تشخيص جديد لعثرات مشروعات “الفقراء”: التمويل ليس المشكلة الوحيدة.. مكملات أساسية غفلت عنها الأعين

الخبير السوري:

لم تشفع القناعات المتزايدة بأن ثمة طوق نجاة اقتصادياً عموماً واجتماعياً لأغلبية من يدورون في دوامة الفقر.. اسمه المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، لم تشفع بنشر هذا النوع من “البزنس” على نطاق واسع بالشكل الذي تتطلبه الاستحقاقات التنموية بكل أبعادها.  قد تكون المشكلة في المنطلق وتوصيف هذا النوع من المشروعات، بما أن معظمنا يتحدث – بذرائعية – عن ضبابية المفهوم، إذ ليس هناك تعريف موحد عالمياً أو عربياً للمؤسسات الصغيرة، إلا أن ذلك يجب ألا يقلل من الإدراك الضروري لأهمية هذه المشروعات، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل أيضاً على المستويات الاجتماعية العامة أيضاً.

  • اسمندر: بعد تأسيس المشروع تظهر مشكلة التسويق وهذه المشكلة موجودة عند أغلب المشروعات

في بلدنا سورية بدت المشروعات الصغيرة والأصغر ذات مضامين “فريدة” عن باقي بلدان المنطقة، فالتعريف كان مختلفاً قبل اعتماد دليل الأمس في مجلس الوزراء.. والمشكلات والهواجس خاصة، وحاجات النهوض بها تنطلق من معطيات سورية بحتة، لكثرة ما جرى التجريب والدراسة والتحضير.

دراسات و«ارتكاسات»

الدراسات باتت لدينا في واد.. والتنفيذ بضغط الحاجة في وادٍ آخر، يدل على ذلك أحدث الأرقام التي رشحت مؤخراً عن هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. فعدد المشروعات الصغيرة المرخصة رسمياً وصل حتى الآن إلى ١٣ ألف مشروع.. بينما غير المرخص وصل إلى ١٨ ألف مشروع، والرقم الثاني يعكس حجم الحاجة والاستحقاق الكبير لمشروعات “الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي”، التي وجد فيها السوريون  مصدر الدخل المستدام، بدلاً من الانتظار على أبواب الجمعيات الخيرية للحصول على سلة غذائية.

ونعود هنا للسؤال لماذا لم تنتشر “مشروعات الفقراء” على نطاق أوسع بشكل مؤسس وفق الرؤية الحكومية؟ ولماذا أخفقت بعض المشروعات بعد إقلاعها بفترة؟ وهل المشكلة بالتمويل أم التسويق أم الإدارة والمهارات؟

هذا ما يجب أن ندركه جميعاً ونحن نتوجه لإنعاش هذا النوع من المشروعات.

ما بعد التمويل

يوافق إيهاب اسمندر مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، على أن مشكلات قطاع المشروعات الصغيرة لا تنحصر بالتمويل وحسب، بل التمويل جزء من هذه المشكلات، حتى لو أنه في بعض الأحيان قبل تأسيس المشروع تظهر مشكلات تمويلية كبيرة، لكن بعد المشروع تظهر مشكلات أكبر هي مشكلة التسويق وهذه المشكلة موجودة عند أغلب المشروعات.

التسويق

بالفعل تم التركيز كثيراً على مشكلة التمويل لدى التحري عن عثرات المشروعات الصغيرة، لكن لم يتم التعاطي بشكل عميق مع المشكلة الأكبر وهي مشكلة التسويق.. أي بعد إقلاع المشروع والبدء بالإنتاج.

ويرى اسمندر أن التسويق هو علم قائم بحد ذاته له العديد من المفردات والتقنيات وأساليب، لكن  معظم المشروعات الصغيرة، بل الأغلبية العظمى منها تفتقر إلى أدبيات ومهارات التسويق والترويج، لأن أصحابها يعتقدون أن التسويق مهمة سهلة وبسيطة.

تنظيم وإدارة

عموماً لا يخفي اسمندر  أن هناك حزمة مشكلات تواجه المشروع الصغير.. من التمويل إلى التسويق، إلى العقبات الإدارية التي تتعلق بالتراخيص وسهولة الحصول عليها، وهنا نصطدم بمشكلة البيروقراطية المزمنة.

ويوضح مدير تنمية المشروعات أن بعض المشروعات غير منسقة بشكل صحيح، وتم العمل على استبيان بين أصحاب المشروعات الصغيرة، وكانت النتائج مثيرة للدهشة..  فنحو ٤٣% من أصحاب هذه المشروعات لا يعلمون بالإجراءات والتراخيص اللازمة للمشروع.

  • ٤٣%  لا يعلمون بالإجراءات والتراخيص اللازمة للمشروع

وعلى العموم فإن المشروعات الصغيرة في الوقت الحالي تواجه صعوبات في بلدنا بعد الأزمة.. هناك نقص بالأيدي العاملة المؤهلة والمدربة بشكل كافٍ ومشكلات النقل وارتفاع التكاليف وأجور الشحن.. وأيضاً ارتفاع سعر المحروقات.

نظرة ناقصة

حتى لو لم تكن مشكلة التمويل هي الأساس، إلا أن أحداً لا يستطيع التقليل من أهميتها، فللتمويل بالنسبة للمشروعات الصغيرة حيثيات خاصة لا تنسحب على باقي قطاعات التمويل الاستثماري أو التشغيلي، وهي خصوصية تتمثل، وفقاً لمدير عام الهيئة، بأن بنوك التمويل الأصغر تستهدف المشروعات الصغيرة لكن لا تمنح  الأموال بسهولة، أي هناك إجراءات وترتيبات، لأن البنوك تعتبر نفسها تتعامل مع فئة لا تتصف بجدارة ائتمانية كافية، فتعمل على التأكد والتحقق من القرض والتدفق النقدي الداخل للمشروع كما تجري دراسات جدوى اقتصادية وعوامل تأمين.

محاولات

هيئة تنمية المشروعات تبذل محاولاتها لإيجاد حالة من التنظيم والمأسسة من شأنها تعزيز وإنعاش قطاع المشروعات الصغيرة، ويوضح اسمندر أنه إضافة للبرامج التي تعمل عليها الهيئة، تحاول تقديم النصائح للمتقدمين والراغبين بمثل هذه الاستثمارات عبر اللجنة الفنية الموجودة في الهيئة، طبعاً لمن يرغب، لأن هناك نقاط ضعف نواجهها، فهناك مشروعات تقتضي فئة عمرية معينة وأحياناً الجنس يلعب دوراً بين الذكر والأنثى، إذ توجد مشروعات تقتضي المرأة وكذلك الرجل أيضاً. لكن برأي اسمندر هناك أشخاص يحبون المغامرة بالمشروع حتى لو كان يتطلب رأسمالاً كبيراً.

وظيفة

يلفت اسمندر إلى أن الأغلبية مازالوا مسكونين بثقافة المشروع الخاص وثقافة المبادرة الذاتية، لكن الأمر مازال بحاجة إلى عمل كبير وإعادة تشكيل الوعي الجماعي تجاه ما يتعلق بأن يكون لكل سوري مشروعه الخاص والمناسب لإمكانياته الفكرية والمادية وأيضاً الخبرة الذاتية، لأن الشعب السوري مازال متعلقاً بفكرة الوظيفة والعمل بأجر.

  • عفيف: كل الأسر السورية بشكل عام منتجة لكن البعض يعمل بشكل احترافي أكثر لهذا ظهرت فكرة المشروعات الصغيرة الأسرية

المشروعات الصغيرة، حسب مدير عام الهيئة، تحتاج إلى جرأة والكثير من الإيمان بالمشروع، وهذا يحتاج للكثير من العمل، إذ يجب أن يُدرس في الجامعات أو في المدارس أيضاً مقرر أو مقرران يتعلقان بريادة الأعمال، وطالب بأن تكون هناك برامج توعية على وسائل الإعلام المختلفة توضح الفرق عند شخص لديه مشروعه الخاص وكيف تكون حياته أفضل .

ميزات

ومن جهة أخرى يرى الخبير التنموي أكرم عفيف أن كل الأسر السورية بشكل عام منتجة، لكن البعض يعمل بشكل احترافي أكثر لهذا ظهرت فكرة المشروعات الصغيرة الأسرية من خلال طاقات وإبداع ومعارف السوريين، فيجب ألا تهمل ولا طاقة في الإنتاج السوري، لتحسين نوعيته وكميته ومستواه وأيضاً شكله حتى ندخل في المجال التصديري ونصدر إلى أنحاء العالم كما تفعل الصين حالياً.

خيار إنقاذ

وبيّن أن هذه المشروعات “الصغيرة والأسرية” هي أمل سورية لأنها تحاكي قصص نجاح في العالم وبينها الصين، وأكثر قصص النجاح في المشروعات الأسرية هي مشروعات في حلب وحلّت جزءاً كبيراً من مشكلات الأهالي في وقت قصير.

وإجابة عن تساؤل “تشرين” هل يمكن أن يتغير واقع سورية خلال بضعة أشهر أو ربما بضعة أيام، أكد عفيف أنه إذا تم استخدام كل طاقات السوريين في العملية التنموية، فهناك طرق عديدة لزجّ كل الطاقات أولاً، وأيضاً هناك محركات لمجموعة المشروعات الأسرية أولها المحرك الرسمي ومنها حكومي توجد فيها الأغلبية من الكادر الحكومي، وهناك مجموعات تضع الموضوع وتعالجه وتحسّن مستوى المشروعات الأسرية من خلال زج هذه الطاقات كلها في المشروع .

ويضيف عفيف: يجب أيضاً أن نعمل على طريقة إنتاجية وبجودة، ويجب أن تكون هناك عملية ربط بين المكونات .

وأكد عفيف ضرورة أن نعمل بشيء من التدريب لهؤلاء الناس والشركات لأن هناك شركات حالياً تعمل هي التي تقوم بالتشجيع من خلال دعم صاحب المشروع بأكثر من الطلب الذي طلبه.

لنا كلمة

في المحصلة.. تبدو هذه المشروعات بحاجة إلى تسويق للفكرة قبل التفكير بتسويق المنتج، ولذلك يجب نشر الوعي والرغبة وإيجاد الحافز لدى كل من لديه إمكانية، فهذا النوع من المشروعات هو الخيار الإنقاذي المعيشي والاقتصادي الحقيقي.

تشرين – آية محمد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]