أبعد من زيادة راتب..؟؟..بقلم: ناظم عيد

 

مازالت الرواتب والأجور تتصدّر قائمة “الأكثر تداولاً” بيننا على المستوى الشعبي، وهذا ليس استثناء أو طفرة، بل إملاء بإيحاء من وقائع يوميات الأزمة.

إلّا أن اللافت في مجمل السيرة، كان اقتراح أساتذة في الاقتصاد بإصدار نقدي جديد في سياق خيارات التمويل بالعجز، كإجراء إسعافي سريع يتيح زيادة مجزية على رواتب العاملين في الدولة، وهو تحوّل لافت في الرأي يستحق الإنصات، فما نعرفه أنه ليس لزيادة الرواتب قبول في أوساط الخبراء، لاعتبارات تتّصل بالهواجس من التضخم النقدي، ومن اضطرار المواطن لتسديد فاتورة زيادة في الأسعار تفوق ما تقاضاه، لكن دخول الحكومة في “نفق الإصدارات الإضافية” و”التمويل بالعجز”، أحدث خللاً في مثل هذه المعادلة، وقفز بنصيب الأسعار من الإصدارات الجديدة إلى 1500 بالمئة، فيما تجمّدت الزيادات الطارئة على الراتب عند نسبة 50 بالمئة.

في سياق مثل هذا الجدل نجد أنفسنا وجاهياً أمام استحقاق تحسين مستوى معيشة المواطن بعدما آلت إليه تفاصيل المشهد الكلي للسوق، ولعلنا نخطئ إن اختصرنا المعالجة بزيادة راتب الموظف في الدولة، فنقع في خطأ اجتزاء الحل أو مجرد نقل موضع الخلل، وهذا ليس خياراً استراتيجياً.

فزيادة الرواتب تتطلّب إصداراً نقدياً جديداً على طريقة التمويل بالعجز، وهذا بالفعل من شأنه إتاحة الفرصة لتحسين معدلات دخل العاملين في الدولة، لكنه سيؤول في المحصلة إلى حيازة  قلّة قليلة من أصحاب الأعمال في الصناعة والتجارة والخدمات، وسيكون مصير أي إصدار جديد كمصير كل الإصدارات السابقة، وقد يكون من الضروري أن نسأل أنفسنا عن القيمة التي مازالت بحوزة الحكومة من إجمالي رقم الإصدارات النقدية في البلاد،  بعد أن قاربت الكلفة السنوية لبند الرواتب والأجور حوالي تريليون ليرة سنوياً، وربما مثلها يطرحها القطاع الحكومي في صناديق “رجالات السوق” عبر بند المشتريات والإصلاح حتى ولو استبعدنا تكاليف الفساد الجاري في هذا المضمار.. بالتأكيد سيكون الجواب محرجاً لمن يملك إجابة.

نعتقد أنه ليس من الحكمة “التورّط” بإصدارات جديدة، والغرق في متوالية صاعدة إلى عتبات غير معروفة في المدى المنظور، لأن مهمة إعادة التوازن بين حجم الإصدار والمعادلات التقليدية إنتاجياً ونقدياً، ستكون غاية في التعقيد بعد الأزمة، في ظل طريق العودة أحادي الاتجاه الذي يمر – إجبارياً – عبر إصدار سندات الدين الحكومي، ولهذا الخيار فاتورته الباهظة، وهذه حقيقة يعرفها جيداً خبراء النقد والاقتصاد ولا نظن أننا سنختلف معهم بشأنها.

من هنا علينا أن نستعين بخبرات بعضنا البعض، للوصول إلى صيغة مناسبة لتحسين الوضع المعيشي للمواطن –موظف وغير موظف– بدون “استنساخ الليرة” وبدون زيادة رواتب تتلمس أزمة معيشة موظفي الدولة ليس إلّا.

الواقع، ثمة خيارات لصالح الحكومة والمواطن، لابد أن ننجح في توطينها مهما تطلّب ذلك من إصرار، فزيادة حجم التداولات النقدية في السوق يجب أن تنعكس على مستوى التحصيل الضريبي، فهل تحقق ذلك؟. وهل نجحت وزارة المالية في معالجة الخلل المزمن الذي يغلف أداءها في التعاطي مع المكلفين بضريبة الدخل المقطوع؟ وماذا عن ضبط تهرّب المكلفين بضريبة الأرباح الحقيقية في أوساط قطاع الأعمال، هل تيقنّا من سلامة الاستعلام التحصيل؟.

ألا يمكن ضبط الأسواق لمصلحة المستهلك من خلال تفعيل أسلوب التسعير المركزي في وزارة التجارة الداخلية وإنهاء “المسرحية التراجيدية” التي تجري منذ سنوات؟.

نحن على يقين من خيارات متعدّدة لترميم التشوّهات التي اعترت يوميات المواطن في السوق، دون الاضطرار لإصدار نقدي جديد تحت عنوان تمويل زيادة الرواتب، ليكون في المحصلة من نصيب من “ابتلعوا” كل الإصدارات السابقة، وهذا سيكون في القادمات من السنوات دين داخلي على الحكومة، وبمعنى أوضح دين على كل مواطن، فنكون قد أقرضنا الموظفين الزيادات على رواتبهم؟!.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]