ملف الإسمنت المحرج يضع وزارة الصناعة في دائرة ضوء التمرد على المأسسة..فخ التشاركية يطبق على مؤسساتنا جهاراً نهاراً..؟!

دمشق – الخبير السوري:

بدا وزير الصناعة كمال طعمة وكأنه يغرد خرج سرب الحكومة ولجنتها الاقتصادية – علما أنه عضوا فيها – حين تبنى شخصيا وجوب تنفيذ مذكرة التفاهم التي كان وافق عليها مجلس الوزراء والموقعة بين شركة عدرا لصناعة الإسمنت ومواد البناء ومجموعة فرعون للاستثمار، لإعادة تأهيل وتطوير خطوط الإنتاج في مصنع شركة اسمنت عدرا، وإقامة فرعون معملا جديدا للإسمنت على أرض تابعة لوزارة الصناعة في منطقة عدرا بكلفة تصل إلى 300 مليون يورو وذلك وفق عقود الـ BOT وليس وفق قانون التشاركية، معتبراً أن الطلب من فرعون إقامة معملها الجديد – بعد الكلفة الأنفة التي دفعتها وتعهدها بإنتاج 2 مليون طن سنويا – وفق قانون التشاركية، هو تهريب للمستثمرين،  لافتا إلى أنه يشجع فرعون وغيرها على الاستثمار حتى ولو من خارج مذكرة التفاهم وغيرها من عقود، مع الاحتفاظ بحقوق الدولة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها سورية.

وأوضح الوزير في تصريح إعلامي أن إعطاء فرعون المشروع الجديد كان تشجيعا لها بعد أن أعطيت عقدي تأهيل أسمنت طرطوس وعدرا، اللذين لا يزالا حتى الآن مثار تحفظ البعض.

ميل أم استمالة..؟

الوزير كشف أن اللجنة الاقتصادية لا تزال تحاول إقناع فرعون بأن يتم إقامة مشروع الإسمنت الجديد وفق صيغة التشاركية، منوها إلى أن قانون التشاركية صدر أثناء صياغة العقد مع فرعون حيث ارتأى الفريق الدارس أن يقام المشروع بالتشاركية مع القطاع العام، رغم – والكلام للوزير – أن فرعون كانت قطعت شوطا كبيرا من الدراسات والتحضيرات..، وأنها أي فرعون ترى في الطرح الجديد تعقيدا وعراقيل و خلاف ذلك من صعوبات.

إذا الرجل لم يخف “تحيزه” لتطبيق مذكرة التفاهم أي للشركة المستثمرة، ورأيه محترم ومقدر، ولكن نأمل ألاَّ يُفسد الاختلاف في الرأي الود في القضية كما يقال، سواء مع نظرائه في الحكومة أو اللجنة والفريق الدارس، وأيضا معنا.

فوجهة نظر وزير الصناعة مستندة على أسباب وقناعات، منها ما هو موضوعي (قانوني واستثماري)، والأخرى ليست كذلك كونها قد تفهم أن فرعون مُفَضِّلة على الدولة كونها تستثمر في هكذا ظروف، بينما غيرها أوقفت عقودها ولم تتابعها، وعليه لا بد من منحها التسهيلات الاستثمارية التي تطلبها بحدود يتم فيها مراعاة مصالح الطرفين.

لماذا الإيحاء..؟!

هنا نختلف مع معاليه في مقاربتنا للقضية، فعقد التشغيل لصالح الغير الذي حصلت عليه فرعون في اسمنت طرطوس، ورغم تأخرها وعدم التزامها به وأثر ذلك على عملية الإنتاج نتيجة التوقفات وبالتالي حدوث الخسائر، إلاَّ أن فرعون لم تخسر بل حققت أرباحا هامة، وبالنتيجة فما وصلت إليه فرعون في إسمنت طرطوس ستصل إليه في اسمنت عدرا، أي أن الجدوى الاقتصادية لاستثمارها في هذا القطاع التي صرف الكثير على بُناه التحتية من جيب خزينتا العامة، محققة وبمخاطر لا تكاد تذكر. وبصراحة أكثر يجب ألاَّ نتعمَّد الإيحاء لإظهار معاملنا إلى هذه الدرجة وكأنها خراب بخطوط إنتاجها وآلاتها ومعداتها، فلكنا يذكر أن أسمنت عدرا صُرف عليه 700 مليون ليرة قبل بضع سنوات من الأزمة يوم كان الدولار بنحو 50 ليرة.

هل غاب..؟!

هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فلعله لم يغب عن فطنة الوزير أنه في عملية إعطاء فرعون عقدين في المعملين المذكورين إضافة لمعمل جديد، هو نوع من الاحتكار لجزء هام من قطاع تصنيع الإسمنت في سورية، حتى إن افترضنا جدلا عدم تقدم عارض آخر…!. وزيادة في الإيضاح نؤكد أنه وفوق ذلك هناك سوق محلية بإمكانها استجرار أية كمية يمكن إنتاجها سواء من قبل المعامل التابعة لمؤسسة الإسمنت أو التابعة للقطاع الخاص، بمعنى لا وجود لمنافسة ومنافسين، بل توزيع مريح وتقاسم متفاهم عليه للسوق الداخلية، وعليه فالحديث عن إمكانية هروب مستثمر لمجرد طرح الحكومة التشاركية في مشروعه، أمر ليس واردا نتيجة للجدوى الاقتصادية المحققة 100%.

وأيضا الحديث بضرورة التحفيز للمستثمر بدل التنفير، ليس في زمانه ويجب أن يكون للدولة أحقية مطلقة في زيادة العائدية المالية لمنشآتها التي تطرحها للاستثمار بهذه الصيغة أو تلك، علما أنها زيادة لا يمكنها التقليل كثيرا حتى من صافي الأرباح المضمونة سلفا وليس المتوقعة للمستثمر. والأيام القادمة من الإعمار كفيلة بالمكافأة الجزيلة، على ألاّ يفهم كلامنا أن ما يتم هو مكافأة بحدة ذاتها حتى ولو لم تكن وفقا للحسابات التي توضع.

من زاوية أخرى

أما القول: إن المستثمر تكلف 300 مليون يورو نتيجة مذكرة التفاهم الموقعة بين شركة عدرا لصناعة الإسمنت ومواد البناء ومجموعة فرعون للاستثمار لإعادة تأهيل وتطوير خطوط الإنتاج في مصنع شركة اسمنت عدرا وإقامة معمل جديد للإسمنت في منطقة عدرا، فنحن لن نستخف بذلك أبدا، ولكن نسأل بالمقابل: ما هي قيمة البنى التحتية والأجهزة والمعدات الموجودة في المعمل التي ستستثمرها فرعون إضافة لوجود العمالة المدربة والمؤهلة الجاهزة للعمل، وألم يتم احتسابها لنعرف مقدار ما يقدم طرفي العقد وبالآخر نقول: فهل تم حساب تكلفة الشركة المستثمرة دون أن نبين التكلفة التي ستتحملها الحكومة.؟!. وهل تم حساب تكلفة المستثمر على سعر صرف اليورو اليوم، دون أن يتم الشيء نفسه على تكلفة الحكومة من خلال تقديمها البنى التحتية والآلات والمعدات للجهة المستثمرة؟.

أما بعد..

ألاَّ تعد المزايا التي طرحناها بحد ذاتها مزايا استثمارية مطلقة، ومع ذلك نأمل وزيادة في الشفافية ومنعا لأي غبن وغمز، بإعداد دراسة لتكاليف كل طرف وعائداته وأرباحه، وإعلانها على الإعلام، وبعدها يمكن الحكم..، خاصة بعد توقعات المؤسسة العامة للاسمنت، أن يتجاوز معدل استهلاك الفرد من مادة الاسمنت قرابة 800 كغ خلال سنوات إعادة الاعمار، وحجم الطلب على المادة لمشاريع إعادة الإعمار ستصل بحدود 40 مليون طن سنوياً خلال 5 سنوات قادمة.

قسيم دحدل

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]