“كنوز” غير مُستثمرة في الجنوب السوري..؟!!

السويداء – الخبير السوري:

السويداء والبازلت اسمان مترابطان منذ عصور عدة، فأينما اتجهت في جبل العرب، تستقبلك حجارته ذات اللون الأسود والمعروفة بصلابتها وقساوتها، ورغم هجمة العمران الحديث، إلّا أن حجر البازلت مازال يشكل المادة الأساسية في بناء المنازل لتفرده برونق خاص، وإمكانية تطويعه في أعمال الديكور والزخرفة، فالمعالم العمرانية كالقصور والمعابد والأوابد التاريخية والبيوت التي شيدت من البازلت منذ ما قبل عصر الرومان، مازالت تشهد على أهمية هذه المادة وجمالها وعراقتها.

اقتصاد أخضر

من المعروف لأبناء محافظة السويداء، خاصة أولئك القاطنين في الريف، أنه عندما تشتد ساعات الحر أو البرد، ما عليهم إلّا التوجه إلى بيوت حجرية قديمة، حيث الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف، لتجد تلك البيوت عامرة بالزائرين، ويفرض تصميمها الداخلي نوعاً من الحميمية والود في الجلسات، كون تلك البيوت مرتبطة بالإرث الشعبي، وبالعادات والتقاليد، وبأحاديث الكبار، وقصص الأجداد وغيرها، ولو عدنا إلى ثالوث التميز الاقتصادي في السويداء، نجد أن البازلت يشكّل طرفاً فيه، إضافة إلى الكرمة والتفاح، وفي ثالوث التميز البيئي نجد أن البازلت والهواء النقي وأحراش السنديان، هي محاوره الثلاثة، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ترشيد استهلاك الطاقة، والدور الذي يلعبه المبنى نفسه في ذلك، وكذلك أهمية استخدام العزل الحراري في الغلاف الخارجي للبناء.. كل ذلك تحت شعار التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، وهذا يربطنا بالدور الكبير الذي لعبه البازلت في عمليات البناء، حيث كان الجيل السابق ينعم بما يسمى الاقتصاد الأخضر دون أن يشعر به.

الذهب الأسود

البازلت، أو ما يطلق عليه الذهب الأسود، هو أحد أضلاع ثالوث التميز الاقتصادي في السويداء، إضافة إلى الكرمة والتفاح، وفي ثالوث التميز البيئي، إضافة إلى الهواء النقي، وأحراش السنديان، ويلعب دوراً مهماً في عمليات التوجه نحو الاقتصاد الأخضر لما يوفره من إمكانيات العزل الحراري في الغلاف الخارجي للبناء.

مديرة فرع هيئة الاستثمار في السويداء زهر أبو خير، تقول: إن البازلت ثروة وطنية، ونظراً لتوفر الكميات الكبيرة في محافظة السويداء، ونحن نطلق عليها الذهب الأسود نظراً لأهميته الاقتصادية إذا استثمر، وينتج منه أكثر من 160 مادة، والسوق بحاجة إلى هذه المواد، ويؤمن فرص عمل كثيرة، فالبازلت في المحافظة له صفات كيميائية وفيزيائية كبيرة نظراً للقساوة، ومتانة المواد المنتجة، وغيرها من الصفات الكيميائية، وبيّنت أبو خير أنه حالياً هناك فكرة للاستثمار في هذا المجال، ونتمنى الاستثمار بمشروع الصهر، واستخراج البازلت، وتصنيع كافة منتجاته لتأمين حاجة السوق المحلي وتصدير الفائض.

استثمارات متنوعة

حجارة ذات مواصفات وخصائص رشّحتها لتكون خامة اقتصادية مهمة بعد أن طوعها أبناء السويداء واستخدموها في العديد من الصناعات كالصوف البازلتي العازل، وتصنيع الألواح الاسمنتية الخفيفة.. المهندس سامر نصر الدين، وهو خبير اقتصادي، تحدث عن الأهمية الاقتصادية للبازلت بأنها متوفرة في المنطقة، وتوفر وسائل النقل على الأماكن البعيدة داخل المحافظة، ويمكن استثمارها في كافة المجالات الإنشائية،  وفي الأعمال الاسفلتية، وأعمال الإكساء، والديكور، وكل ما يحتاجه البناء والإعمار، وأكد المهندس وليد شعيب على أهمية تشجيع إنشاء الكسارات والمصانع في مناطق مختلفة مدروسة في محافظة السويداء، وضرورة استخدام الحصويات البازلتية (بحص ورمل) في كافة الأعمال البيتونية، وأعمال الطرق، وتشجيع استخدام الأحجار البازلتية في أعمال البناء والإكساء، والحفاظ على المهنيين القدماء المهرة في تقصيب وبناء الحجر البازلتي، وتشجيعهم على نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة للحفاظ على هذه المهنة الإبداعية الجميلة، واعتماد البلديات الحجر البازلتي في كافة أعمال الأطاريف، والأرصفة، والطرق في الشوارع القديمة، والطلب من نقابة المهندسين وضع شروط ومعايير الجودة لمنتجات الحجر البازلتي وتنفيذها، وتشجيع الفنانين التشكيليين من خلال مسابقات سنوية في أعمال النحت على الحجر البازلتي، ووضع المنحوتات في عموم ساحات وحدائق المحافظة، وفي باحات المدارس، والدوائر الحكومية، وبإشراف نقابة الفنانين التشكيليين، والمحافظة على الأوابد الأثرية والتاريخية البازلتية: معابد، أبنية، طرق، برك رومانية، وغيرها.

فوائد بالجملة

ويشير المهندس الاستشاري وليد شعيب، مدير مكتب دار المهندسين الاستشاريين، ومدير مخبر السويداء الهندسي، إلى استخدامات الحجر البازلتي، حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، حسب طريقة تصنيعه: أولاً: البازلت المصهور، وثانياً: البازلت المقطّع أو المنشور، وثالثاً: البازلت المكسر أو المطحون، وحول البازلت المصهور بيّن المهندس شعيب بأنه يتم استخراج الحجر البازلتي إما بالجمع، أو عن طريق المقالع العميقة، حيث يتم صهره في أفران معدة لهذه الغاية، وتصنع منه منتجات عدة، منها الصوف الصخري للعزل الحراري والصوتي، وأنابيب نقل البترول والغاز، ومياه الصرف الصحي، والكيماويات، وبطانات عزل إشعاعي للأفران النووية، وبطانات عزل صوتي للمعامل، وأنفاق المترو، ومحطات الإذاعة، وبطانات أوعية تكييف الهواء، ومحطات التبريد، وبطانات لبعض المنشآت لمقاومة الاحتكاك، وعزل المراجل الحرارية، وهياكل الحجرات الحرارية، وبرادات الحفظ، وموانع انتشار الحريق، وألبسة ضد الحريق، وضد الأوساط المخرشة أو الملوثة، وعزل أسقف المنشآت المعدنية، وخزانات الزيوت والمياه، وبلاط سيراميك، وأرضيات، وجدران، ومنحوتات، وأعمال ديكور، وزخارف، وغيرها.

تصدير خارجي

معامل خاصة أنشئت لنشر وتقطيع صخور البازلت لاستخدامها في أعمال البناء وإكساء الواجهات وإطارات النوافذ أو بلاط الأرضيات أو الطرق أو أطاريف الأرصفة، يقول حسام أبو الحسن، وهوصناعي يعتمد على البازلت في صناعته، اخترنا مادة البازلت لأنه موجود بكميات في المنطقة، ولديه سوق ومروج للإكسسوارات وأشياء، ويصدر الكثير إلى الخارج والسوق على ما يرام، وحول تقطيع ونشر البازلت، يقول إنه يتم نشر وتقطيع صخور البازلت في معامل خاصة لاستخدامها في أعمال البناء وغيرها، من الأعمال، مشيراً إلى أن نتائج الدراسات والتجارب المخبرية أعطت نتائج هامة حول استخدام الحصويات البازلتية في أعمال البيتون، وهذا يدفعنا لتشجيع المستثمرين على إنشاء كسارات البازلت في كافة أنحاء المحافظة واستثمار تلك المادة بأفضل السبل لما يعود من نفع عام على أبناء المحافظة بعد أن أثبتت الدراسات الاقتصادية جدواها.

ويشير أبو الحسن أن كمية الحصويات الواردة سنوياً إلى المحافظة من كسارات شرق دمشق تقارب مليون متر مكعب، وتشكل كلفة النقل الجزء الأكبر من تلك الحصويات نظراً لبعد المسافة، فإن استخدام الحصويات البازلتية المحلية في صناعة البيتون التي أثبتت جدواها من النواحي الفنية يحقق مجموعة من النتائج والميزات الاقتصادية، حيث تخلق مجالاً جديداً للاستثمار في المحافظة باستخدام مواد أولية متوفرة بكثرة وما ينجم عن ذلك من تشغيل للأيدي العاملة المحلية ومن تحسين لشبكات الطرق المؤدية للكسارات، إضافة لشبكات التزود بالكهرباء والمياه وما ينعكس من جراء ذلك على الدولة من أجور ورسوم وضرائب وغيرها واستثمار أمثل للآليات وبمردود اقتصادي أفضل ووفر في استهلاك الطاقة (وقود + زيوت) كانت تذهب هدراً، ووفر في اهتلاك وصيانة الآليات

بانتظار العودة

أينما توجهت في محافظة السويداء تجد أن أهلها قديماً طوعوا مادة البازلت رغم قساوتها وصلابتها واستخدموها في بناء منازلهم، وليس صعباً على الزائر أن يكتشف أن حجر البازلت شكل المادة الأساسية في العمران منذ أن سكن الإنسان منطقة جبل العرب عبر التاريخ، فالمعالم العمرانية كالقصور والمعابد والأوابد التاريخية والبيوت التي شيدت من البازلت منذ ما قبل عصر الرومان ما زالت آثارها تشهد على أهمية هذه المادة وجمالها وعراقتها،  لكن على أثر دخول النمط العمراني المتطور والجديد الذي دخل المحافظة في أواسط ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، وما حمل من تصاميم جمالية، تنبه المصممون إلى استخدام الرخام ومن ثم البازلت الذي عاد كمعلم جمالي جديد من خلال استخدامه في تلبيس الأرضيات والواجهات، وكان ذلك بإيحاءٍ من النحاتين لما تشكل مادة البازلت من أهمية في فن النحت وتفرده برونق خاص وإمكانية تطويعه في أعمال الديكور والزخرفة، ما جعل البازلت يعود إلى المرتبة الأولى، وهذا يبشرنا خيراً بأن اسم السويداء سيبقى مقروناً بالبازلت، فهل سيسير مسؤولونا على مسار أجدادنا الذين تنبهوا لأهمية البازلت فيكون له شأنه في المستقبل، ومن باب الاستثمار هذه المرة؟..

 

رفعت الديك

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]