مخابئ لقمة المواطن السوري

نهى علي
صعبة ومرهقة مهمة إعادة الإنعاش، وحسّاسة أيضاً، إن كان المريض شخصاً أو منشأة أو قطاعاً، فكيف إن تعلّق الأمر باقتصاد تعرض “لوعكة” في معظم مكوناته بسبب رحى حرب أديرت عليه لردح غير قليل من الزمن، قارب الثلاثة عشر عاماً كالاقتصاد السوري.
تتزاحم الأولويات كثيراً اليوم، والتساؤلات تتلخص بثلاث مفردات “من أين نبدأ”..؟..والواضح أننا بدأنا بمحاولات إعادة إحياء كافة قطاعات وبنى اقتصادنا على التوازي ودفعة واحدة، من هنا يمكن استنتاج سبب البطء في تحصيل نتائج حقيقية على الأرض.
لكن في المشهد العام دوماً تراتبية استحقاقات لاتسمح بتجاوزها ولاتجاهلها، لابدّ من مراعاتها وتلبيتها وإلا تبقى مصدر إزعاج وإرباك، فمثلاً على مستوى قطاعي الإنتاج الحقيقي الزراعة والصناعة، وهما أساس التنمية وإن لم يكونا كلها، لايمكن تقديم إصلاح القطاع الصناعي على الزراعي كأولوية، لأن الأول بحاجة إلى إعادة هيكلة، ويقوم في معظم نشاطه على الأول، بالتالي لابدّ من التركيز على إعادة التعافي إلى القطاع الزراعي وتركيز الاهتمام به، لأنه يضمن استقرار الأمن الغذائي أولاً، ثم لأنه مصدر المادة الأولية لأهم جزء يمكن أن ينجح في بلدنا، وهو الصناعة التحويلية لاسيما الغذائية، ونتحدث هنا عن القيم المضافة الحقيقية، وعن الميزات التصديرية الواعدة للمنتج السوري.
وقد نكون أخطأنا أو على الأقل لم نصب الهدف بدقة، بما أننا اختصرنا القطاع الزراعي بوزارة الزراعة، وحملناها أكثر من قدراتها في محاولات إعادة إنعاش مايتصل باسمها، رغم أن هذا القطاع هو قطاع كل سورية لا مجرد وزارة تتولى مهمة تنظيمية في سياق هيكلية الحكومة..
نحن بحاجة إلى تدخل كافة الوزارات ذات الصلة لإعادة إنعاش أهم قطاع حيوي إنتاجي في البلاد.. بحاجة أن تكون وزارة النفط وزارة زراعة فيما يتعلق باختصاصها وواجباتها تجاه القطاع، وكذلك وزارة النقل ومثلها “الصناعة” وأيضاً “التعليم العالي” على المستوى البحثي، ووزارة الاقتصاد بما أنها معنية كثيراً بإنتاج منتج تصديري، ووزارة التجارة الداخلية على مستوى التسويق، حتى وزارة التربية والمناهج، لأننا بلد زراعي ذو خصوصية وميزات ومن الضروري أن تتضمن مناهجنا شيئاً ما عن الزراعة، كما تتضمن مناهج بلدان مثل اليابان مايتكفل بتوليف أذهان الطلاب باتجاه التكنولوجيا الذكية.
ونظن أن كافة وزاراتنا جاهزة لتقديم ماهو مطلوب منها، لكن قد تكون المشكلة أننا اختصرنا كل مايمكن تقديمه بقناة ضيقة اسمها ” وزارة الزراعة” التي تحرص بشدة على تمرير كل مايتعلق بالقطاع من خلالها، على الرغم من إمكاناتها التقليدية التي لاتسمح بطبيعة الحال باستيعاب كامل حالة الاستنفار الحكومي المفترضة لإعادة التعافي إلى الزراعة السورية، لاسيما وأن ثمة شركاء أصلاء للوزارة لاندري ماتبقى لهم من دور، مثل اتحاد الفلاحين واتحاد غرف الزراعة.
الموقف ليس موقف تنازع أدوار ولا أولويات واستحقاقات.. بل موقف تكامل وتعاون مطلق بين كل من هم قادرين على تقديم إضافة في قطاع هو قطاع كل بيت ومواطن في هذا البلد، قطاع الأمن الغذائي.. أي قطاع القطاعات، لأن الجميع يحتاج إلى غذاء قبل السيارة والسكن والسياحة والتقانة الذكية، الجميع بحاجة لأن يأكل ومضطر من دون مكابرة، هذه هي مقتضيات بيولوجيا الإنسان والخلق، ومهمة تأمين اللقمة ليست من اختصاص وزارة بل حكومة ومنظمات وهيئات غير حكومية ومواطن أيضاً.
الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]