خبراء يُعيدون تقييم الحسابات ويُطالبون بـ “جراحات عميقة” في البنية التشريعيّة الاقتصادية

الخبير السوري:

“الشعوب لا تُحكم إلا بالقانون”.. لعله التوصيف الأكثر دقة لواقع حال المجتمعات كافة، ممن لجأت لاعتماد القوانين كحالة من الإصلاح الإداري القائم على ضمان استمرارية عمل المؤسسات بما تحمله من كوادر، عُرفت بالأكثر قدرة على حل مشاكلها، ضمن فقرات قانونية لا تخلو من الثغرات والسلبيات الكامنة بين سطورها، إلا أنه وعلى الرغم من تطور الزمن إلا أن هذه القرارات بقيت رهن الانتظار، سواء بالتعديل أو الاحتكام لها، وسط أجواء من الفوضى والروتين والبيروقراطية تخللت معظمها، ليبقى السؤال اليوم: هل ما تقوم عليه قوانين المراحل السابقة مازال صالحاً لما نحن عليه اليوم؟ أم إن للقوانين مدة صلاحية معينة لابد من النظر لها والاحتكام إليها؟!

إشارات استفهام

كل قانون هو بشري، ولا توجد ثغرات فاضحة بأي قانون، لكن بغض النظر عن هذه الثغرات، يبقى عدم تجديد القانون أو المناخ الاستثماري في ظل ظروف البلد السائدة وعدم مواكبتها لظروف ومرحلة اقتصاد اي بلد هو أمر يثير العديد من التساؤلات برأي الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس، فيما تبقى الأولويات أمام مؤسسات قائمة نتيجة ظروف الحرب لتسيير أمور الناس واستمرارها بعملها والحصول على إيرادات لتأمين الحد الأدنى من معيشة المواطنين هي المبرر الوحيد لبقاء هذه القوانين، وبالتالي لم توضع القوانين لتحقيق التنمية الاقتصادية بل لمحاولة صمود واستمرار هذه المؤسسات برأيه.

  • د. الجاموس: عدم تجديد القوانين أو المناخ الاستثماري أمر يثير تساؤلات عدة حول الأولويات في الظروف الراهنة

لنأخذ على سبيل المثال قانون ضريبة الإنفاق الاستهلاكي التي فرضتها وزارة المالية والتي وفق توصيف جاموس تعد من أسوأ التعميمات والقوانين التي أثرت على حركة السوق وانضباطه لجهة صعوبة جذب المستثمر، عدا عن لجوء العديد من المؤسسات الخاصة لإغلاق أبوابها، من هنا كانت الأولوية هي الحصول على إيرادات تغطي النفقات، و من هنا نستنتج وفق رؤية الجاموس أننا بتنا الأحوج لتعديل هذه القوانين، بما يتماشى مع الظرف الراهن لتحقيق التنمية الاقتصادية.

أحلاهما مرّ

إذا ما نظرنا للأمور من زاوية أخرى بغض النظر عن آلية عمل العقود والمناقصات والاستجرار المركزي لوزارة الصحة والتعليم العالي، سنجد أن هذه القوانين لا تعطي حالة مثالية وليست لتحسين الخدمة بل لمحاربة الفساد، كما أن نظام العقود رقم 51 لعام 2004 لم تطرأ عليه سوى بعض التعديلات في نواظم الشراء المباشر بأقل من 200 ألف، بالمقابل فإن أغلبية المؤسسات لا تحقق الديناميكية اللازمة للقيام بالأعمال المترتبة عليها.

هنا لابد من التنبه لحال نظام المناقصات أيضاً برأي الدكتور مجدي الجاموس، فهو يعاني من خلل واضح من حيث عدد القائمين على العمل به، مطالباً بإعطاء مساحة أكبر لهم ولأصحاب القرار أي آمري الصرف، ليكونوا مسؤولين عن تنفيذ الأعمال، وعن جودة العمل وتكلفته وزمن تنفيذه كما كان في السابق، لتبقى الأمور اليوم وفي ظل الظرف الحالي رهن خيارين أحلاهما مرّ برأي الجاموس، إما الاستجرار المركزي أو عقود المناقصات، لذا علينا إعادة صياغة قوانين تتناسب مع المرحلة بهدف معين، إما صمود المؤسسات بقوانين جديدة أو تعديلات جديدة لتحقيق التنمية.

خلل تنفيذي

ربما لا توجد ثغرات في الكثير من نصوص وأحكام التشريعات والقوانين الاقتصادية النافذة، وفق رؤية أستاذ الاقتصاد جامعة دمشق الدكتور عابد فضلية، بل قد يكون الخلل والتعقيدات والنقص في التعليمات التنفيذية و/أو بالتعميمات والقرارات المستندة إلى هذه التعليمات، التي تتم صياغتها بحذر وتشدد برأي فضلية، عن قصد أحياناً أو من دون قصد.

  • د. فضلية: مشكلة القوانين مزدوجة لجهة التأخر وعدم الانسجام بإعادة النظر في التشريع بين طرفي العملية

وعلى الرغم من نفي فضلية أن يكون استغلال هذه الثغرات لغاية إفشال عملية التنمية لا قصداً ولا عمداً، إلا أنه أيد بالمطلق أن الإبقاء على هذه الفجوات والتعامي عن وجودها يكون أحياناً لأسباب بيروقراطية ضيقة، أو لغايات نفعية مادية وغير مادية، ما يُفسح المجال حتماً لمزيد من الفساد، الذي سيضر بالتأكيد بسيرورة العمل الاقتصادي وخطوات النمو وعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ضرورة ملحة

إلا أنه وبكل تأكيد وبالنظر إلى الأمور في حال عدم وجود ثغرات بالتشريعات التي كانت قبل الحرب، وفي حال كانت العقوبات نافذة ومناسبة ومازالت نافذة، لابد أن الكثير منها لم يعد مناسباً خلال هذه المرحلة التاريخية، لأن نصوصها وأحكامها وضعت في ظروف مختلفة كلياً عن الظروف التي تمرّ بها سورية من سنوات، لذا – والحديث للدكتور فضلية – لا بد من تجديد أحكام بعضها لم يعد يناسب ظروف ووقائع اليوم، التي تختلف كلياً وبصورة جذرية عن ظروف ما قبل الحرب، لأن مهمة التشريع هي خدمة الاقتصاد بحسب الواقع المادي والملموس على الأرض، فهي تشريعات وضعية وليست أبدية أو ثابتة، وبناءً عليه تحاول الجهات الحكومية أن تتماشى مع ضرورات المرحلة في التشريعات التي تصدرها، فيما تبدو المشكلة مزدوجة برأي فضلية من حيث إن إعادة النظر في التشريع تكون متأخرة من جهة وغير منسجمة لجهة التشريعات المعدلة من قبل الجهة (أ) مع التشريعات القديمة غير المعدلة التي مازالت نافذة لدى الجهة (ب)، والأمثلة كثيرة.. هنا يعود الدكتور فضلية للتأكيد مجدداً على أهمية النظر لكل التشريعات ذات الصلة من قبل كافة الجهات ذات العلاقة بهذه الحالات في حال الرغبة بالتغيير.

عثرات واضحة

التنوع الكبير في أنواع المشاريع ونظم التنفيذ يجعل من غير المنطقي أن تصلح شروط مقاولة معينة لكل أنواع العقود التي ينظمها قانون العقود الموحد رقم 51 لعام 2004.. الذي جاء بديلاً عن عدة أنظمة سابقة كانت تحكم عقود الجهات العامة، توصيف دقيق قدمه مقاولون في حديثهم ل”تشرين” تضمن خصوصية القطاعات المختلفة وهي نظام العقود في الهيئات العامة ذات الطابع الإداري لعام 1969 ونظام العقود في المؤسسات والشركات والمنشآت العامة ذات الطابع الاقتصادي لعام 1974 ونظام العقود في الشركات العامة الإنشائية لعام 1982 والقانون الجديد يطبق على جهات القطاع العام الإداري والاقتصادي والإنشائي جميعاً.

ربما كان القصد من إصداره تدارك العيوب التي تكتنف المنظومة القانونية السابقة وفق تصريح المقاولين، إلا أننا نجد حالياً أن بعض الجهات العامة لديها معاناة معه في مشاريعها أيضاً، الذي سيظهر بشكل أكبر في مشاريع مرحلة إعادة الإعمار، التي ستتميز بالتنوع والاختلاف، سواءً بالحجم المالي لها أو بطريقة التنفيذ، عدا عن كون القانون يقيس كل المشاريع وبمختلف الظروف والأحوال بمسطرة واحدة دون مراعاة خصوصية بعضها أو ظروف تنفيذها، كما نلاحظ غياب أنظمة التحفيز بالقانون ما يمنع الاستفادة من خبرات واجتهادات المتعهد بما يحقق تخفيضاً في التكلفة أو توفيراً في فترة الإنجاز.

  • مقاولون: التنوع الكبير في أنواع المشاريع ونظم التنفيذ في مرحلة إعادة الإعمار يجعل من غير المنطقي بقاء القوانين على وضعها الحالي

ويضيف مقاولون: “تعتبر طريقة معالجة فروقات الأسعار زيادةً أو نقصاناً وفق القانون 51 أحد أوجه الخلاف، فنسبة الزيادة التي يتحملها المتعهد والبالغة 15% يراها البعض مرتفعة خاصة أن نسبة ربح المتعهد قد لا تتجاوز هذه النسبة، ما قد يدفع المتعهد إلى التلاعب بالكميات المنفذة أو حتى الغش بالنوعية وجودة التنفيذ”.

فيما طالب مقاولون آخرون بمعالجة موضوع سلفة المتعهد غير المنصفة والتي حددها القانون بنسبة لا تتجاوز 15% من قيمة العقد لجميع أنواع المشاريع، حيث لا يحق للمتعهد المطالبة بارتفاع الأسعار الحاصل بعد قبض السلفة، التي قد لا تغطي جميع البنود والمواد التي ارتفعت أسعارها، إضافة لضرورة زيادة المدة الزمنية لصرف الكشوف المحددة ب15 يوماً من لحظة دخول الكشف إلى إدارة المحاسبة لكونه يمرّ على عدة أشخاص.

أما فيما يتعلق بفض النزاعات، فيؤكد هؤلاء تحفظاتهم على القانون رقم 51 بعدم تضمينه طريقة ودية قبل اللجوء إلى القضاء أو التحكيم، وبما يحقق مكاسب مشتركة لطرفي النزاع، يضاف لذلك عدم تحقيق توزيع المخاطر في أحكام القانون 51 للمساواة بين طرفي العقد كسحب التعهد أو الحرمان منها لفترة معينة، أو التنفيذ على حساب المتعهد وتحديد الظروف القاهرة لتوقف أو تأخر التنفيذ، الذي بدوره يضاعف المطالبات بضرورة تعديل القانون بما يلائم التوجهات الحديثة ويلبي متطلبات مشاريع المرحلة المقبلة.

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]