاويات ومعها مراكز التجميع والمكبّات فرص عمل للآلاف من العاطلين والمشرّدين والمتسكعين والضائعين في زحام بقايا المجتمع… ومع ذلك ثمة خطورة إن بدأت بالجانب الصحي فلن تنتهي عند البيئة وكارثية هذا النشاط الهامشي وغير المنضبط وغير النظيف فضلاً عن الأذى البيئي والتناحر والتعارك وتنامي الخلافات ونشر الصور غير اللائقة في الأحياء والمناطق وممنوع على أحد الاقتراب والتصوير تحت طائلة السباب والشتيمة ولا مانع من استخدام ما باليد سلاحاً يقذف به من يحاول فض جانب من النزاعات.

الفصل الآخر من المشاهد يتمثل بعمال النظافة ومرافقي سيارات تفريغ الحاويات وتعبئتها في سيارات المحافظة، حيث يخالف هؤلاء تعليمات مديريات النظافة بتركيزهم على نشاط استثمار البقايا المتاحة والقابلة للبيع ليكونوا منافساً آخر ولكن بميزة “موظف” يقبض راتباً ويعتبر أن هناك فرصة ذهبية لعمل رديف بين يديه، لذا ترى سيارات النظافة تميل يمنة ويسرة على ثقل الأكياس المعلقة بين خبز وبلاستيك وما لفّ لفّهما.

نعم نحن أمام ظاهرة الأمر الواقع التي لا يمكن معالجتها بالبساطة التي يعتقدها بعضهم في مجتمع تتداخل فيه القضايا والمنافع الصغيرة مع الكبيرة، مضافاً إليها معيار الاسترزاق الذي لا يحسد عليه حتى لو سمّيناه “الاستثمار بالزبالة”.. فهل تتحرّك المحافظة والفرق البيئية لوقف ومعالجة هذه الظواهر المخالفة جملة وتفصيلاً…؟.

 

علي بلال قاسم

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]