مواجهة مع الشيطان..بقلم: ناظم عيد

مواجهة مع الشيطان

 

 

لم نكن ننتظر تلميحات إحدى محطات التلفزة “الإسرائيلية” بشأن استعدادات تجري هناك لدخول الأراضي السورية انتصاراً للجماعات الإرهابية المسلحة في مواجهة الجيش السوري والأهالي الصامدين، لنتأكد من أننا في خضم ّحربٍ تكاد تكون مباشرة مع “إسرائيل” بوصفها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم، بالتالي نحن في حالة مواجهة مع أمريكا.

رغم أن عبارة “حرب سورية-أمريكية” لم تكن واردة في أذهان قارئي الأفق السياسي يوماً، حتى في أكثر سنوات التصعيد مع أكبر قوة عسكرية في هذا العالم، ولم تقلل مجريات بدايات ثمانينيات القرن الماضي على الأرض اللبنانية من صعوبة استيعاب المدلولات المباشرة لمثل هذه الجملة لما تنطوي عليه مما يشبه الفانتازيا السياسية، رغم المسافة متناهية الصغر التي بالكاد كانت تفصل المدمرة “نيوجيرسي” عن وحدات الجيش العربي السوري المرابطة دفاعاً عن لبنان.

إلّا أننا نجد أنفسنا الآن أمام مشهد عام، تؤكد مجرياته حالة الحرب السورية-الأمريكية ، تسقط أمامها كل الأحاديث عن تفاصيل التسويات، ونجزم بغياب أي طرف من قائمة الشركاء في الحرب على سورية، قادر على اتخاذ قرار بالحوار أو بصياغة توطئات للحل، لا في أوروبا ولا في المضمار العربي، لا سيما في الخليج، أو حتى هنا على المستوى المحلّي بين من أدرجوا أنفسهم في قائمة “المعارضة الجوالة” في عواصم الترف وفنادق التصعيد الكلامي.

من هنا يبدو على العالم التسليم بأن صراع سورية ليس مع إرهاب، بل مع ظاهرة من إنتاج المخابر الأمريكية، تماماً كما تمّ إنتاج الجائحات الفتاكة التي شغلت الكون، ولم يكن أقلها “جنون البقر” وربما لن يكون آخرها “انفلونزا الخنازير”، وبأن صراعنا ليس مع إرهاب مقصود لذاته، بل مع أذرع للجسد الأمريكي، فالحكاية لا يمكن أن تُختزل بتحليلات تركز على الجزئيّات وتترك البعد الاستراتيجي للمسألة.

أكثر من ذلك قد يكون علينا البوح بقناعات تبلورت على مر سني الصراع مع “إسرائيل”، ترى أن هذه الأخيرة لم ترقَ إلى مستوى الكيان، بل هي مجرّد قاعدة عسكرية أمريكية مأهولة في منطقة الشرق الأوسط، وهي الأكبر بين مستنسخاتها في “مضارب” آل سعود وآل ثاني وحيث اقتضت مصالح سيناتورات الولايات ووزراء الفيدرالية الأمريكية، وهذا يعني أننا في مواجهة مع أمريكا منذ عقود وليس مع مجرد “إسرائيل”، ويعني أيضاً أن لصمودنا الطويل دلالات أرفع وأرقى مما نتخيّل.

في “ميدانيات” حربنا مع الإرهاب تفاصيل تملي على المجتمع الدولي إعادة الحسابات في توجهاته المزعومة نحو مكافحة الإرهاب، والإقلاع عن مضيعة الوقت في صياغة القرارات وإعداد التصنيفات للجماعات الإرهابية التي تخرّب في الداخل السوري، فحتى داعش المستهدفة –استعراضاً– بطائرات التحالف تقاتل بأسلحة شمال أطلسية خالصة، النسبة الغالبة عليها أمريكية و”إسرائيلية” الصنع، فلتُوجه العناية نحو واشنطن، التي ضجّت وضجّ معاً العالم ببيانات أوباما في حملته الانتخابية في العام 2008 عندما كان يتحدّث عن سحب الجنود الأمريكيين من مناطق “التوتر” وعدم جدوى التدخل البري، وها هو يفي بوعوده لكنه استبدل الجندي الأمريكي بإرهابي محلّي أو آخر لفظه مجتمعه، والأمثلة في سورية والعراق تكذّب كل من ينفي.

وعلينا ألا ننسى أن المدمرات الأمريكية غادرت شواطئ لبنان منذ الثمانينيات تحت ضربات المقاومة الشعبية والجيش العربي السوري، كما نذكر الجملة التسويغية الشهيرة للهروب التي أطلقها رونالد ريغان حينها: “ماذا أفعل مع شعب يهجم على الموت”، وفي العراق تكفلت المقاومة الشعبية بإنهاء الاحتلال الأمريكي المباشر.

والآن نجزم بأن انكفاء أمريكا ممثلة بكل أذرعها في سورية، لن يكون عبر الرهان على صحوة ضمير، ولا إلحاح رأي عام لا في الولايات الـ50 ولا في أوروبا، بل عبر المقاومة الشعبية التي تنافح عن كامل الجغرافيا السورية مع الجيش العربي السوري يداً بيد، والتجارب القريبة أكدت هذه الحقيقة، كما أكدت أن “استقبال الموت خير من استدباره”.

 

بقلم: ناظم عيد

لم نكن ننتظر تلميحات إحدى محطات التلفزة “الإسرائيلية” بشأن استعدادات تجري هناك لدخول الأراضي السورية انتصاراً للجماعات الإرهابية المسلحة في مواجهة الجيش السوري والأهالي الصامدين، لنتأكد من أننا في خضم ّحربٍ تكاد تكون مباشرة مع “إسرائيل” بوصفها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم، بالتالي نحن في حالة مواجهة مع أمريكا.

رغم أن عبارة “حرب سورية-أمريكية” لم تكن واردة في أذهان قارئي الأفق السياسي يوماً، حتى في أكثر سنوات التصعيد مع أكبر قوة عسكرية في هذا العالم، ولم تقلل مجريات بدايات ثمانينيات القرن الماضي على الأرض اللبنانية من صعوبة استيعاب المدلولات المباشرة لمثل هذه الجملة لما تنطوي عليه مما يشبه الفانتازيا السياسية، رغم المسافة متناهية الصغر التي بالكاد كانت تفصل المدمرة “نيوجيرسي” عن وحدات الجيش العربي السوري المرابطة دفاعاً عن لبنان.

إلّا أننا نجد أنفسنا الآن أمام مشهد عام، تؤكد مجرياته حالة الحرب السورية-الأمريكية ، تسقط أمامها كل الأحاديث عن تفاصيل التسويات، ونجزم بغياب أي طرف من قائمة الشركاء في الحرب على سورية، قادر على اتخاذ قرار بالحوار أو بصياغة توطئات للحل، لا في أوروبا ولا في المضمار العربي، لا سيما في الخليج، أو حتى هنا على المستوى المحلّي بين من أدرجوا أنفسهم في قائمة “المعارضة الجوالة” في عواصم الترف وفنادق التصعيد الكلامي.

من هنا يبدو على العالم التسليم بأن صراع سورية ليس مع إرهاب، بل مع ظاهرة من إنتاج المخابر الأمريكية، تماماً كما تمّ إنتاج الجائحات الفتاكة التي شغلت الكون، ولم يكن أقلها “جنون البقر” وربما لن يكون آخرها “انفلونزا الخنازير”، وبأن صراعنا ليس مع إرهاب مقصود لذاته، بل مع أذرع للجسد الأمريكي، فالحكاية لا يمكن أن تُختزل بتحليلات تركز على الجزئيّات وتترك البعد الاستراتيجي للمسألة.

أكثر من ذلك قد يكون علينا البوح بقناعات تبلورت على مر سني الصراع مع “إسرائيل”، ترى أن هذه الأخيرة لم ترقَ إلى مستوى الكيان، بل هي مجرّد قاعدة عسكرية أمريكية مأهولة في منطقة الشرق الأوسط، وهي الأكبر بين مستنسخاتها في “مضارب” آل سعود وآل ثاني وحيث اقتضت مصالح سيناتورات الولايات ووزراء الفيدرالية الأمريكية، وهذا يعني أننا في مواجهة مع أمريكا منذ عقود وليس مع مجرد “إسرائيل”، ويعني أيضاً أن لصمودنا الطويل دلالات أرفع وأرقى مما نتخيّل.

في “ميدانيات” حربنا مع الإرهاب تفاصيل تملي على المجتمع الدولي إعادة الحسابات في توجهاته المزعومة نحو مكافحة الإرهاب، والإقلاع عن مضيعة الوقت في صياغة القرارات وإعداد التصنيفات للجماعات الإرهابية التي تخرّب في الداخل السوري، فحتى داعش المستهدفة –استعراضاً– بطائرات التحالف تقاتل بأسلحة شمال أطلسية خالصة، النسبة الغالبة عليها أمريكية و”إسرائيلية” الصنع، فلتُوجه العناية نحو واشنطن، التي ضجّت وضجّ معاً العالم ببيانات أوباما في حملته الانتخابية في العام 2008 عندما كان يتحدّث عن سحب الجنود الأمريكيين من مناطق “التوتر” وعدم جدوى التدخل البري، وها هو يفي بوعوده لكنه استبدل الجندي الأمريكي بإرهابي محلّي أو آخر لفظه مجتمعه، والأمثلة في سورية والعراق تكذّب كل من ينفي.

وعلينا ألا ننسى أن المدمرات الأمريكية غادرت شواطئ لبنان منذ الثمانينيات تحت ضربات المقاومة الشعبية والجيش العربي السوري، كما نذكر الجملة التسويغية الشهيرة للهروب التي أطلقها رونالد ريغان حينها: “ماذا أفعل مع شعب يهجم على الموت”، وفي العراق تكفلت المقاومة الشعبية بإنهاء الاحتلال الأمريكي المباشر.

والآن نجزم بأن انكفاء أمريكا ممثلة بكل أذرعها في سورية، لن يكون عبر الرهان على صحوة ضمير، ولا إلحاح رأي عام لا في الولايات الـ50 ولا في أوروبا، بل عبر المقاومة الشعبية التي تنافح عن كامل الجغرافيا السورية مع الجيش العربي السوري يداً بيد، والتجارب القريبة أكدت هذه الحقيقة، كما أكدت أن “استقبال الموت خير من استدباره”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]