“نعمة”العقوبات الاقتصادية إشعارٌ بنهاية زمن “تقاعدنا الاقتصادي المبكر”… ومعاودة الانتعاش ممكنةٌ لكن بشروط..؟؟

الخبير السوري:
تركت سنوات الانفتاح الاقتصادي الماضية خلفها صناعة وطنية هزيلة غير قادرة على المنافسة المتكافئة، وهذا ما جعل من سورية معبراً مريحاً للبضاعة الأجنبية، لأن تحرير الاقتصاد قبل تمكين الصناعة قد أضر بالمنتج الوطني، وأخرجه من سوقه الطبيعية، وميزان التبادل التجاري مع تركيا ومصر وغيرهما من الدول خير شاهد بالتأكيد، فبضاعتهم غزت أسواقنا بزمن قياسي، ليبقى ميزاننا التجاري معهم خاسراً، ولكن، ولسخرية القدر، ما أتى بقرار حكومي في السابق، وأضر بالصناعة الوطنية، جاء اليوم بعقوبات اقتصادية خارجية، لتعطل كل شراكاتنا وانفتاحنا الاقتصادي السابق مع العديد من الكتل الاقتصادية، وهذا ليس بالأمر السلبي بالمطلق على الاقتصاد الوطني، فـ”ربّ ضارة نافعة”، لأن خلفنا صناعة وطنية يجب إعادة الاعتبار لها، ولكن إذا ما أحسن السوريون استغلال العقوبات الحالية لتفعيل طاقاتهم وثرواتهم الداخلية، وبناء الهوية المتميزة والمنافسة لمنتجهم الوطني..

امتحان
العقوبات الاقتصادية بقدر ما هي مضرة بالاقتصاد، فإنها ستشكل فرصة مؤاتية لاستغلال طاقاتنا الاقتصادية الداخلية، فنحن أمام واقع اقتصادي جديد، سيفرض انسياباً محدوداً للسلع الأجنبية القادمة للسوق الداخلية كماً ونوعاً، وهذا سيضع على كاهل صناعتنا الوطنية أعباء تأمين حاجات السوق المحلية بالدرجة الأولى، وتحسين وتطوير إنتاجها لاختراق أسواق عالمية بالدرجة الثانية في المستقبل القريب، فالمنتج المنافس يخترق أية عقوبات مفروضة، بما أن الاستفادة الإيجابية من العقوبات الحالية أمر لا مفر منه، إذا ما أردنا بناء اقتصاد وطني متين انطلاقاً من إمكاناته الذاتية، وهذا ما دفع د. موسى الغرير أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق وفي تصريح إعلامي في بدايات إعلان العالم لحصاره لنا، لاعتبار أن “الجميع أمام امتحان حالياً، فالمنتجات السورية لم تعد أمام منافسة خارجية، ولذلك يجب إعادة النظر بطريقة وأسلوب الإنتاج الوطني، وتخفيض تكاليف الإنتاج، وتحسين نوعيته، والذي أصبح أمام تحدي تلبية متطلبات المجتمع السوري المتزايدة عليه، ولكن لا يمكن التعامل مع هذا الجانب بأحادية، وأول ما يجب أن نفكر به هو منع الاحتكار ومحاسبة المحتكرين، لأن الاحتكار ينمو في مثل هذه الأوساط، فكما يجب التأكيد على دعم الإنتاج المحلي، وتوفير متطلبات تطويره، فإنه يجب مراقبة الأسعار، للحد من الفساد سواء في المؤسسات العامة أم الخاصة”..
فرصة
دول عديدة سبقتنا إلى حصار مشابه من دول العالم، ولكن تجارب بعضهم كانت نموذجاً يمكن الاستفادة منه، فالاتحاد السوفييتي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى، والحصار الأوروبي الحديدي كان مفروضاً عليه، وكانت الغاية خنقه، ولكن، وبعد عشرين عاماً فقط انتقل الاتحاد السوفييتي من بلد زراعي إلى دولة صناعية يحسب حسابها، وكذلك هو حال النموذج الإيراني، الذي تجاوز العقوبات ببناء دولة صناعية، “فالضربة التي لا تقتلك تزيدك قوّة”، وهكذا كان حال هذين النموذجين مع العقوبات، فالفرصة الحالية مؤاتية بالتجربة لتحسين الصناعة والمنتج الوطني، ولكن المشككين بالقدرة على الاستفادة من هذه الفرصة كثر، ولهم أسبابهم ومبرراتهم في ادعائهم هذا، حيث أشار أستاذ اقتصاد آخرفي جامعة دمشق، إلى أن هذه “العقوبات فرصة تاريخية أمام الصناعة السورية لإعادة ترتيب أولوياتها، لكنه كان متشائماً نوعاً ما وقال: لا أتوقع استغلالها، ولا أرى أية مؤشرات ايجابية على هذا الصعيد، فالقطاع الخاص سيستفيد منها في زيادة أسعاره”..

إعادة اعتبار
صناعات وطنية بالجملة أخرجتها سنوات الانفتاح الاقتصادي، التي وضعتها في ظروف منافسة غير متكافئة مع منتج وافد إلى أسواقنا على صهوة الاتفاقيات الثنائية، ومعاهدات التبادل التجاري الحرة، لتحيل إنتاجنا الوطني إلى التقاعد المبكر، وهذا لم يكن من محض اختياره، بل أجبر على الاستسلام لهذا الواقع، فمن صناعة النسيح التي أغلقت 30% من ورشاتها ومصانعها الصغيرة في سنوات الانفتاح القليلة الماضية، لتخسر بسببها الأسواق الخارجية أيضاً، مروراً بصناعة الموبيليا التي يشتهر بها ريف دمشق، فبلدات عدة امتهنت العمل بها، إلا أن الاستيراد أغلق عشرات الورش في سقبا، وحمورية التي تعاني الإرهاب أيضاً في المرحلة الراهنة، وغيرها من البلدات السورية، التي غزاها المنتج التركي في عقر دارها، وصولاً للأدوات الكهربائية التي امتلأت أسواقنا بأنواعها من بلدان منشأ كثيرة، فقائمة صناعتنا المتضررة تقول، ونحن لسنا هنا بصدد البكاء على أطلال صناعتنا الوطنية، بل إننا المتأملون أن تعيد العقوبات الاقتصادية الحالية صناعاتنا الوطنية الناشئة إلى مكانها الطبيعي (السوق المحلي)، وإلى أسواقها التاريخية، التي حرمتها منها اتفاقيات التجارة الحرة، وقرارات الانفتاح الاقتصادي.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]