33.4 % من السوريين فقدوا أمنهم الغذائي و 51 % مهدّدون…وتفاصيل لا تدعو للاسترخاء…

دمشق – الخبير السوري

تركت “فجوة الرقم” التي تعترينا اليوم ، الباب مفتوحاً أمام تدفقات إحصائية يتلقفها المنتظرون لأي معطى جديداً بشأن خبايا ما تركته الأزمة في العمق الاجتماعي والاقتصادي السوري.

في فضاء هذه الهوّة الواسعة يتصدّى  مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” لمهمة إعداد وجبة دسمة من أرقام طالما تعطش إليها الإعلامي قبل الباحث، بعد انكفاء المكتب المركزي للإحصاء عن الساحة الإحصائية خلال السنوات الأخيرة، فرغم ما تعكسه هذه الأرقام من سوداوية للمنظور الكلي للأمن الغذائي في سورية، إلا أنها في النهاية واقع لابد لنا إدراكه حتى نستطيع اجتراح آليات للتعاطي عسى أن نضع حداً لتدهورها مبدئياً على الأقل، كخطوة نحو تخفيض حدتها لاحقاً..!.

فإذا ما علمنا أن 33.4% من سكان سورية فاقدون لأمنهم الغذائي، و51.6% منهم معرض لفقدان هذا الأمن، وأن 15.6% فقط يتمتعون بالأمن الغذائي، فذلك يعني أننا أمام تحد يستوجب إعادة النظر بكل السياسات الاقتصادية، وتحديد الأولويات القطاعية بدقة متناهية، وحشد الإمكانيات القصوى باتجاه تفعيل الإنتاج الحقيقي، والبعد كلياً عن نظيره الريعي.

وما خلصت إليه ورشة العمل -التي أقامها مركز مداد حول سلسلة قضايا التنمية البشرية وأطلق اليوم العدد الأول منها بعنوان “الأمن الغذائي في سورية –منظور كلي”- من ضرورة التوجه نحو سياسات بديلة لاستعادة الأمن الغذائي، يضع جميع المكونات الاقتصادية الخاصة قبل العامة، على محك الاضطلاع بمسؤولية العمل على خفض معدل الفقر الغذائي وكذلك خفض معدلات سوء التغذية عامة، وخاصة للفئات الهشة من السكان كالأطفال.

وتعود أسباب تدهور الأمن الغذائي في سورية إلى تراجع إنتاج الحبوب بوسطي سنوي يقارب نحو 8.6% بين عامي 2011 و2015، وذلك وفقاً للتقرير الذي عرضه رئيس قسم الدراسات الاجتماعية والثقافية في المركز الدكتور كريم أبو حلاوة، والذي أشار إلى معاودة الإنتاج للارتفاع عام 2015 بنحو 2.9 مليون طن، إضافة إلى عجز القطاع الزراعي عن توفير الاحتياج من مادة القمح إذ زاد الاعتماد على العالم الخارجي حتى وصل إلى 46% عام 2014، إلى جانب تضرر الإنتاج من العدس بشكل كبير طوال فترة الأزمة وانخفاضه بمقدار 39% بين عامي 2011 و2015، بسبب خروج مساحات واسعة من الإنتاج لوقوعها في مناطق مضطربة، وخاصة في حلب وإدلب، وكذلك تضرر إنتاج محصول الحمص بنحو 51.4% بعد انخفاض المساحات المزروعة منه إلى 40%.

يضاف إلى ما سبق انخفاض أعداد الثروة الحيوانية بنسبة 30% من المواشي، و40% من الدواجن، لاعتبارات تتعلق بالتهريب إلى الدول المجاورة أو قتلها وذبحها بشكل عشوائي، ولعل اللافت في هذا السياق ما أشار إليه التقرير من أن ارتفاع أسعار الأعلاف واللحوم ينبئ باحتمال تفاقم واستمرار تدهور واقع الثروة الحيوانية، ما يستوجب بالضرورة اتخاذ التدخلات المناسبة لتنميتها، ومواجهة العوامل المضادة التي أثرت بها. كل ذلك أدى بالنتيجة إلى توسيع دائرة الأسر الفاقدة للأمن الغذائي، بعد أن أصبح شراء الأسر لطعامها خاصة الأرز والطحين مكلفاً للغاية. وبرر التقرير ارتفاع نسبة المستوردات الغذائية من إجمالي المستوردات إلى 42% عام 2013 في ضوء ارتفاع فجوة الاكتفاء الذاتي من السلع.

وخلص التقرير إلى جملة توصيات كفيلة بتوسع دائرة الأمن الغذائي في سورية، يتصدرها ترتيب أولويات الإنتاج الزراعي بما يتناسب مع مراحل التنمية المستقبلية، وإعادة النظر في سياسات الإصلاح الزراعي والتحول من التوسع الأفقي إلى التكثيف العمودي، وتحسين الإنتاج الذاتي للأسرة، وزيادة إنتاجية وحدة المساحة. وإعطاء الإنتاج الصناعي الغذائي الأولوية بواسطة توجيه الاستثمارات نحوه. وإعادة توازن خارطة التوزع الصناعي بما يحقق اكتفاء ذاتي على مستوى الإقليم.

وفي مجال التجارة الخارجية أوصى التقرير بتحديد سلة الاستهلاك الرئيسة للمواطنين وتقدير الفجوة المطلوب تغطيتها بوساطة استيراد مواد هذه السلة، وتحديد الفائض من المنتجات الغذائية وإيجاد أسواق لتصديرها. وفيما يتعلق بالأسعار ركز التقرير على إعادة هيكلة الدعم من منظور شامل واضح الأهداف والأدوات وتوجيهه نحو الفئات الأكثر حاجة.

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]