بانتظار أن تطول الكبار… حملة الحكومة ضد الترهل والفساد محط رهان وترحيب والعبرة بالنتائج

 

 

بات الحديث عن الفساد وضرورة اجتثاث جذوره، وتفكيك منظومته، ومحاصرة رموزه …الخ من هذه الجمل –بنظر الكثيرين ونعتقد أنهم محقون بذلك- مجرد شعارات ليس إلا، وذلك لعدم ترجمة ما يصدر من تصريحات لمسؤولين، وما يكتب ويقال في الإعلام حول هذه الظاهرة على أرض الواقع..!.

لكن نعتقد أن الحديث هذه المرة له طعمٌ خاص مرده الإعفاءات الأخيرة التي طالت مدير عام صندوق المعونة الاجتماعية إضافة لعدد من مديري الفروع ورؤساء الدوائر، وبتوجيه مباشر من رئيس مجلس الوزراء، وذلك في إطار حملة يقودها لـ”مكافحة الترهل والفساد في مؤسسات الدولة”.

قد يؤخذ على هذه الحملة اقتصارها على مسؤولي الصف الثاني والثالث دون الأول، علماً أن الدكتور وائل الحلقي سبق له وأكد في أكثر من مناسبة بحملة ستطال مديرين عامين ومعاوني وزراء، إلا أننا نعتبرها أولى خطوات الألف ميل ونراهن على استمرار هذه الحملة عسى أن تطول جميع الفاسدين بلا استثناء.

محاولة ولكن..!.

لدى محاولة استطلاع أراء بعض التنفيذيين حول هذه الحملة خاصة أنها لم تبدأ بكبار الموظفين، إلا أنهم اعتذروا عن الحديث، مفضلين عدم استباق الأحداث، مبدين ثقتهم الكبيرة برئيس الحكومة، مؤكدين أنه لن يدخر جهداً بهذا الاتجاه، غير أن أحدهم ويشغل منصب مدير عام اعتبر أن رؤساء البلديات ومديري المكاتب الفنية فيها هم أس الفساد في البلد، فهاتين الشخصيتين الاعتباريتين محط الاتهام بالتواطؤ المسبق للسماح بتمرير أية مخالفة خاصة في أيام العطل والأعياد والظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، الأمر الذي ساهم وعلى مدى عقود من الزمن بتعقيد حل مسألة السكن العشوائي، وباتت أشبه بسرطان متفشي بجسم النسيج العمراني السوري على امتداد المحافظات والمدن والقرى…!.

بلا وثائق..!.

اللافت في هذا السياق هو تجاوب صغار الموظفين معنا أكثر من كبارهم، ونقصد بصغار الموظفين هنا رؤساء الأقسام ومديري الدوائر، فمجرد ما طرحنا مصطلح الفساد أمام معظمهم حتى سارعوا بالحديث عن خفايا المؤسسات والوزارات التي يعملون بها، ورغم عدم حوزتهم لما يؤكد كلامهم من وثائق ومستندات، إلا أنهم لم يتورعوا عن سرد مواقف تثير الشبهات على حد زعمهم، وتتلخص هذه المواقف بعدم الاعتماد على التوصيف الوظيفي الذي تفتقده معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى الهدر الناتج عن العقود المبرمة مع جهات من القطاعين العام والخاص بتغطية قانونية تحت مسميات نفقات (الإعلان – فض العروض – الوقود..الخ) إضافة إلى نسبة العمولة غير المستهان بها، واعتبر هؤلاء الموظفون أنه رغم تأخر هذه الحملة إلا أنها ترعب المرتكبين.

مجرد طرح..!.

لعل أبرز الأفكار المطروحة لتقليص حجم الفساد هو اعتماد ما يسمى بـ(الجزر المطهرة) أي أن يخصص صندوق في المفاصل المالية الحساسة –على اعتبار أن المال هو الدافع الأكبر للفساد- توضع فيه نسبة من الأموال المحصلة من قبل العاملين فيها، بحيث توزع عليهم بحصص مجزية كل حسب نشاطه ونزاهته ونظافة يده فمن شأن هذا أن يحد من الأموال الضائعة على الخزينة من جهة، ويدعم مفهوم النزاهة والعمل الشريف من جهة أخرى، خاصة وأن أكثر صور الفساد شيوعا تتمثل بالتلاعب في المشتريات وأعمال المخازن والمهمات، والمبالغة في أوجه الإنفاق الحكومي وتمرير الاتفاقيات والعقود لقاء عمولات خاصة مجزية يقبضها القائمون على تنفيذها، كما تشمل صور الفساد تلقي الرشاوي بغرض غض الطرف عن تجاوز القوانين، والتلاعب في إرساء المناقصات والمزايدات الحكومية على من يعطي أكثر، واستخدام الوظيفة العامة –تهديدا وابتزازا– لجني ما يمكن تحصيله من عطايا أو إتاوات مالية من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والمتاجر، خاصة وأن بعض التقارير تتحدث عن وجود فئة من الفاسدين في أوساط الطبقة الرأسمالية من الصناعيين والتجار الذين يدفعون رشاوى لبعض المسؤولين في الدولة في وزارة الاقتصاد ووزارة المالية من أجل التهرب الضريبي.

نسبة مرعبة..!.

لا أحد ينكر أو ينفي تفشي الفساد في متن الجهاز الحكومي وعلى عدة مستويات، لكن ليس الكل يجمع على إمكانية القضاء عليه، فأكثر المتفائلين يعتقد أن نسبة الحد منه ربما لا تلامس الـ70% وذلك على مدى سنوات طويلة قد تصل إلى عشرين سنة وما فوق، ما يعني أن الحاجة إلى عمل دؤوب وإرادة لا تكل ولا تمل، إلى جانب نشر ثقافة جديدة تشد من أزر العاملين على هذا الملف، والمواطن هنا ليس بمنأى عن المسؤولية فهو مدعو للمشاركة بتطهير البلد من الفاسدين عبر تغيير تعامله مع الموظف الحكومي وعدم إفساح المجال لابتزازه، وبالتالي بات هذا الملف بحاجة لاعتماد إستراتيجية وطنية من نوع خاص قادرة بالفعل على محاربة رموزه وتفويت الفرصة على من تسول له نفسه إتباع السبل الملتوية لتحصيل ما يمكن تحصيله على حساب المصلحة العامة، إستراتيجية قادرة على الضرب بيد من حديد وتقويم مسار العمل الحكومي بشقيه الخدمي والاقتصادي.

دمشق – حسن النابلسي

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]