الزراعة في سورية على منعطف خطِر…البحوث بوابة نجاة افتراضية وبعدها تكون أو لاتكون..

 

دمشق – الخبير السوري:

 

البحث العلمي الزراعي إحدى الركائز الأساسية لتطوير القطاع الزراعي، وإحداث التنمية الزراعية المستدامة، والتي بدورها تساهم في إحداث التنمية الشاملة، ورغم ما يواجه القطاع الزراعي من صعوبات ومعوقات متمثلة في تفتت الحيازات الزراعية، وقلة استثمارات القطاع الخاص في القطاع الزراعي، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، بالإضافة لموجات الجفاف المتكررة التي تساهم في خفض الإنتاج بشكل ملحوظ، فإن أهمية البحث العلمي الزراعي تكمن في ابتكار ونشر الأساليب الفنية، والتقانات الحديثة في الإنتاج، والقيام ببحوث زراعية ذات أهمية تطبيقية تساهم في حل المشكلات الزراعية السابقة، وتحسين نوعية وكمية المنتجات الزراعية، والمحافظة على الموارد، وتخفيض التكاليف، وتعظيم العوائد الملموسة وغير الملموسة.

انعكاسات على واقع الإنتاج

أصبح من البديهي أن تمثل  العلوم والتقانة، ونظم الابتكار والتجديد الوطنية مرتكزات أساسية لدفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلّا أن تفعيل هذا الدور لن يتحقق دون توفر موارد بشرية وطنية علمية وتقانية عالية التأهيل والتدريب، وتنمية هذه الكفاءات، وتوفير الآليات المناسبة لتطوير إمكانياتها بشكل مستمر، واستثمارها في برامج البحوث في عالم يشهد تطورات سريعة ومضطردة في المعارف العلمية والتقانية، تستوجب اهتماماً خاصاً على المستوى الوطني، من هنا يتضح أن هيئات البحث العلمي الزراعي تواجه فرصاً وتحديات هامة، تستوجب  التخطيط للمرحلة القادمة، لذلك برزت طرائق التقانات الحيوية العديدة كحل لعدد من المشكلات المتعلقة بمستويات الإنتاج والجودة، ومقاومة الآفات، والتكيف مع البيئات مختلفة، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع كبير في مستوى الإنتاج، وانخفاض سعر التكلفة للعديد من المنتجات، ولهذا يعتبر استخدام التقانات الحيوية وتطبيقاتها المختلفة ثورة علمية وحضارية في التنمية الزراعية والنهوض بها، كما تعتبر التقانات الحيوية وسيلة ذات إمكانات هائلة للتغلب على بعض العقبات التي تحول دون زيادة الإنتاج الزراعي، كما أنها من أهم الوسائل المساعدة في تحسين إنتاج المحاصيل الزراعية، وإنتاج الغذاء، وضمان التنمية المستدامة، وهي تضيف طرائق جديدة لتسريع تحسين النباتات من خلال زيادة الإنتاج، ومقاومة الأمراض والحشرات، وإعطائها مزايا فريدة من حيث الجودة والمحتوى الغذائي.

استراتيجية الهيئة

وباطلاعنا على مهام الهيئة المختصة بالبحوث الزراعية، وجدنا أن استراتيجية عملها، تركزت على استنباط أصناف جديدة من مختلف المحاصيل الزراعية، تتيح زيادة الإنتاجية لتأمين الطلب المتزايد عليها سواء للسوق المحلية (استهلاك ومواد أولية للصناعة)، أو للتصدير والاهتمام بالحاصلات الزراعية الملائمة للظروف المناخية البيئية والتي لها ميزة نسبية، والبحث عن أصناف وسلالات جديدة تلائم البيئة السورية، إضافة إلى الاهتمام بالمحاصيل ذات الاحتياج المائي القليل، وخفض تكاليف الإنتاج، وتحسين تقاناته، وترشيد استخدام مدخلات الإنتاج، مع التركيز على بحوث الإنتاج الحيواني، والاهتمام ببحوث التقانات الحيوية والهندسة الوراثية، إضافة إلى دراسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وآثار تطبيق التقانات الزراعية الحديثة، وقياس مدى تبنيها بما يحقق نقل التقانات الزراعية الجديدة للمزارعين بشكل كامل وسهل وقابل للتطبيق، ما يؤدي إلى تحسين الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً، وبالتالي تحسين الدخل “المزرعي” للمزارعين، والحد من الفقر، وتوفير فرص العمل، وزيادة الكفاءة الاقتصادية والفنية من الاستثمار في الزراعة، وتشير السجلات الإحصائية إلى تطور الإنتاج الزراعي خلال العقود الأخيرة، وتطور الإنتاج، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، ومن ثم الانتقال إلى تصدير الفائض من الإنتاج عن الاحتياج المحلي، وهو ما ساهم في دعم الاقتصاد الوطني محققاً نسبة تزيد عن 20% في المتوسط خلال العقدين الأخيرين.

دراسات وخطط

ورغم ما تعرضت له الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية وبنيتها التحتية من دمار وتخريب وخروج بعض المراكز البحثية من الخدمة، إلا أن العمل في الهيئة استمر، حسب ما أكده لنا الدكتور حسين الزعبي مدير عام الهيئة، فاستطاعت الهيئة تقديم الكثير من الأبحاث منذ السنة الأولى للأزمة وحتى اليوم، فقد تم اعتماد 19 صنفاً نباتياً ما بين الحبوب والبقوليات والأشجار المثمرة والخضار، حيث تم اعتماد صنف القمح الطري “دوما 6 وبحوث 10″، وهي أصناف متحملة للصدأ الأصفر ومخصصة للزراعة في حمص وحماة وإدلب والرقة والقامشلي، كذلك تم اعتماد صنف الفول “حماة2” وهو صنف ممتاز ببذرة كبيرة متحمل للعديد من أمراض الفول مخصص لمناطق الزراعة في حلب وحمص وحماة وإدلب، واعتماد صنف العدس “إدلب 2” حيث يساهم هذا الصنف في تأمين المادة الغذائية الغنية بالبروتين والضرورية من جهة، وتأمين المادة العلفية للثروة الحيوانية من جهة أخرى، بما يحقق الاكتفاء الذاتي ويخفض كمية الاستيراد الخارجي، وتم أيضاً إنتاج صنف الذرة الصفراء “سلمية”، وصنفي الخوخ جوسية1 وجوسية2 المتأخر، وثلاثة أصناف من الكرز مخصصة للزراعة في ريف دمشق، وتحسين العديد من الأنواع المنتشرة محلياً، وقامت الهيئة بإصدار مجلة علمية إلكترونية لنشر الأبحاث والمقالات العلمية، وإنشاء مكتبة إلكترونية لتوثيق كافة الأبحاث والمنشورات العلمية التي قامت بها الهيئة.

توجهات 2017

نظراً لظروف المرحلة الراهنة، فقد تم تحديد أهم الأولويات في تحقيق مستوى متميز من الأداء والفعالية البحثية التي تسهم في إحداث التنمية الزراعية والريفية المستدامة وحل مشكلات القطاع الزراعي بشكل يتوافق مع مقاييس جودة البحث العلمي لضمان الجودة وتحقيق الاعتمادية لنتائج الأبحاث، وتسعى الهيئة برأي مديرها العام إلى الارتقاء المستمر بالعملية البحثية وإحداث التنمية الزراعية والريفية وخدمة المجتمع وذلك بالتقييم المستمر لجميع الأنشطة التي تقوم بها لتحقيق الفائدة المطلوبة، وبرأي الزعبي، فإن هذه التوجهات تأتي من خلال العمل ضمن برامج بحثية طويلة الأمد نسبياً وبمشاركة باحثين متعددي الاختصاصات من إدارات وأقسام بحثية مختلفة في الهيئة، وقد تم تقسيم البرامج بما يتناسب وأولويات البحث العلمي وفقاً لمعايير أهمها التأثيرات المناخية وإدارة مخاطرها على الإنتاج الزراعي والأثر الاقتصادي والاجتماعي لتبني التقانات الزراعية الحديثة واقتصاديات الإنتاج الزراعي والفجوة الإنتاجية على المحاصيل والإمكانيات الزراعية المتاحة في سورية، وتأثير الأزمة الراهنة على القطاع الزراعي (اقتصادياً واجتماعياً وتنموياً).

نتائج سلبية

وفي اعتقاد الكثير من الفلاحين أن الأصناف التي تم إدخالها أعطت نتائج سلبية أكثر من مرة، مرجعين السبب لسوء عمل هيئة البحوث الزراعية، إلا أن محمد كشتو، رئيس اتحاد غرف الزراعة، نفى إدخال أي صنف جديد واعتماده قبل دراسته بشكل جيد ودخوله حقل التجارب ليثبت فعاليته وجودته، وأقد أثبتت الهيئة العامة للبحوث الزراعية بنظر الكثيرين تطورها في إدخال أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية، لكن عوامل المناخ تختلف من منطقة لأخرى، فالنتائج ربما لا تكون نفسها في حال اختلفت ظروف المناخ أو الظروف الأخرى، فبعض الأصناف تتم دراستها وإدخالها بحيث تكون معتمدة لمنطقة معينة دون أخرى، وكثيراً ما حصل اعتماد أصناف جديدة ملائمة لبيئة محافظة حلب المناخية والزراعية وبعد أن تم نجاحها قاموا بإعادة تجربتها في محافظة درعا، وفشلت نتيجة عدم ملائمتها للمناخ الزراعي هناك، وأحياناً ربما المزارع نفسه قد لا يجيد التنفيذ، لذا دائماً نحرص في الاتحاد على التأكيد على أهمية البحوث التي تبحث عن التطوير، وكذلك الإرشاد الذي يدل على كيفية الاستخدام لتحقيق النتائج المرجوة. في المقابل اعتبر مدير عام الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية أن أبحاثهم ذات علامة مميزة، وتتطلب وتستخدم الإمكانيات العلمية العالية والكوادر المتخصصة والأبحاث المتطورة والتجارب المخبرية والحقلية التي تأخذ سنوات عديدة، وتخضع لتقييم دقيق من عدة جهات مختصة، كما تخضع لقواعد وإرشادات وقوانين علمية صارمة، وما يتعلق بالنتائج العلمية السلبية المذكورة قد تكون لأسباب سوء استخدام الأصناف، وعدم الالتزام بالتوصيات الموضوعة من قبل المختصين عند المزارعين.

تعاون مشترك

لقد أثبت فلاحنا السوري قدرة وكفاءة عالية في زراعة ورعاية الأصناف والسلالات المحسنة المقدمة له من هيئة البحوث العلمية الزراعية من خلال دوائر الإرشاد الزراعي، حيث نجحت هيئة البحوث، برأي علي عيسى رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين، في اعتماد أصناف من القمح تقاوم الأمراض، وتلائم البيئات المحلية من حيث الصقيع، والحرارة، والرطوبة، وزيادة الإنتاج، وذلك من خلال عدة أبحاث، وكذلك أصناف القطن الملون، والقطن العضوي التي باتت سورية تشتهر بها، إضافة للمواصفات الأساسية للقطن السوري من حيث طول التيلة، وصفاء الإنتاج، وغيرها من أصناف الشوندر السكري ذات الإنتاجية العالية من حيث كمية الإنتاج، ونوعيته المقاومة للشمرخة، ونسبة الحلاوة المرتفعة، وكذلك اعتماد أصناف من الزيتون مقاومة للذبول، ومرض عين الطاووس، وغيرها، مشيراً إلى التعاون الثلاثي بين اتحاد الفلاحين، وهيئة البحوث الزراعية، ومديرية الإرشاد الزراعي بكافة المستويات، بدءاً من الحقل، وصولاً إلى الدوائر، إلى المستوى المركزي كفريق عمل واحد، وتعقد اجتماعات دورية مركزية وفرعية بهدف متابعة نجاح الأعمال المشتركة، حيث تقوم هيئة البحوث برفد مديرية الإرشاد الزراعي ودوائرها في المحافظات بنتائج البحوث العلمية من الأصناف والسلالات المحسنة، والمقاومة للأمراض، وذات الإنتاجية العالية، والمتلائمة مع ظروف البيئة المحلية، والأساليب الحديثة في رعاية المحاصيل التي تقوم بدورها بنشرها، وتشجيع الإخوة الفلاحين، ومساعدتهم على تطبيق هذه النتائج والتوصيات، والسعي أيضاً إلى سد الفجوة الإنتاجية بين البحوث والمزارعين، مع مراعاة اختلاف الظروف الإنتاجية من خلال نشر التقنيات المبتكرة حديثاً، وتبني المزارعين والمربين لها، خاصة تقنيات الري الحديث، والأصناف الجديدة، وعوائق نقل وتطبيق هذه التقنيات، ووضع أسس لتحقيق تبني نتائج البحوث والتقنيات الزراعية الحديثة.

علاقة جدلية

يعتمد الاقتصاد السوري على قطاعين رئيسين: القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وقطاع الصناعة التحويلية، خصوصاً الغذائية والنسيجية، وبالنسبة للقطاع الزراعي فمن المفروض تطويره كماً ونوعاً، لكن التطوير الكمي من وجهة نظر الدكتور عابد فضلية “محلل اقتصادي”، وخصوصاً في مرحلة الأزمة وما بعدها، سيكون محدوداً للغاية نظراً للتكاليف العالية، وصعوبة وجود مساحات زراعية صالحة للزراعة بسرعة، ليأتي هنا دور هيئة البحوث الزراعية في التطوير النوعي من خلال إثراء البحث العلمي الزراعي في خدمة القطاع الزراعي، وهنا لابد لإدارة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية أن تتبنى دراسة اقتصاديات الإنتاج والتسويق الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وكفاءة ترشيد استخدام عناصر الإنتاج، وغيرها من أساليب التحليل الاقتصادي، والمالي، وتحليل السياسات الزراعية، وتقييم الأثر، وكذلك لابد من تقييم الآثار الاقتصادية، والاجتماعية للتقانات الزراعية الحديثة على المستوى الوطني، واعتبر فضلية أن العلاقة بين القطاع الصناعي والزراعي هي علاقة وثيقة، فالصناعات التحويلية تعتمد من خلال مدخلاتها على مخرجات القطاع الزراعي، خاصة القطن والقمح، وكذلك يعتمد القطاع الزراعي في جزء كبير من مدخلاته على الصناعة التحويلية مثل: “الأعلاف- الأسمدة”، فالعلاقة بينهما جدلية، وتعمل الهيئة العامة للبحوث الزراعية جاهدة على تقوية هذه العلاقة.

سلاحنا الأساسي

دول كثيرة تعرّضت للعديد من الأزمات، لكنها عادت ونهضت من جديد، وكان البحث العلمي سلاحها الأول والأساسي، ونحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لهذه البحوث والتجارب في كافة المجالات لتطوير اقتصاد البلد، ويعد قطاع الزراعة من الدعائم الأساسية لاقتصاد سورية،  لذا كان لابد من السعي لإثراء البحث العلمي، والإسهام في خدمة القطاع الزراعي للنهوض به، بما يتيح الاستفادة المثلى للطاقات الزراعية.

ميس بركات

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]