حكومة أفعال…بقلم: ناظم عيد؟؟

تبدو حكومتنا أمام استحقاقات صعبة على بوّابات العام الجديد، أصعب ما فيها أن قوامها عبارة عن تراكمات مرحّلة فرضتها الأزمة كما فرضت إرجاءها تحت وطأة الظروف الصعبة، فنحن أمام بدايات عام “تنفيذي” يُفترض أن تتخذ مساراته التطبيقية بُعداً يتعدى مجرد اعتباره حالة زمنية– فلكية في التعاطي الرسمي معه، لأنه مفصل عملي تقليدي مُعتمد في تطبيق سياسات وخطط وبرامج شاملة وقطاعية.
ولعلنا في العام 2016 إزاء ما يستوجب إطلاق العنان لجرعات عالية من الفضول لمعرفة ما لم يُعلن بعد مما يُفترض أن تنطوي عليه الأجندة الحكومية، فثمة متغيّرات ملموسة في تفاصيل المواجهة السياسية والميدانية مع الإرهاب تبيح فضول التحرّي والاستفهام، لأنها تملي تغيّرات نوعية على صعيد المواكبة التنفيذية؟.
وعلى الأرجح لم يعد في عنوان “إعادة الإعمار” الذي درجنا على ترديده، ما يضع النقاط على الحروف بدقة، فهو عنوان فضفاض أولاً، كما أنه استُهلك إعلامياً قبل الشروع فعلاً بتطبيقاته ثانياً، لذا كان لا بد من إيضاحات أكثر وترتيبٍ واضح للأولويات، ولاسيما أن السنوات السابقة من عُمر الأزمة لم تتكفل بتحفيز برامج حكومية استباقية من النوع الاحترازي، ما يبيح المزيد من الهواجس، فالعام الجديد ذو خصوصية لا تسمح بأداء متماهٍ مع أداء العامين السابقين.
من هنا نقترح أن يكون العام الجاري عام ترميم “الرضوض” الاجتماعية والمعيشية التي أحدثتها الأزمة، لكن بوسائل وأدوات تنموية حقيقية وليس استهلاكية متكلّفة، على طريقة المساعدات العينية وسلال المعونات التي تحوّلت إلى تجارة “استنزافية” رفعت أرقام عجوزات خدمة هذا البند في الموازنة العامة، إلى معدلات متصاعدة على شكل متوالية هندسية، تتوعد كامل الأرصدة الحكومية بالتآكل فيما لو بقي الحال على ما هو عليه.
وهذا ينقلنا دون مقدّمات إلى مضمار المشروعات المتناهية الصغر التي تبدو الآن أشبه بالوصفة السحرية، والخيار الإنقاذي الوحيد ببعديه الاجتماعي والاقتصادي، ونرجو أن يكون في جعبة حكومتنا حصّة وافية – فعلية وليس حكائية سردية – لمثل هذا النوع من المشروعات، لأن ما تمّ إنجازه حتى الآن في هذا المسار لا يرقى إلى قيمة الوقت الذي أهدرناه في الحديث عنه!.
فقد يكون من الحكمة الإقلاع عن استعراض إنجازات – رفع العتب – في تأمين فرص التشغيل لسوق متخمة أساساً، واستبدال ذلك بقروض استثمارية لطالبي العمل لا تزيد قيمة القرض الواحد عن أجر خمس سنوات لموظف مبتدئ، فنكون بذلك قد أتحنا فرص عمل حقيقية ترميمية، لا تجميلية لمشهد البطالة والفقر.
وسيكون من حسن فطنة حكومتنا لو فكّرت بتفريغ فريق باحثين لمدة شهر واحد من أجل بلورة بنك معلومات ودراسات جدوى استثمارية لقائمة طويلة ومتنوعة من المشروعات “الميكروية”، يجري توزيعها أفقياً على مستوى المدن والأرياف تبعاً لطبيعة كل مشروع واختصاصه، وتأمين التمويل لها ليس فقط من الكوى المصرفية المرتبكة حالياً أمام تفسير مصطلح القرض التشغيلي، بل من قطاع الأعمال الذي يحتفي حالياً بفكرة التشاركية التي أهدته إياها الحكومة مؤخراً، ونجزم بأن هنا بالتحديد تكمن التشاركية الفعلية، وبالوقت ذاته يتموضع المحك الحقيقي لجدية رجال أعمالنا في المساهمة بإعادة الإعمار والبناء، ولاسيما أن مساهماتهم التمويلية لن تكون على شكل هِبات، بل تمويلات استثمارية الطرف الثاني فيها هو صاحب المشروع الصغير، والوسيط هو الحكومة.
من هذه المشروعات بالتحديد تبدأ إعادة الإعمار الحقيقية، وقد تكون أزمتنا فرصة لتوطين مشروعات طالما فشلنا في توطينها، لنتحدّث بعدها عن فضائل أزمة بدلاً من الصراخ من لفحات الأزمة، وحسب حكومتنا أن تنجح ونضمن لها أن تنال ما لم تنله سابقاتها من ثناءات.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]