وزارة تستفيق بعد تثاؤب مزمن.. ثمة مايثير فضول المتابعة فعلاً ؟؟

خاص – الخبير السوري:
لم يرشح رقم رسمي قريب عن قيم الأصول الثابتة المعطلة لدى القطاع العام في سورية، ولعله من الصعب بلورة تصور ولو أولي لذلك بما أن الوقائع والمعطيات على الأرض تتداخل بين ماهو خارج الخدمة وميؤوس من إعادته بذات الاختصاص..ومنشآت يمكن إصلاحها واستثمارها مجدداً، وأخرى مازالت تعمل لكنها بحاجة إلى تجديد.
لكن القاسم المشترك بين كل الحالات هي الأرض والمباني والمعدات، ولعلها كلها ذات قيم هائلة تستحق التفكير بكل خيارات إعادة الإنعاش الممكنة.
وكي نكون منصفين – ولعلها تهمة بنظر البعض – لم تتوان حكومات متوالية عن إدارة حالة من العصف الذهني لبلورة خيارات إصلاح منشآت القطاع العام الصناعي.

فكانت لجنة إصلاح القطاع العام الصناعي التي لم تفلح في حسم خياراتها التي تاهت بين خمسة خيارات…ثم اللجنة العليا لإصلاح القطاع العام الصناعي، التي تولى رئاستها رئيس مجلس الوزراء السابق…ولم يطل الزمن حتى حصل التغيير الحكومي، وتوقفت أعمال اللجنة ولم تحسم ولانقطة واحدة من النقاط الإشكالية التي استغرقت هرشاً طويلاً للرؤس دونما جدوى.

ومن خلال متابعة التفاصيل أوبعضها، يمكن أن نجزم بأن التعثر بحسم الخيارات يعود إلى مسألة أساسية وهي ضياع القرار بين الاعتبارين السياسي والاقتصادي الفني..
والأهم الذي علينا جميعاً التسليم به، هو أن سرّ الإصلاح والكلمة المفتاحية له، ليست في لجنة مهما تعدد الوزراء فيها والخبراء، بل في الوزارة صاحبة العمل والمعنية أولاً بكل مايجري وهي وزارة الصناعة.
ولايبدو من حسن حظ هذه الوزارة أن يتولى حقيبتها ويتعاقب على مقصورة القيادة فيها، سلسلة من الوزراء الذين استسلموا لسياق عمل لجنة غير احترافية تبدلت مسمياتها، حتى لو كانت برئاسة “الوزير الأول” في الحكومة خلال مرحلة من مراحل عملها الطويلة.
ولعله من محاسن التطورات أن لجنة إصلاح القطاع قد أُهملت وتعطلت أو انكفأت..لتعود المهمة تلقائياً إلى الوزارة.. وزارة الصناعة بما أن ” أهل مكة أدرى بشعابها”.
لكن العودة هذه المرة كانت مختلفة، بما أن حامل حقيبة الصناعة رجل أكاديمي تقني ماهر، من طراز التكنوقراط ذوي الرؤية الإستراتيجية..فهو أستاذ جامعي معروف بمهاراته في اختصاصه العميق.

لم تطل المسافة الزمنية كثيراً، ليتعرف الوزير جوخدار على أوجاع منشآت وزارته، ويشخصها بهدوء ودون ضجيج، ليبدأ بالعلاجات الجراحية ويشرع بتظهير النتائج على الأرض.. والتجارب مازالت تجري بهدوء وبأقل التكاليف، فثمة خبرة فنية عالية متراكمة يجري توظيفها بعناية فائقة، وعبر فريق مختص من الوزارة ذاتها..
النتائج ستظهر تباعاً..لكن أولها الذي نضج تماماً ويمكن رصده إعلامياً، هو إعادة تشغيل المجفف في شركة سكر تل سلحب، المتوقف منذ ٣٥ عاماً وتم إصلاحه وإعادة تشغيله بزمن قياسي من قبل فريق فني قوامه فنيين من شركة سكر تل سلحب وشركة إسمنت عدرا والشركة العربية المتحدة / الدبس/ وشركة إسمنت حماة، بإشراف مباشر من الوزير الجوخدار .

الأهم في مجمل هذا الإنجاز هو أنه حلّ مشكلة مزمنة عالقة وهي تعطل مجففات الذرة الصفراء، بشكل كادت معه تفشل إحدى الزراعات الهامة في البلاد، ومع تعطل المجففات تعطلت المدخلات المحلية في خلطات أعلاف الدواجن والثروة الحيوانية، بالتالي تضخم فاتورة الاستيراد التي يدفعها عادة المستهلك النهائي أي المواطن.

المجفف – وهو أوروبي  المنشأ أساساً – يعمل بطاقة تجفيف تصميمية تصل تقريباً لـــــ /800/ طن يومياً..والغريب أنه أوقف عن العمل منذ الأعوام الأولى لتركيبه لأسباب مجهولة، لكنه عاد للعمل اليوم بعد تعميره ب “تراب المصاري” كما يقال، فيما وصلت مزادات وعروض المقاولين لإصلاحه إلى حدود الخمسة عشر مليار ليرة سورية.

أوردنا حكاية المجفف كمثال ليس مقصوداً لذاته، وإنما لنتفاءل بأن في هذا البلد خبرات رفيعة المستوى، ولنقتنع بأن علينا أن نعطي الخبز للخباز كما يقال.
نتوقع أن تكون وزارة الصناعة على موعد مع حسم نهائي للكثير من ملفاتها العالقة، ملفات تعاقبت عليها لجان ولجان وأخفقت..فالمسألة تحتاج إلى أصحاب رؤية وإرادة، وهذا ينسحب على كل قطاعات هذه البلد التي تحتاج إلى ترسيخ قناعات جازمة بأن المناصب مسؤوليات وليست امتيازات..والأهم أنه علينا أن نقلع عن خيار اللجان التي عودتنا التجارب لأنها لم تغن من فقر ولم تسمن من جوع يوماً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]