استبعاد ذوي الدخل المحدود من خانة زبائن القروض المصرفيّة..

 

غرد قرار مجلس النقد والتسليف الصادر مؤخراً والمتضمن لضوابط التسهيلات الائتمانية في المصارف العامة، خارج سرب الأهداف المصرفية والاجتماعية، وذلك لتخمته بجملة من ضوابط إدارة مخاطر الائتمان تساهم بشكل أو بآخر بتقييد العمل المصرفي، وخاصة المصارف المانحة لقروض الدخل المحدود والتي لها أثر كبير في تقليص فرص الحصول على قروض الدخل المحدود في حال تطبيقها، وتطال شريحة واسعة من المستفيدين من جهة، وحدت من نشاط المصارف المانحة لهذه القروض من جهة أخرى.

تحديد

فأولى الضوابط التي تصدرت القرار هو حظر التمويل من المصارف إلى الأماكن غير الآمنة أو غير المستقرة، والتي تبدو للوهلة الأولى أنها خطوة ضرورية للحد من القروض المتعثرة التي باتت من الملفات المعقدة خلال الأزمة أمام الحكومة، ولكن في ظل غياب تحديد رسمي لتلك الأماكن تدخل المصارف المانحة إشكالية إمكانية منح القروض أو عدمه في ظل المتغيرات على أرض الواقع، إذ يفترض – حسب بعض المصادر المصرفية- أن يكون هناك أدلة أو خرائط تبني عليها المصارف قراراتها بالإقراض أو عدمه من خلال تحديد الأماكن الآمنة بناء على تلك خرائط  معدة ومعتمدة من المحافظين في المحافظات لتلافي المخاطر المحتملة.

تقييد

وتضمن القرار جدولاً للحدود القصوى للمنح من إجمالي تسهيلات المصرف والتي حددت النسبة بـ 30% لتمويل الأنشطة الاستهلاكية “قروض الدخل المحدود”، ثم سمحت مادة أخرى بذات القرار بزيادة النسبة إلى 60%، وحسب مصادرنا فإن المشكلة لا تكمن بالتضارب بين النسبتين، بل في أن هذه الزيادة غير كافية في المصارف المانحة لقروض الدخل المحدود، إذ تفوق المحفظة البنكية لدى المصارف المعنية بهذا النوع من القروض هذه النسب وقد تصل إلى 90%، خاصة في ظل توقفها عن المنح خلال فترة الأزمة، مما أدى إلى وجود فائض من السيولة، وبالتالي يعكس القرار تقييد أو تجميد لنشاطات المصارف المانحة أولاً، وتراجع كتلة توظيف الأموال فيها ثانياً، وخاصة التي تنحصر قنواتها التوظيفية الأكبر بقروض الدخل المحدود والمعروفة بالقروض الآمنة، وقد تكون المخاطر فيها معدومة لوجود ضمانات قوية تتمثل بتعهد محاسبي الإدارات باقتطاع الأقساط من راتب المستفيد بالإضافة إلى وجود كفلاء مثبتين في الدولة، وفي حال تجاوز المصارف الحد الأقصى، فإنه -بحسب الأحكام العامة الواردة في القرار- تُمنح المصارف مهلة عام كامل لتسوية أوضاعها، وعلى كل مصرف تجاوزت تسهيلاته السقوف المحددة وفق توزع المحفظة، يمنع عليه منح أي قروض جديدة قبل بلوغه النسب المذكورة.

رصيد المكوث

تبدو أن المادتين المذكورتين آنفاً أثرتا بشكل مباشر على العمل المصرفي، ولكن تضمين القرار لما سمي بـ “رصيد المكوث” يزيد من تصلب القرار أمام من يحق له الاستفادة من قروض الدخل المحدود، إذ أنه يلزم طالب القرض بوجود رصيد مكوث يحتسب منه متوسط الرصيد ويصرف على أساسه مبلغ القرض الممنوح مضروباً بعشرين ضعفاً، وبهذا يكون القرار حرم جميع الموظفين الذين لم يتم توطين رواتبهم في المصارف، وليس لديهم حساباً بنكياً، ليخسروا فرصة الاستفادة من قروض الدخل المحدود، ولمن لا يعرف معنى رصيد المكوث نبين أنه “المدة التي تبقى فيها الأموال في الحسابات وتحتسب لمدة سنة، ويتضمن حساب المبلغ المتبقي في المصرف مضروباً بالمدة الزمنية لمدة المكوث، متضمنة مجمل حركات السحب والإيداع وتقسميها على عدد أيام السنة ليحتسب متوسط رصيد المكوث”.

حالات ضئيلة

والنقطة الثانية الأكثر أهمية أن الموظف الموطٍّن راتبه ضمن المصرف لن يستطيع ضمن الظروف المعيشية الصعبة أن يبقي راتبه أو جزء منه ضمن حسابه، وإن وجدت مثل هذه الحالات فإنها ضئيلة جداً، والمبلغ المتبقي أيضاً يكون جزء صغير جداً “مادون الألف ليرة” ويتم سحبه خلال أيام معدودة، وبالتالي في حال وجود حسابات صغيرة لا يستفيد المقترض إلا من مبالغ بسيطة، فلو افترضنا أن متوسط رصيد المكوث 5000 ليرة، فالقرار يقضي بمنحه مبلغ ناتج من ضرب متوسط رصيد المكوث بعشرين ضعف، يكون مبلغ القرض بمقدار 100 ألف ليرة فقط، أما في حال كانت القروض تمنح على أساس نسبة 40% من الراتب، فقد تصل قيمة القرض بهذه الحالة إلى 500 ألف ليرة، وهنا يمكن القول بأن الفائدة المرجوة من قروض الدخل المحدود معدومة ولا تؤدي الهدف المنشود منها للمقترض من جهة، ولها أثر سلبي على المصرف من جهة أخرى كونه يخفف من كتلة الأموال الممنوحة.

وبينت المصادر أن القرار أخرج البنوك المانحة لقروض الدخل المحدود من الدور الاجتماعي التي اضطلعت فيه منذ تأسيسها، بالإضافة إلى تراجع كتلة توظيف الأموال فيها، وتراجع إجمالي حجم القروض الممنوحة، والذي بالضرورة سيؤثر على الخطط المرسومة للبنوك، مشيرة إلى أن هذا القرار أكثر صوابية فيما لو طبق على القروض الإنتاجية التي تلزم جميع المستثمرين بوجود أرصدة لهم في البنوك كضمانات داعمة لسيولة البنك وضمانة للمخاطر المحتملة.

بناء ثقافة الادخار

ورجحت مصادرنا أن المبتغى من هذا القرار هو المحافظة على السيولة في المصارف –وهي بالعموم فكرة جيدة- ولكن الظروف المعيشية الصعبة جعلت من تطبيقه أمراً صعباً أمام الفئات ذات الدخل المحدود، إذ كان من المفترض تطبيقه من خلال بناء الثقافة الادخارية في المصارف التي يلزمها تمهيد، وبشكل تدريجي كونها تحتاج إلى فترة زمنية، بالإضافة إلى اعتمادها كخطة مستقبلية توضح الخطوات المطلوبة، لتشجيع الأفراد على الادخار بفتح حساب بنكي وادخار جزء منه لفترة تقارب السنة في المصرف، وبالتالي تستطيع المصارف تحقيق الهدف بإيجاد السيولة في المصارف واستفادة الأفراد من القروض.

 فاتن شنان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]