ما تحت المساءلة وما فوقها..بقلم:ناظم عيد

لم تخرج حكومتنا بعد من “شرنقة” الدور الأبوي البغيض، رغم إعلانها مراراً عن توجّهات جادّة نحو ثقافة “علمه الصيد ولا تعطه سمكاً”، وبقيت تنافح عن نفسها تجاه التزامات صعبة لا يمكن فهمها إلا على أنها من صميم الحالة الأبوية اللامحدودة، عبر الإفراط في الحديث عن اضطلاعها بأدوار كاملة على مستوى التعاطي بعناية فائقة مع يوميات مواطن!!.
ولعل في مجريات الجلسات الأسبوعية ما يرسّخ تقاليد الاتكال المطلق لدى عموم الشارع السوري، فالحكومة هي من توحي بأن حل مشكلة الأسعار مقترن بها كلياً وليس للمستهلك أي دور عليه لعبه، وهي من أوحى بأن الفساد ومفاتيح أبواب محاربته بيدها وحدها والشارع بريء من مثل هذه الثقافة المستشرية، وهي من يتحمّل مسؤولية تأمين كفاية سوق العمل من الفرص، ثم تمويل المشاريع الفردية المتناهية الصغر، دون أن تراعي أن ثمة آلافاً يملكون المال وأحجموا عن الاستثمارات “الميكروية” المولدة للدخل وتنمية الأعمال ورأس المال، كما أنها ورّطت نفسها بعبء الدولار الثقيل وانجرفت مع “تغريدات المغردين” في حلقات دفاع وتبرير لظروف قاهرة لكنها موضوعية، وغرقت في استعراض إجراءات ونقاشات هي بغنى عنها، فكان أن حققت شهرة منقطعة النظير لعملة الأميركي في بلادنا وأسهمت في إشعال الطلب عليه!!.
فما نعرفه أن للمواطن دوراً يجب أن يلعبه في مواجهة يومياته الصعبة ولا يتكئ على الحكومة في تفاصيل دقيقة، وهنا الدور المحوري الذي كان على الحكومة العمل عليه، إما بالتثقيف أو التحفيز وإنتاج مبادرات خلّاقة من شأنها أن تحل نصف المشكلات المستعصية التي تعتري مضمار علاقتها بالمواطن.
ونعتقد أنه كان من الأفضل لحكومتنا أن تعالج سلبية المستهلك واستسلامه، أمام تاجر مستحكم ومتلاعب عبر تشجيع أسلوب الحماية الذاتية من مقاطعة وتسجيل شكوى وخلق خيارات أخرى غير الانصياع للأمر الواقع، ونجزم بأن ثمة أساليب كثيرة لذلك، لكنها لم تفعل كما لم تفلح في التدخل بفعالية!.
كما نعتقد أن فرص العمل ليست محصورة بتلك الحكومية التي تصرّ الحكومة على الحديث عن انشغالها بتأمين المزيد منها.. ولهذا الموضوع شجون كثيرة تحتاج إلى بحث مطوّل حول الانعكاسات “المدمرة” لإحداث فرص مقصودة لذاتها وليس من حاجة حقيقية لها، أي مجرّد توزيع “جوائز ترضية” بلا عائد ملموس!!.
الواقع أن لدى الحكومة أدوات ومحفّزات لإشراك المواطن بالمسؤولية في لعب دور ما في مختلف مسارات حياته اليومية، خصوصاً ما يتصل بعنصر “التدبير” بدءاً من خيارات فرص العمل ومصادر الدخل وصولاً إلى الأسعار وسرديات الدولار ومختلف شجون السوق.
لا بد أن نبدأ من الآن، ولعل في خصوصية الظرف الصعب والحاجة الماسة، ما يساعد الحكومة في نشر التنمية الاقتصادية الأفقية بأدوات المواطن وليس بأدواتها هي حصراً.. فرص عمل ذاتية فردية وحتى أسرية تتطلب تسهيلات إدارية ومحفزات وليس مجرد مصدر تمويل، فالأخير لوحده لا يكفي، أي ليست القروض التشغيلية هي الوصفة السحرية لحل المشكلة، ولا يجوز أن تبقى بنداً مقيماً على طاولة مجلس الوزراء..!!
والمثال يمكن سحبه على كامل ما يتخلل سوق العمل وسوق السلع وسوق العملات والذهب والبورصة، المهم أن نلتفت إلى سبل “إنقاذ” المواطن والحكومة من سلبية الأول، والتي هي نتاج عقود الدور الأبوي، ولا بدّ الآن من خطط قطاعية لـ “تعليم الصيد بدلاً من تقديم السمك الجاهز”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]