الغاب “يستغيث”..ندرة مائية رغم الوفرة..

 

حماه – الخبير السوري:

كثرت الأحاديث عن تطوير القطاع الزراعي، والاستفادة من كل شبر في سورية، وإنشاء وزراعة الحدائق المنزلية، والأسطحة، والطلب من الجهات المعنية كوزارة الزراعة، والمالية، والاتحاد العام للفلاحين، والغرف الزراعية، استيراد الأبقار، وتقديمها لبعض الأسر لتربيتها، ومن ثم دفع قيمتها على أقساط، إلى ما هنالك من أحاديث جميلة يتقن المعنيون الحديث عنها بحضور عشرات التساؤلات، أين هو الواقع من كل هذه الأحاديث والأقاويل منذ سنوات، فلم نستطع استيراد الأبقار رغم كل ما قيل ويقال، واسألوا وزارة الزراعة التي لم تستطع منذ منتصف التسعينيات رفد قطيعها في محطات الأبقار ببقرة واحدة!.. واسألوا المزارعين لماذا تراجعت زراعة الشوندر من فائض الإنتاج الذي كان يشكّل هماً وقلقاً إلى التدني حتى وصل إلى خمسة آلاف طن، ومعمل السكر لم يعمل منذ سنوات، ولماذا تراجع إنتاجنا من القمح من التصدير إلى الاستيراد، وكذلك القطن، ووو؟!.

ولعل السؤال المهم الذي يمكن طرحه الآن هو: هل يفتح مشروع الإعمار الذي يشغل بال الحكومة هذه الأيام، ويعتبر من الأولويات بعد القضاء على الإرهابيين لنسير بخطا ثابتة باتجاه جديد نحو الاستدامة الاقتصادية، والبيئية، والزراعية؟!.

والمأمول أن تنصب الإصلاحات الإدارية على مكافحة الفساد، والتقصير، والهدر، وسوء استخدام الموارد الطبيعية من خلال سياسة هامة وفعالة، فيكون للناس الدور البارز والأكثر تأثيراً لجهة الزراعات الاقتصادية، فسهل الغاب لوحده كان يمكن أن يكون سلة سورية، ورديفاً للمحافظات الشرقية الهامة زراعياً، لكن فشل كل الخطط والبرامج التي خصص بها منذ بدء إنشاء السدود، مروراً بالقرى النموذجية، وانتهاء بعمليات الاستصلاح، جعل منه أمراً محيراً، وبدأ يفقد الكثير من حضوره وتأثيره، فكل ما كان يتم طرحه لقي الفشل، وكان آخرها إنشاء وإقامة أربع سدات مائية في سفحه الغربي، فلماذا، وكيف؟!.

فشل السياسات الزراعية

كانت الغاية من عمليات استصلاح المزيد من أراضي الغاب، وسهل الغاب، هي زيادة الرقعة الزراعية، ورفع نسبة الشاغلين في القطاع الزراعي، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، وتصدير الفائض، وقد حصل هذا حتى نهاية التسعينيات، ليبدأ الفصل الجديد من الانتكاسات في هذا القطاع الهام، فقد تم استصلاح 17400 هكتار، وغيرها من المشاريع الأخرى كإقامة السدود لري هذه المساحات، وتخفيف تدفق الطمي، وتثبيت العاملين في هذا القطاع بأراضيهم لتسهم في التنمية البشرية لسكان المنطقة هناك، وتوفير المياه بدلاً من ضياعها هدراً، كما يحدث الآن، ولتكثيف القطاع الزراعي، فضلاً عن حماية الأراضي من الانجراف شتاء، ولكن أين هي هذه المشروعات الآن؟! وكيف هو سهل الغاب؟!.

من المسؤول عن الفشل؟!

من الأسئلة التي تطرح بإلحاح الآن: لماذا فشل مشروع إقامة السدات الأربع التي كان يجري الحديث عنها قبل الأزمة وبعدها؟!.  يجيب الجيولوجي مدير موارد حماة المائية أزهر أزهر قائلاً: لقد كانت لنا وجهة نظر حول الدراسة التي قدمتها الشركة الإيرانية /سونير/ لجهة ضرورة تعديلها لرفع منسوب التصميم كي لا يتم حدوث غمر وغرق للأراضي الزراعية، فأعدنا هذه الملاحظات لهم، أي للشركة الإيرانية عن طريق وزارة الموارد المائية مع بداية الأزمة، وانتهى الموضوع عند هذا الحد؟!.

وأضاف أزهر بأن السدات الأربع المشار إليها لو كتب لها النجاح لحلت قسماً مهماً من قلة الموارد المائية لسهل الغاب، ومحاصيله الزراعية هناك، حيث تبلغ سعتها 42 مليون متر مكعب، وكانت كلفتها حينذاك ستة مليارات، أما الآن فقد يفوق الرقم الضعف، فالتأخير في إنجاز أي مشروع ليس لمصلحة التنفيذ، فانظر لما يجري الآن في سهل الغاب من عطش في الصيف، وغمر، وغرق في الشتاء، حيث تذهب مياهه هدراً إلى البحر، فسدا زيزون وقسطون خارج الخدمة الآن لوقوعهما تحت سيطرة الإرهابيين، في حين سدود أفاميا الثلاثة الأخرى ليست على ما يرام في بعض منها، والبعض الآخر يقع في مجال وحرم قلعة المضيق، ما يعني تعذر الاستفادة منها جميعاً، في حين لو كانت السدات الأربع جاهزة لحافظنا على كميات مهمة من المياه؟!.

كيف نعيد للزراعة ألقها؟!

نعتقد بأن كل ما يقال ويدور من أحاديث وتصريحات لجهة العودة بالقطاع الزراعي إلى الواجهة لا يمكن تنفيذه وتطبيقه على الأرض إلا بشرطين أساسيين: أولهما إعادة النظر بالسياسة السعرية للمحاصيل الاستراتيجية منها، كالشوندر، والقطن، والقمح، فها هي مصر ترفع سعر شراء القمح من مزارعيها، كما هو سعره العالمي وبشكل أوضح، كما تشتريه بالدولار تحفيزاً وتشجيعاً لمزارعيها في حين مازالت أسعار التكلفة لدينا أكبر مما هي عليه الآن، ففي دراسة مقدمة لصندوق الجفاف والكوارث الطبيعية من قبل مدير الاقتصاد الزراعي والاستثمار، الدكتور مجد أيوب، يشير فيها إلى أن سعر تكلفة الدونم الواحد من القمح المروي تصل الى 2330 ليرة ومن الشوندر تصل إلى 69105 ليرة.

من ناحيته قال الدكتور جمال طقطق، أستاذ مادة مبادئ الاقتصاد، في جامعة حماة : مازالت السياسات الزراعية الاقتصادية لدينا دون المستوى المطلوب لجهة الأصناف المزروعة وتردي إنتاجها متسائلاً: أين الأصناف المقاومة للظروف الجوية والبيئية وذات المردودية العالية؟ وأين البحوث الزراعية التي تعمل منذ سنوات على ذلك؟ ولماذا لا يتم تصنيف المناطق الزراعية كل منها على حدة. فكل منطقة وبيئة لها خصوصيتها في مجال الزراعة وهذا لا يؤخذ بعين الاعتبار؟.

في حين يؤكد المزارعون صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج فتارة من السوق السوداء، سواء أكانت من الأسمدة أو من المحروقات، ليأتي بعد ذلك أجور النقل، في هذا الصدد يقول المهندس رفيق عاقل، عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة بحماة، إذا ما أردنا العودة للإنتاج الزراعي بفائض إنتاجه علينا إعادة النظر بشكل مستمر بالتسعير فهو المحفز الأول والأخير.

لقد رفعت محافظة حماة مذكرة إلى وزير الزراعة تشرح فيها ضرورة زيادة أسعار المحاصيل كالقمح والشعير والقطن والشوندر السكري، فكما نلاحظ اتجه المزارعون نحو زراعة الخضروات والمحاصيل العطرية أكثر منها لزراعة المحاصيل الاستراتيجية الأخرى.

وعن تراجع الواقع المائي والزراعي في سهل الغاب خلال السنوات الخمس الماضية، أشار عاقل إلى أن أول أسباب تراجع سهل الغاب هو سوء التخطيط وعدم النظر إليه بمنظور متكامل لا بعين واحدة ولجهة القطاع الزراعي فحسب، بل في السياحة أيضاً، فهو يتمتع بموقعه خلال السلسلة الجبلية الغربية ويعتبر من أجمل المواقع، لافتاً إلى أن ما لحق بما كان مخطط ومسمى القرى النموذجية، لم يعد موجوداً في الوقت الذي يقضم السكن والزحف العمراني مئات الدونمات سنوياً، بدلاً من السماح بالبناء الشاقولي أو بالقرب من الغابات مع الحفاظ عليها وحمايتها جيداً، مضيفاً، لماذا لا تتم دراسة التصنيف الزراعي لكل منطقة على حدة ووفقاً لما يناسبها ويمكن زراعته؟.

تجاوزات متعددة

من ناحيته قال مدير الموارد الطبيعية المهندس أمير عيسى: ما يلحق بسهل الغاب من اعتداءات وتجاوزات، وبخاصة لجهة الغابات لأمر محزن فحتى المراعي لقطعان الثروة الحيوانية باتت مقلقة، وكنا قبل سنوات عدة من الآن أينما نظرت ترى قطعان الأبقار والمسامك والحركة النشطة، لكن صعوبة تأمين الأسمدة والمحروقات وارتفاع أسعارها جعلت الفلاحين يعدون للألف قبل الشروع بعملية الزراعة، رغم أنها مصدر عيشهم وعشقهم، بل هي جزء منهم وبدلاً من الحديث عن  هذا القطاع وتصريحاته المطلوب تأمين الأسمدة لمحصول القمح كي لا يتعرض للإصابة بالأمراض ويتقزم ليأتي الإنتاج عكس التطلعات.

زراعات الحدائق

هناك سوء فهم كبير بين ما يردده المعنيون عن زراعة الحدائق المنزلية والاسطحة، وما يتم منحه من قروض وإعانات بذرية ودجاج وأغنام وغيرها من الأمور الأخرى، يخيل للبعض بأنه بإمكانه زراعة كل المساحات المحيطة بمنزله والاستفادة من مياه الشرب، وهذا ما قد يخلق مشاكل كبيرة لجهة مياه الشرب حيث لم يوضح أحد هذه القضية. وبدلاً من ذلك نعتقد أن الظروف المحيطة بالمواطن هي من يحدد له إذا كان سيزرع أم لا، وليست الخطابات والتصريحات، ولا يحتاج إلى تشجيع لأنه مقتنع بالأساس بأن الزراعة قد توفر له مصدر الرزق والاكتفاء الذاتي على الأقل في المساحات القليلة الصغيرة.

باختصار ما لحق بسهل الغاب منذ السنوات العشر الماضية أعاده إلى الوراء كثيراً، فليست هذه زراعاته وإنتاجيتها ولا ثروته الحيوانية والسمكية،  ولا غاباته ولا مياهه ولا سدوده  ولا قراه النموذجية، وإن كل ما يجري فيه من سياسات زراعية هي خبط عشواء.

صحيح هناك خطط زراعية ومساحات تنفذ حيناً ولا تنفذ أحياناً أخرى، والشوندر شاهد على ذلك، ولكن لا يزال سهل الغاب يغرق شتاء وتغمر مياه الأمطار أراضيه ويعطش صيفاً، ومن الإنتاج الوفير إلى التراجع المخيف، والمطلوب التحفيز السعري وتوفير المستلزمات، ولو بالدين لحين تسليم المحاصيل وبخاصة المسوقة حكومياً.

محمد فرحة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]