مواجهة مع “فاتك اقتصادي”..بقلم:ناظم عيد

 

أغلب الظن أن في أفقنا أشياء كثيرة يمكن أن نفعلها، إن في سوق العملات انتصاراً لليرتنا، أوفي أسواق السلع انتصاراً للمستهلك، أو الانتصار لأنفسنا عموماً، دون أن نتورّط في مواجهة مع الدولار بذات أدوات تفوّقه، بوصفه ينحدر من معقل أعقد وأخطر نظام نقدي ومصرفي يستحكم باقتصاديات العالم.

ولعله كان علينا أن ندرك أن مواجهة “شيكات” الاستهداف الأميركي لا بد أن تكون بوسائل غير نقدية، بالتالي بدا من اللافت أن نمضي كل هذا الزمن من عمر الحرب علينا ونحن ندور في دوامة ردود الأفعال وتقاذف الاتهامات والندب، من لفح عملة كونية تختصر عصارة المؤامرة بكلمة واحدة “دولار” حتى أننا نسينا ما يجري في الأروقة السياسية والميدان العسكري وتفرّغنا لمتابعة نجومية هذا “الفاتك الاقتصادي” بيننا، أي تحوّلنا إلى ضحايا لرسائل تحويل الانتباه التي تمّ ضخها بحذاقة نحونا.

الواقع أن انشغال الكبير والصغير بتداول سيرة قفزات الدولار، افتعل “رضّاً” نفسياً من شأنه تهيئة المناخ لمزيد من الارتفاعات، بالتالي الخسارة لليرة والاقتصاد والمواطن السوري، وهذا ما يجب أن يملي علينا التوقّف عن الدوران وتوهّم السباق مع عملة الأميركي، والتحوّل إلى معالجات متعددة المسارات، لكن بالتأكيد يجب عدم الحديث عن معالجات نقدية وترسيخ خطأ في التعاطي درجنا عليه منذ بداية أزمتنا.

أول شي يجب فعله هو عزل سوق القطع عن تداولات واهتمامات المواطنين بما في ذلك البيع المباشر، وإبعاد كواليس الإدارة النقدية عن واجهاتها، والمهمة ليست معقّدة إلى الدرجة التي يتصوّرها من يطلق العنان لنفحات التشاؤم التي تتوالى في مضمار المواجهة بين ليرتنا ودولارهم.

الطريق إلى ذلك تمر عبر توجه حكومي جاد وبإصرار وتعاون مع الاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية، لتحفيز مساعٍ واسعة الطيف أفقياً تستهدف نفض الغبار عن وسائل الإنتاج المعطّلة، لأن بطالتنا مازالت بطالة وسائل إنتاج أكثر مما هي بطالة قوى عاملة، فقد يكون من ضروب التعسّف بالذات ترك مساحات شاسعة من الأراضي خارج نطاق الاستثمار في المناطق المستقرة، رغم حالة العوز.. فازدادت مخاوفنا من الدولار وربطنا – نفسياً – بين ارتفاع أسعار منتجاتنا الصرفة وأسعار صرف العملات، وهيأنا أنفسنا لاستغلال منتج وتلاعب تاجر.!! ولا يتحدثن أحد عن التكاليف فهذه شماعات لمحبي الاسترخاء الذين لم تغادر أذهانهم بعد ملامح زمن البحبوحة، لأن خيارات الزراعة قليلة التكاليف – الزراعة الحافظة مثلاً – مطروحة ولم نجرّبها، فلتكن الأزمة حافز التجريب، وفي المدن لم نجرّب الخيار البسيط والسهل الذي اقترحته وزارة الزراعة حديثاً وهو “الزراعة الحضرية” على أسطحة المباني والشرفات، وهذه طريقة مجرّبة في أرقى البلدان، وغير ذلك من الأمثلة التي سيكون لدى من يبحث عنها المزيد…

وفي باقي القطاعات فرص كثيرة تنتظر، المهم أن نصل إلى تحفيز متوالية إنتاج زراعي وصناعي بسيط وحرفي تتيح اكتفاء ذاتياً أو فائضاً يعفي الأسر من الوقوع في هاوية مفارقات أسعار الصرف والقوة الشرائية لليرة..

المهم أن نصل إلى حالة من فصل معظم احتياجات المستهلك عن الدولار أو عن التداولات النقدية حتى بالعملة السورية، لنخفف من وطأة “فوبيا الدولار” التي تجتاح الشارع حالياً.

فالواضح أن لا الحكومة ولا المواطن استطاع التماهي مع متطلبات الأزمة، فإن كان الأداء الحكومي يجنح نحو الإحجام عن التدخل الفاعل –عدا التصريحات- في المسائل الصعبة التي تعتري يوميات الشارع، فإن مبادرات المواطن تجاه نفسه، اقتصرت على الشكوى والتطلّع لحلول حكومية جاهزة، لم يكل ولا يمل من انتظارها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]