الإرهـاب صـراخـاً!…بقلم: ناظم عيد

لا يبدو مؤثراً حجم الصراخ الذي تمّ توزيعه على مسامع العالم بشأن “المُحاصرين” في بلدة مضايا، بقدر ما هو سفيه، ولو تظاهر ذوي المصالح من تضخيم صدى التباكي بالاقتناع والتعاطف ورفع الصوت تماهياً مع جوقة “عساها تصيب ولا تخيب”.
فلن نكرّر ما قاله أحد المحللين على شكل تساؤل تهكّمي يستغرب من قدرة الإرهابيين على إدخال السلاح إلى المناطق المحاصرة وتظاهرهم بالعجز عن إدخال الغذاء والدواء، وإثارة كل هذا اللغط حول قضيّة تم إلباسها ثوباً إنسانياً فضفاضاً؟.
بل يبدو علينا عدم فصل الحالة عن السياق العام وخصوصية المرحلة، لأننا كنا –تماماً- إزاء توظيف بغيض للبعد الإنساني “المفبرك” في حيثيات اشتباك عسكري وسياسي، بدت ملامح الحسم فيه لا كما تشتهي سفن المتأبطين شراً بسورية، إن هنا في الداخل أو هناك في الخارج، القريب منه والبعيد.
هي فصول اختصار لمفردات يأس تقليدية تلجأ إليها المجموعات الإرهابية المسلحة عادةً عندما تفشل وتتقهقر عسكرياً، لتتمترس خلف دروع بشرية، لا فرق إن كانت جائعة أم متخمة، ولا نعتقد أن من سبيل باقٍ أمام الأذرع الهدامة للخارج، وهي على أبواب أروقة سياسية يبدو أنها ستُحشر فيها عمداً، سوى ابتزاز من يلزم بالورقة الإنسانية، واستحضار صور أشباه الأموات من بلدان الأزمات والمجاعة الحقيقية، وحشدها أمام الرأي العام العالمي على أنها لسوريين “أكلهم” الجوع، استعطافاً وتحويلاً للانتباه عن أبشع أنواع الارتكاب التي مورست بحق السوريين الأبرياء في المناطق التي اجتاحها الإرهاب.
ولعل رصد مرامي ما حصل هو المهم في مجمل المشهد، بالتزامن مع ما يفترض أن ثمة نشاطاً مكثفاً يجري باتجاه الاستعداد له، وهو التآم لقاءات سورية-سورية لإنتاج حل سياسي لـ “الأزمة السورية”، فيما بات مؤكداً من خلال عدّة مؤشرات أن إرادة مثل هذا الحل ما زالت غائبة لدى مقصورات توجيه الإيعازات للجماعات المسلّحة في سورية.
أول هذه المؤشرات الافتعال المفضوح لـ “أزمة جياع مضايا”، والثاني كان الانقسامات المشهودة والخلافات التي نشبت بين الجماعات التي رشّحت نفسها لـ “التفاوض” مع الدولة السورية، أما المؤشر الثالث فهو إقحام عاصمة آل سعود كأحد مفردات الحل رغم أنها أبرز عواصم إنتاج وتصدير وصفات الخراب الجاهزة إلى سورية، ونعتقد أن هذه الحيثية لوحدها كافية للإيحاء بأن فرص التفاؤل شحيحة بل نادرة بأن الحل السياسي الفعلي آخذ بالتبلور، واليقين من أن ثمة أيدٍ خارجية داعمة للإرهاب تعرقل مساعي الحل، وهذا ليس إفراطاً في التشاؤم بل قراءة مستوحات مما يجري من حراك وحراك معاكس يؤكد أن بيئة الحل السياسي لم تنضج بعد، لأن إنضاج البيئة أولوية من المفترض أن تسبق الحلول ذاتها، وليس العكس كما يسعى زاعمو بذل جهود التسويات، فقد تكفي نظرة إلى الواقع التنظيمي لمن يدعون أنهم “معارضة” للتأكد من ذلك، فهل اتفقوا هم أنفسهم ليتفقوا لاحقاً مع غيرهم؟.
هو السؤال الذي يجب أن نبني ويبني كل ذي اهتمام بالمسألة السورية تفاؤله أو تشاؤمه، ولعل في الإجابة ما يعيدنا إلى “همروجة” مضايا ومثيلاتها السابقات وما سيليها من ذات الطعم واللون لاحقاً، لقطع الطريق المؤدي إلى ردهات جنيف3.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]