حضن الخزينة..!؟

 

وتعطّلت لغة الكلام، إذ لم أجد في القواميس ما يفي الواقعة حقّها، وألطف ما يمكن استدراجه من مفردات وتراكيب تعقيباً على الأرقام الفجائعيّة التي أوردها وزير ماليتتا في عرضه للبيان المالي للحكومة ومشروع موازنة العام 2018 تحت قبة مجلس الشعب، بأنّها مخزية، ومشينة، وكارثيّة؛ ولاسيّما منها أرقام تحصيل الضّرائب من أصحاب الرّواتب من ذوي الدّخل المحدود؛ والمقدّرة حسب الوزير بمبلغ 33 مليار ليرة، مقارنة بمبلغ 43 ملياراً فقط !؟ من أصحاب الدّخول غير المحدودة؛  في القطاع الخاص، من كبار مستوردين ومصدّرين وتجار وصناعيين وحرفيين وأصحاب فعاليات ونشاطات اقتصاديّة متنوعة.

أرقامٌ تنمّ عن مأساوية واقع التّهرب الضّريبي، الذي شخّصه رئيس مجلس الوزراء ذات يوم، في ورشة عمل حكومية تحت عنوان “السياسة الضّريبية ودورها في التّنمية”؛  متسائلاً: لماذا يدفع الموظّف ضريبة أكثر من صاحب معمل؟ وهل سياستنا الضّريبية في المكان المناسب وتحقّق أهدافها؛ أم أنّها عبء على الحكومة والمواطن؟”.

في حين أوسٓعٓنا وزيرُ ماليتنا وعلى مدى أشهر خلت؛  تشديداً وتأكيداً أنّ “الوزارة لن تدّخر جهداً في النّظر في التّشريعات والقوانين الضريبيّة التي لم تعُد مقبولة والتي لم تعُد توائم المرحلة الحالية”، وهي تقوم على حدّ تعبيره بـ “إعادة النّظر في الكثير من التّشريعات والقرارات والتعليمات من أجل إعادة تصويب عملها، وبوصلتها في ذلك الحفاظ على حقّ الخزينة العامة من جهة والحرص على رفع الظّلم عن المواطن وتحقيق العدالة الضّريبية ما أمكن من جهة أخرى”. ليُفاجئنا الوزير وبعد عام من الانتظار؛ بأنّ ما سمعناه لم يكن إلّا مُعلّقات شعريّة ومصفوفات نثريّة، لا تغني ولا تسمن من جوع.

إذاً وبعد عام من الوعود المعسولة باجتراح مُسوّدة قانون ضريبيّ، عصريّ ورادع، ويحاكي القوانين النّظيرة في البلدان المتقدّمة؛ اعتمد الوزير أرقاماً ضريبيّة صادمة في بيان الموازنة تحت قبة البرلمان؛ ليعيدنا إلى نقطة الصّفر ولنكتشف سذاجة انتظارنا؛ الذي يمتاح من إيماننا باحترام الوعود والتّصريحات المسؤولة في كنف دولة المؤسسات!

وبالعودة إلى الرّقم الوزاري الضّريبي المقدّر بـ 43 مليار ومقارنته بالرّقم المقدّر بـ 400 مليار ليرة كحجم تهرّب ضريبيّ وفق اختصاصيّين أكاديميّين ورجال اقتصاد ومحاسبة ميدانيّين، يتبدّى لنا هول الفاجعة، التي تتلخّص رقميّاً بضياع أكثر من مليار ليرة يومياً على الخزينة العامة، تتمّ بالتّواطؤ بين كبار حيتان المكلّفين وبين بعض حرّاس الخزينة اللّصوص المؤتمنين على الاستعلام والتّحصيل الضّريبي!؟

والحال أنّه بات مُخزياً ومُريباً التّغاضي عن معالجة ملفّ التّهرّب الضّريبيّ وعقابيله الوخيمة على عمليّة التّنمية، بما هو  فصلٌ من معركتنا الكبرى مع الفساد _ إن لم نقل أهمّ فصولها_ والتي لا تحتمل هدر الوقت، أوالمماطلة والتّسويف.

فإعادة مليار ليرة كلّ مطلع شمس إلى حضن الخزينة؛ قضيةٌ وطنيّةٌ، تستحقّ مُساءلة الوزارة عن تلكّؤها، وقعودها دون المال العامّ المهدور في ساعتها الرّملية، بأيّامها، وسنيّها؟! وكذا فلكيّة خسائرنا التّرليونيّة؟!

أيمن علي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]