معطيات مستجدّة تتيح تحسين الوضع المعيشي للمواطن..

 

ثمة مؤشرات تصب باتجاه تعدد مصادر رفد الخزينة العامة للدولة، يتصدرها الإيراد المحقق من ملف إعادة النظر ببدلات العقارات الحكومية المؤجرة للقطاع الخاص والذي يناهز حتى تاريخه الـ20 مليار ليرة ومن المتوقع أن يصل إلى آلاف المليارات في حال تم إنجاز هذا الملف، إضافة إلى استرداد بعض المستحقات الحكومية من ملف القروض المتعثرة، وكذلك الإيراد المحقق من الصادرات إذ ارتفع مؤشر تغطية الصادرات للمستوردات للقطاع الخاص بنسبة 9% في العام 2016 عن العام 2015 ليبلغ 26% -حسب المذكرة الصادرة من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إلى رئاسة الوزراء- إضافة إلى ارتفاع مؤشر شروط التبادل التجاري TOT “غير النفطي” بنسبة 23.5% في العام 2016 عن العام 2015 والذي بلغ 100.7%، في حين بلغ المؤشر للربع الأول من العام 2017 ما يعادل 104% وبارتفاع قدره 2.95% عن العام 2016، والذي يعود إلى تحسن وارتفاع أسعار الصادرات السورية نتيجة رفع الأسعار الاسترشادية لبعض المواد التي لها ميزة نسبية في الصادرات السورية بشكل خاص، وإلى انخفاض أسعار الواردات من العالم، ومن المتوقع تحقيق ارتفاع ملموس في الأرقام القياسية لأسعار الصادرات خلال الفترة القادمة. وبينت المذكرة أيضاً انخفاض العجز بالميزان التجاري في العام 2016 بقيمة 826 مليون يورو عن العام 2015.

أدوات

إلى جانب ما سبق أيضاً لا بد من الإشارة إلى بعض الوفورات المحققة جراء ضغط النفقات وضبط الهدر، ونذكر هنا الـ6 مليارات المحققة جراء تطبيق البطاقة الذكية على وقود السيارات الحكومية. يضاف إلى ذلك إمكانية لجوء الحكومة إلى أدوات تتواءم مع المرحلة كطرح سندات الخزينة الكفيل بتقوية موقفها المالي والاستثماري كما سبق وأشرنا في أكثر من مناسبة. وهناك أيضاً قناة الضرائب ذات الأهمية الكبرى لموارد الخزينة والتي لم تضطلع الحكومة بعد باتخاذ إجراءات صارمة تجاه التهرب الضريبي والبالغ وفقاً لبعض التقديرات نحو 400 مليار ليرة سنوياً.

عتبة

إذاً نحن على عتبة وضع مالي جيد كفيل بتعزيز القدرة الشرائية إذا ما تمت المعالجة الفعلية لمسألة ارتفاع الأسعار، خاصة وأن أسعار بعض السلع خلال الفترة الماضية ارتفعت بنسبة تجاوز بعضها الـ29% كالبيض مثلاً، ولحم الغنم البلدي بنسبة 9.4%، والدقيق بنسبة 2.3% وغيرها من السلع الأساسية، وفقاً لبعض التقارير الرسمية الحكومية  ما ينذر بالتالي بأن السوق مهدد بالخروج عن السيطرة، علماً أن سعر الصرف بدأ يشهد تحسناً ملحوظاً بعد مضي عام ونيف على استقراره، ما يشي بالمحصلة أن ثمة ما يشي بخلل ما في هذا الخصوص، وبالتالي معالجة هذا الخلل يتطلب بالدرجة الأولى تحقيق الاستقرار لسلة المستهلك اليومية خاصة الزراعية منها والمنتجة محلياً وبيعها بسعر توازني مناسب يحقق مصلحة المنتج والمستهلك معاً.

مقترح

ونسوق في هذا المقام مقترح أوردته نشرة تحليلية ترصد تطور أهم أسعار السلع الاستهلاكية ومواد البناء بشكل شهري، يحقق استقرار مادة البيض الذي ارتفع إلى مستوى قياسي خلال فترة وجيزة، ويمكن تعميمه –أو الاستئناس به – على بقية المواد، ويتمحور مقترح هذه النشرة الصادرة عن مديرية دعم القرار في الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، بوضع آلية للتنسيق المستمر بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الزراعة، لدراسة حجم العرض والطلب المتوقع لهذه السلعة على مدار العام، بما يسمح بالتخطيط المسبق لعمليات الإنتاج، وتشكيل وحدة تنظيمية تتبع فنياً لوزارة الزراعة تتولى مسؤولية تنظيم عمل المداجن “إنتاج البيض والفروج”، والعمل على بناء نظام معلومات للإنذار المبكر عن تغيرات أسعار السلع الأساسية، ترتبط به مديريات حماية المستهلك في المحافظات، بحيث تتم عملية إدخال البيانات الخاصة بالسلع الأساسية، بصورة مباشرة وإجراء العمليات الحسابية اللازمة، وتزويد متخذي القرار في الجهات المعنية بصورة فورية بالتطورات المستجدة في أسعار السلع الأساسية، وهذا من شأنه المساعدة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط الأسعار في الوقت المناسب، إضافة إلى تشديد الرقابة من قبل الجهات المختصة لمنع تهريب السلع الاستهلاكية من وإلى خارج القطر.

توازن نسبي

وبموجب المنطق الاقتصادي فإن ضبط الأسعار هو أبرز عوامل تعزيز القدرة الشرائية، يتفق العديد من خبراء الاقتصاد مع هذا الطرح، إلا أنهم يعتبرون في الوقت ذاته أن هذا الأمر يتطلب بالضرورة تثبيت عناصر الإنتاج الحقيقية وخاصة حوامل الطاقة، واستمرار الدعم الحكومي. وهذا بالطبع لا يعني الشد من أزر الحكومة تجاه عدم رفع الرواتب والأجور، بقدر ما يعني أن أية زيادة في الرواتب والأجور (الطلب الكلي) يجب أن تترافق مع زيادة بالمنتجات والخدمات (العرض الكلي)، فعدم تحقيق هذه المعادلة يعني حكماً ارتفاعا بأسعار السلع والخدمات، وبالتالي قد ندخل بحلقة مفرغة من زيادة الدخول الاسمية، وارتفاع بالأسعار، أي أن الزيادة تكون بالنتيجة شبه معدومة على المستوى الحقيقي في إطار ارتفاع المستوى العام للأسعار بنسبة تفوق زيادة الدخول الاسمية. وبموجب هذا المنطق تأتي الرؤية الحكومية المتمثلة بأهمية تحريك مستوى الطلب الكلي (زيادة الرواتب والأجور) تدريجيا وتزامنا مع دوران العملية الإنتاجية، بحيث يحدث توازن نسبي بين تحسن المعروض من المنتجات في السوق من جهة، وتمكين المواطن السوري من تحسين قوته الشرائية من جهة أخرى.

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]