حقائق البعد الثالث في جنيف3 …بقلم: ناظم عيد

“مع من سنتفاوض…؟!!” لعله السؤال البدهي والمفاجئ – الموضوعي والمُحرج في آنٍ معاً، الذي تلقّاه ستيفان دي ميستورا، من رئيس وفد الدولة السورية إلى جنيف3، وحسب الوسيط الدولي مصداقيةً أن يُوفّق ويدفع بإجابة شافية اليوم كما وعد، لأن “نصائحه بالصبر” لا تبشّر بأن لديه ما يقوله، سيما بعد اعترافاته الواضحة “جئنا للبحث في حل الأزمة من دون تدخل خارجي، والبحث في آلية الخروج من الحرب، لكننا لم نجد الطرف الآخر”!!..
والحقيقة أن تساؤل “وفد سورية” يلخص مجمل الإشكاليات والتناقضات التي تغلّف المناسبة، لجهة الجدل حول الأطراف المشاركة، والأصابع التي دخلت على خط البحث والقرار بشأن هوية المشاركين، وقد لا يكون من قبيل التهكم القول: يكفي جنيف3 نجاحاً، أن يحصد توافقاً وبلورةً بين الذاهبين لـ “التفاوض” مع وفد الجمهورية العربية السورية، أي ليتفاوضوا فيما بينهم أولاً قبل التنطح للحديث مع الآخر!.
والحقيقة أيضاً أن عدم التوافق بين “أطراف المعارضة” يلخص بدوره تفاصيل مشهد التنازع بين داعمي الإرهاب في الحرب على سورية، وفقاً لأجندات مصالح تتبع خصوصية كل طرف، فإن اتفق السعودي والقطري على العداء لسورية، لا يعني أنهم متفقان على الأهداف ببعدها التفصيلي، والحال ذاته بين السعودي والتركي، كذلك بين كل هؤلاء والأميركي… فأي كذبة هذه التي علينا تصديقها في مزاعمهم بخصوص السعي للحل في سورية، غير ذلك الهدف الذي لم يُفلحوا في تحقيقه بقوة السلاح والتخريب ومحاولة نشر الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية، ويبدو أنهم اقتنعوا شكلاً بتجريب المناورة السياسية.. على الأقل بما يمكنهم من تعطيل أية بوادر إيجابية تلوح في الأفق؟.
يُقال: إن السعودي أذعن للأميركي على مضض، وأرسل “وفده” متمتماً مهمهماً ومازال يعاني من ضياع البوصلة في دهاليز جنيف.. لكن لماذا لم يأتِ الإيعاز الأمريكي إلى التركي مثلاً، الذي اعتبر “كل المشاركين في جنيف3 خونة” وناصب حضور فريق بعينه العداء انطلاقاً من اعتبارات مصلحية ببعد تاريخي..
وإن تظاهر السعودي بالمرونة، يمسي على التركي إعلان التعنت بموجب السيناريو الأميركي، الذي يعني أن واشنطن تمضي في مسلسل مناوراتها المريب، وتُسقط على الأرض تجليات سياستها التقليدية المرتكزة على زرع الشقاق والتأسيس لبؤر توتر مُستدامة في المناطق الواقعة ضمن أجنداتها المستقبلية، أو الأخرى التي خاضت فيها تجارب من نوعٍ ما، العراق مثالاً وقبله أفغانستان والآن سورية، فإن وافقت مرغمة بإملاءات واقعية على التمهيد لحل سياسي، تسعى في الجهة الأخرى لإنتاج حل “مُفخخ” جاهز للانفجار في أي وقتٍ تراه مناسب.
والأكيد حالياً من خلال الأجواء المحيطة بجنيف3، من المقدمات وصولاً إلى ما آلت إليه الأمور الآن، أن المصالح الأميركية لم تنضج بعد، والمطلوب تفريغ اللقاء من مضامينه، والأرجح أنها وافقت وأوعزت للرياض بإرسال الوفد الذي يحمل اسمها، لخلط الأوراق وبعثرة الجهود وليس لإجراء محادثات تمهد لحل سياسي بعيداً عن الخيارات العسكرية، وقد تكون الاشتراطات “الملغومة” هي الفتيل المراد استخدامه لإفشال المساعي الأممية، وإبطال مفاعيل القرار الدولي رقم 2254.
على كل حال هي تجربة تؤكد أننا في سورية لا نقاتل مجرد عصابات إرهابية، بل نحن في مواجهة مع قوى عظمى تقاتل بهذه الأذرع والأدوات، وها نحن نستنتج أننا مطالبين بمفاوضات ليس مع معارضة سورية، بل مع الأطراف الدولية ذاتها التي تواجهنا عبر “الوسيط” الإرهابي، ليبقى التساؤل مفتوحاً عن المكان الأمثل للحوار السوري-السوري الحقيقي؟.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]