بعد استبعاد مستلزمات صناعتها من التمويل عبر “منصّة المركزي”… السوريون يناورون لصناعة سلعة أساسية في منازلهم

الخبير السوري:

دفع الارتفاع غير المسبوق في أسعار المنظفات، المواطنين في اللاذقية إلى اللجوء لمحال بيع المنظفات المصنّعة يدوياً، التي تغزو الأسواق، بوصفها أرخص على الجيب مقارنة بالمنظفات المصنّعة في المعامل، ضاربين عرض الحائط بالفعالية والجودة، انطلاقاً من رؤيتهم التوفيرية بأن المنظفات اليدوية تقوم بالغاية المرجوة منها، بأسعار منخفضة وبالكمية التي يطلبها الزبون الذي بات يعد إلى العشرة قبل التفكير في شراء أي منتج من مواد التنظيف العادية.

وتبدو ظاهرة التصنيع اليدوي للمنظفات في المنازل مرشحة للانتشار أكثر، مع القرارات الأخيرة باستبعاد المواد الداخلة في صناعة المنظفات من التمويل عبر ” منصّة المركزي”..إذ سترتفع أسعارها بشكل غير محسوب.

حسبة توفير

في حسبة بسيطة قائمة على التوفير، غالباً ما يقع المواطن في مصيدة الباعة المخالفين الذين يبيعون مواد تنظيف متنوعة بين سائل جلي، معطّر، كلور، مسحوق غسيل، تندرج تحت الأصناف التجارية مجهولة المصدر، منها ما هو ضمن عبوات بلاستيكية، أو على شكل “دوكما” ضمن أكياس النايلون، أو قيام الباعة بممارسة أساليب الغش والاحتيال من خلال تعبئة المنظفات المصنعة يدوياً في عبوات من إنتاج المعامل لتحمل اسمها ومصدرها.

  • باعة يمارسون الغش والتدليس بتخفيض كميات المواد الداخلة في التصنيع لزيادة الربح

صحيح أن المنظفات المصنعة يدوياً مجهولة المصدر، رائجة منذ سنوات وليست وليدة اليوم، إلا أن الإقبال عليها شهد ازدياداً كبيراً بالتوازي مع ارتفاع الأسعار، وعليه زاد عدد العاملين في هذه المصلحة، وزاد عدد الورش الصغيرة التي تقوم بتصنيعها، وخاصة أنها باتت تشكل مصدر رزق مربح و”شغلة للي مالو شغلة”.

“بين مع وضد”.. منظفات رائجة

“بتمشّي الحال”، بهذه العبارة اختصرت فاتن (ربة منزل) السبب وراء ترددها باستمرار على محل يبيع المنظفات المصنّعة يدوياً، شارحة: صحيح أن فعاليتها أقل من فعالية المنظفات ذات الماركة المعروفة والمصنّعة في المعامل، لكنني أستطيع أن أشتري الكمية التي تتناسب مع حاجتي، فانا أستطيع شراء سائل جلي ب 2000 ليرة على سبيل المثال، في حين تباع أصغر عبوة سائل جلي في المحال الأخرى ب 4500 ليرة، كما أشتري مسحوق غسيل بالمبلغ نفسه فيما يباع كيلو المسحوق ب 6000 ليرة.

الرأي نفسه شاطره أبو سامي (موظف)، مؤكداً أن الارتفاع غير المسبوق في أسعار المنظفات جعل الكثيرين يلجؤون إلى شراء المنظفات مجهولة المصدر، باعتبارها أوفر، غير آبهين بطبيعة المواد الداخلة في التصنيع ومصدرها طالما أنها تحقق التوفير المنشود، والذي يرى أبو سامي أنه وعائلته أحق بكل ليرة يستطيع توفيرها.

غير فعالة

في المقلب الآخر، اشتكت رنا (ربة منزل) من المنظفات التي تباع بطريقة “فرط” لأنها غير فعالة ومجهولة المصدر، مضيفة: لا أحد يعلم ماهية تركيبة هذه المنظفات، ورغم الارتفاع الكبير في أسعار المنظفات بالسوق، إلا أنني لن أغامر بشراء هذه المنظفات.

ودللت رنا على موقفها بأنها مرة واحدة اشترت سائل جلي “فرط”، ولم تعد الكرة لأن السائل لم يعطي رغوة ولم يزل الدهون، بل تسبب بتخرش في يديها، مطالبة بتعزيز الرقابة التموينية على هذه المحال التي تبيع منظفات مجهولة المصدر.

“بيعة شعبية”

البيع بطريقة “الدوكما” تجاوز المنظفات ليطول المحارم والشامبو والبلسم، إذ قالت أم رامي (موظفة): بعد أن أصبح سعر علبة المحارم 9500 ليرة لم يعد بامكاني شراؤها، وأصبحت مجبرة على التوجه إلى المحال التي تبيع “الفرط” بوصفها الخيار الشعبي، حيث أشتري ب4000 ما يكفيني لأيام عدة.

  • “منظفات على قد مصرياتك”.. الحل الوحيد أمام المعترين للتحايل المعيشي على ارتفاع الأسعار

“جود بالموجود”، لم تكن تقصد بها سامية (موظفة) ما تريد شراءه، بل ما تملكه من مال، إذ قالت: أشتري ما أحتاجه من شامبو وبلسم بالكمية التي تتناسب مع المال الذي خصصته لشرائهما، تضيف: تشكيلة واسعة من الروائح لأنواع عدة من الشامبو، فقد جربت الشامبو أكثر من مرة ولم أجده يختلف عن الشامبو الذي يباع بعبوات نظامية في السوق.

ندى كان لها رأي آخر، إذ قالت إنها وقعت ضحية الغش والتدليس المستخدم في الشامبو والبلسم الذي يباع بطريقة الدوكما، شارحة إنها أرادت أن توفر وتجرب البلسم الذي استفاض طويلاً صاحب المحل وهو يشرح عن مزاياه بفرد الشعر وتنعيمه وتمليسه، حيث اقتنعت بشرائه، لتتفاجأ بأنه أعطى مفعولاً عكسياً على شعرها الذي أصبح بعد أول استخدام أجعداً.

صناعة منزلية

“ضرب شطارة”، هكذا تصف أم أمجد ما قامت به وهي تشرح كيف تعلمت من الإنترنت تصنيع سائل الجلي والكلور في منزلها، مضيفة: الذين يعملون في هذه المصلحة ليسوا خبراء كيميائيين وليسوا مشرفين على الإنتاج في معامل المنظفات، وإنما أشخاص عاديون تعلموا تصنيع المنظفات عن طريق الإنترنت الذي يقدم وصفة بالمواد الداخلة في عملية التصنيع ونسبها.

وأضافت: أصنّع منظفات كالتي تباع في المحال، وبات الجيران وأقاربي يطلبون مني ان أصنع لهم المنظفات وأتقاضى منهم فقط ثمن المواد التي استخدمتها في التصنيع، وتابعت: بهذه الطريقة أوفّر المال، وأضمن أنها مصنّعة بالنسب والتركيبات المطلوبة لتكون فعالة في التنظيف.

رواج كبير.. وزبائنه عامة الشعب

بدوره قال أبو نادر صاحب أحد المحال التي تبيع مواد التنظيف المصنعة يدوياً ل”تشرين”: أقوم بتصنيع المنظفات منذ أربع سنوات، والتي تتنوع بين سائل جلي وكلور ومعطّر، ضمن النسب المحددة لتركيب المنتج، من دون زيادة أو نقصان لتنافس مثيلاتها التي تصنع في المعامل.

ولم ينفِ أبو نادر قيام البعض بالغش والتدليس من خلال تخفيض كميات المواد الداخلة في التصنيع من باب التوفير، الأمر الذي يقلل من فعالية المنظفات مقارنة بالمصنعة في المعامل، مؤكداً أن هناك إقبالاً كبيراً من الزبائن بسبب سعرها المنخفض مقارنة بمواد التنظيف الأخرى الموجودة في الأسواق.

  • باعة يعتمدون في التصنيع على تركيبات وطرق موجودة على الإنترنت

من جهته، أكد شادي صاحب محل أنه يبيع المنظفات “فرط” للزبائن، لكنها مصنعة في المعامل نفسها التي تصنع العبوات التي تحمل ماركة معروفة، شارحاً: هناك معامل تبيع بطريقة الدوكما، حيث أشتري كيساً زنة 10 كغ من مسحوق الغسيل وأبيعه للزبون بحسب الكمية التي يحتاجها، ما يخفف عليه السعر الذي بات لا يتناسب مع دخل شريحة واسعة من المواطنين.

قليل الفعالية

الدكتور في الهندسة الكيميائية علي عبدالله أكد ضرورة تشديد الرقابة التموينية لعدم تصنيع أي نوع من المنظفات أو الشامبو من دون معرفة تامة بتركيبة المواد والنسب اللازمة في التصنيع، وخاصة أن نسبة كبيرة من الذين يعملون في هذه المصلحة، ليس لهم باع فيها وإنما خاضوا فيها بوصفها تجارة مربحة، وهم يعتمدون في التصنيع على تركيبات وطرق موجودة على بعض صفحات الإنترنت.

وحسب عبد الله، نسبة المادة الفعالة في المنظفات المصنعة يدوياً، قليلة، بدليل أنه عند شراء سائل جلي مجهول الاسم نجد أن المواد الفعالة فيه تقل عن 25%، بينما تؤكد الدراسات أن سائل الجلي يجب ألا تقل نسبة المواد الفعالة به عن 25%، بحيث يجب أن يكون قوي التنظيف، ويقوم بإزالة الدهون مع رغوة، وفي حال عدم توفر هذه الشروط، فإن سائل الجلي يعتبر مغشوشاً، وقد يتسبب بأمراض لليدين، مثل الأكزيما نتيجة التلاعب بمواصفات مسحوق الجلي.

ودعا عبد الله المواطنين إلى تجنب شراء المنظفات العشوائية مجهولة المصدر والتركيب، مطالباً مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبط المحال التي تبيع هذه المواد المخالفة للمواصفات لما لهذا الأمر من تأثير كبير على الاقتصاد الذي تأثر سلباً بسبب فقدان الثقة في المنتج المحلي.

أنواع رديئة من دون مواصفة من جهته، أكد رئيس دائرة حماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في اللاذقية رائد عجيب ل”تشرين” قيام باعة وورش صغيرة بتصنيع المنظفات يدوياً من دون موافقة ومخالفة بالمواصفات، وأضاف: بالنسبة لسائل الجلي والكلور تكون من الأنواع الرديئة وموادها غير فعالة، وبالنسبة لمسحوق الغسيل يتم إضافة الملح إليه، لأن الباعة لا يخسرون شيئاً فهم أولاً وأخيراً يبيعون مادة مخالفة من دون مواصفة وبلا اسم منتج.

وأكد عجيب أنه تتم مخالفة أي محل أو أي ورشة تصنّع المنظفات بطريقة يدوية لعدم وجود بطاقة مواصفة ومزاولة مهنة من دون ترخيص.

وأشار عجيب إلى أن هناك نسبة كبيرة من الباعة يشترون المنظفات من معامل وشركات تبيع منتجات بالجملة مصنعة نظامية وضمن المواصفات، وتعطي الباعة فواتير نظامية بالكمية واسم المصدر، مبيناً أن دوريات التموين ضبطت محال وورشاً غير مرخصة تبيع منظفات مصنعة يدوية من دون موافقة ومخالفة للمواصفات.

ودعا عجيب المواطنين إلى تجنب شراء مواد التنظيف من المحال، والإبلاغ عن أي محل أو اي ورشة تصنّع وتبيع المنظفات يدوياً.

صفاء اسماعيل

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]